الرئيسية » تحرر الكلام » انهم يقتلون مستقبل العراق

انهم يقتلون مستقبل العراق

قَدَرُنا أن يمدَّ الله بأعمارنا للحد الذي نرى بأم أعيننا كيف تُغتال الطفولة في بلدنا على أيدي المجرمين، قدرُنا أن نعيش مع الإرهاب ليأتينا هذه المرة على أيدي أطفالنا الذين هم بعمر الزهور، فلم يكتفي أعدائنا أن يشوهوا كل المعاني الجميلة التي عرفناها عن بلدنا ووطننا، بل وصل الأمر إلى كل معنى جميل في حياتنا، ليشوهوا معالمه ويطرحوه لنا بصورة نكرة، باسم الجهاد والعمل من أجل الدين.

تفجير الطفولة

قد ألمني أشد الألم منظر الطفل الذي مُسك في مدينة كركوك، مرتدياً حزاماً ناسفاً ينوي تفجير نفسه في أي مجموعة من المواطنين يصادفها، وهو يبكي مثل أي طفل بريء قد أرعبه منظر مَسك الشرطة له وهم ينزعون عنه ذلك الحزام.

وكنت قبل أيام أقرأ تقريراً اخبارياً عن كيفية أعداد داعش للأطفال في المناطق التي يسيطر عليها، بأساليب مختلفة لغسل أدمغتهم، ومن ثم تصنيفهم على حسب ما يتميزون به. والحقيقة بالرغم من قراءتي لتلك الدراسة بتمعن وانتباه شديد، حتى وصلت لدرجة الاشمئزاز من خبث تلك الأساليب التي يستخدموها مع الاطفال، لكني قلت في نفسي ربما هي مبالغة من الكاتب ليعطي درجة تأثير عالية في نفس القارئ، لكني بعد رأيت ذلك الطفل الذي لا يتجاوز عمره الرابعة عشر سنة في كركوك وهو مرتدياً حزاماً ناسفاً، ومن قبلها جاءنا خبر التفجير الذي حدث في حفل زفاف في مدينة غازي عنتاب التركية ليذهب ضحيتها أكثر من 50 قتيل،  وكان الانتحاري طفلاً  أيضاً لا يتجاوز عمره الثلاثة عشرة سنة، ايقنت إن من كتب ذلك التقرير، لم يتعدى حدوده ولم يبالغ بوصف الحالة التي سردها عن داعش وأساليبها في تجنيد الأطفال.

هل وصلت داعش لمرحلة النقص في الرجال؟

وربما يتساءل البعض، هل وصلت داعش لمرحلة نقص في الرجال، لكي تستعين بالأطفال في تنفيذ جرائمها القذرة؟ أن داعش لا تعاني من نقص في الرجال المُغرر بهم للعمل ضمن صفوفها، ولكنها تمشي وفق أجندة قد رسمها لها أسيادها، تبتغي شيئاً أخر هو أكثر عمقاً في إيذاء الشعب العربي المسلم السنّي العقيدة. هو جعل هذا الفكر المتطرف له جذور راسخة في بنية هذا الشعب البعيد كل البعد عن التطرف قبل أن تحل عليه داعش وأخواتها.

إظهار السنّة للعالم بأنهم متطرفون وإرهابيون

تلك الخطط تندرج ضمن المشروع الاستراتيجي الصفوي الإيراني، الذي يبتغي إظهار السنّة للعالم بأنهم أتباع دين التطرف والإرهاب والقتل والجهل، بينما يُظهر العقيدة الصفوية للعالم بأنها هي دين الحق الذي يحمل الحب والسلام للأخرين وأنهم ضحايا للإرهاب السنّي، وقد نوهت على تلك الأهداف الاستراتيجية التي تخطط لها إيران في مقالات سابقة.

تصف تلك الدراسة كيف إنَّ هناك مراكز تدريب، قد أنشأتها داعش لتجنيد الأطفال، وتنتشر تلك المراكز في الموصل وفي المناطق الأخرى التي تسيطر عليها داعش في العراق وسوريا، ويتم فرز الأطفال فيها حسب معاير مختلفة منها العمر والبنية الجسمانية ودرجة الذكاء. ويلقّن فيها اولائك الأطفال دروساً يغسلون فيها ادمغتهم ليزرعوا فيها أفكار التطرف والإرهاب، ثم تدريبهم عسكرياً وإكسابهم لفنون القتال حسب قدرة كل طفل، فمنهم من يُعد لكي يكون مقاتلاً، ومنهم من يُعد لكي يكون جاسوساً يتجسس على الاخرين، ومنهم من يكون انتحاري، وفي الدرجة الأخيرة وهم الضعاف في بنيتهم الجسدية والفكرية، فإنهم يُدمجونهم ضمن شيء يعرف بجيش العسرة، الغرض منه أن يكون جيشاً داعماً (لجيش الخلافة) يتم الاستعانة به وقت الحاجة.

ما هو مستقبل أطفالنا؟

ولو تخيلنا، ما تكون قد فعلت داعش بأطفالنا طيلة السنين التي سيطرت عليها على أراضينا واهلنا، بعد أن مكّنها الصفوين الإيرانيون منها؟ إننا نجزم إنَّ داعش قد وصلت مرحلة بالغة الخطورة في تشويه طفولة أبنائنا، وأن الخراب في بلدنا، لم يشمل البشر والحجر فقط، بل شمِل مستقبل أجيالنا للسنوات القادمة، وأن دحر داعش عن تلك المناطق لا يعني نهاية الحرب مع هذا الفكر المنحرف، ذلك لأنه قد تجذّر في عقول الآلاف من أطفالنا، بل إننا سوف نحتاج لحرب جديدة على مستوى أعادة التأهيل لتلك الأجيال الصاعدة من أبنائنا لتخليصهم من السموم التي حُشرت في عقولهم.

إنَّ النكبة التي عاشها السنّة في العراق وسوريا وباقي الأراضي التي تعاني من التمدد الصفوي بصورته الداعشية، هي نكبة كبيرة حلت على بلداننا، ولم تستثني مجالاً من مجالات الحياة لم تلحق به التشويه، لكن الأكثر ألماً واحباطاً فيه، هو تشويه معالم طفولة أولادنا، وتهديد مستقبل مجتمعاتنا.

لقد سمّم أعدائنا الأمريكان أرضنا باليورانيوم المنضب خلال حربهم على النظام السابق، ليعاني من أثاره العراقيون وخاصة أطفالهم لسنوات طويلة، بالأمراض السرطانية التي تنتشر بينهم بسببه، ثم جاءت بعدها إيران لتسمم أراضي الجنوب بتوجيه مياه البزل الى داخل الأراضي العراقية، ولتتحول أراضي شاسعة من عراقنا أرضي بور لا تصلح لزراعة شيء، وقطعت المياه عن محافظة ديالى من خلال تغير مجاري الأنهار، لتعيق عمل الزراعة فيها.

لكن هذا المرة بلغ التشويه في العراق لمرحلة تمس مستقبل أبنائه وسر قوتهم، إنه تشويه طفولة العراقيين، لقتل ووأد أية فرصة مستقبلية لنهضة جديدة للعراق، وكلنا نعرف كيف أن تشكيل شخصية الانسان تبدأ في مراحل الطفولة والمراهقة التي يعيشها، وعملت داعش وبتوجيه من الصفويين الإيرانيين، على التركز بتشويه تلك الفئة العمرية من مجتمعنا، وانتاج مجتمع إرهابي جاهل لا يعرف شيء سوى القتل، لا يختلف في طريقة تفكيره كثيراً عن بعض القبائل الهمجية التي تعيش بعيداً عن اية حضارة انسانية في مجاهل افريقيا.

وماذا عن أطفال الشيعة؟

أما عن الطرف الاخر من المعادلة العراقية، ونقصد بهم العراقيون الشيعة. فالذين يتحكمون بهم، هم أصحاب الفكر الصفوي المرتبط بإيران، فهم يشوهون الطفولة، بطريقة مختلفة. يزرعون الحقد في عقولهم صغارهم على العرب وعلى السنّة من نعومة أضفارهم، ويزرعون في عقولهم، إنَّ السنّة والعرب هم ورثة الامويين الذين قتلوا الحسين!!!! ويجبُ قتلهم والانتقام منهم، ويصِلون بتربيتهم لهؤلاء الأطفال للحد الذي ينظرون إلى ما يسمّى “السيّد” فاغري الافواه، ينتظرون التوجيهات منه بدون تفكير منهم ولا وعي.

التطرف لا يعيش إلا في الامة الجاهلة

ووصلت نسبة الامية في المجتمع العراقي في ظل حكم هؤلاء الصفويين، لمستوى هو الأعلى عالمياً، ذلك لأن التطرف بكل أشكاله لا يعيش إلا في الامة الجاهلة، وإن الجهل هو الوسيلة المفضلة للتجنيد. ففي الوقت الذي وصل العراق في سبعينيات القرن الماضي الى درجة صفر في نسبة الاميّة، تبلغ الان نسبة الاميّة مستويات مخيفة، تقدر أعدادهم بالملايين. هؤلاء الأميّين هم وقود المليشيات، الشباب الجاهل الأمي، هم وقود الحروب الطائفية، والأفكار التكفيرية والاقصائية لا تزرع إلا بأدمغة الجهلة، لتتم المتاجرة بدمائهم يميناً ويسارا، وما الجيش الشيعي الحر الذي تم تشكيله مؤخراً من الشيعة العرب، إلا مثالا صارخاً على استحمار إيران للشيعة العرب، وسوقهم في حروبها ليلاقوا حتفهم.

أننا مقبلون عن تحدي كبير لا يقف عند محاربة داعش والمليشيات الطائفية عسكرياً فقط باعتبارهم أُس الفساد في وطننا، إنما يجب مكافحة أثار تلك المنظمات الإرهابية التي ستُخلفها بعدها. إنها حرب طويلة تحتاج لسنوات وسنوات ليتم التخلص من أثارها وسوف تُدفع الكثير من التضحيات لأجلها.

واجب البقية الصالحة

أن من اهم الواجبات التي تلقى على البقية الصالحة من العراقيين، الذين سنحت لهم الفرصة للنجاة من جرائم داعش والمليشيات، الذين استوطنوا بعيداً عن الوطن، هو العمل على تأهيل أولادهم، فكرياً وعلمياً وعقائدياً، لأنهم سوف يجنوا ثمار ذلك التعب في تأهيلهم، عندما تسنح الفرصة لهم مرة أخرى للعودة للعراق، ليقوموا بواجب بنائه من جديد، هو استثمار في الانسان، الاستثمار الأغلى والأنجح والأكثر فائدة لمن يريد أن يبني الوطن.

قد يعجبك أيضاً

أضف تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.