الرئيسية » الهدهد » مراسل ألماني: الشرق الأوسط أزمة وحرب في صورة قاتمة.. هكذا يعيشون

مراسل ألماني: الشرق الأوسط أزمة وحرب في صورة قاتمة.. هكذا يعيشون

أعد مراسل القناة الأولى للتليفزيون الألماني تقريرا موسعا تحدث فيه عن الحروب في الشرق الأوسط إذ يعمل فولكر شفينك، مراسل القناة في أكثر من 15 بلدا، من بينها سوريا والعراق، حيث أن الحرب الإعلامية ترافق كل العمليات الحربية.

 

ويقول شفينك انتقلت في 2013 إلى القاهرة لتغطية الأحداث من هناك إعلاميا في جزء كبير من منطقة الشرق الأوسط، وجاءت التغطية في الغالب عن أزمات وحروب. أنت كنت تتوقع شيئا آخر، أليس كذلك؟

 

عندما توليت منصبي كمراسل كان لدى اعتقاد ساذج، وهو أنه سأعاين هنا في القاهرة مسار النمو الديمقراطي، ظننت مثل الكثيرين وبجدية أن طريق الثورة لا رجعة فيه، وما فتئ أن اتضح بسرعة أن الأمر مختلف.

 

حتى أغسطس 2013 كان من الممكن الكتابة عن أشياء تختلف عن الحرب والأزمات، هنا في مصر تم إخلاء تجمعات الاحتجاج لأنصار محمد مرسي، وكان عدد الأشخاص الذين لقو مصرعهم فيها أكبر من عدد الذين قتلوا أثناء الثورة في 2011، وبعدها وقع هجوم بالأسلحة الكيميائية في سوريا وتبعها تغطيتنا الإعلامية التي ارتبطت بالحروب والأزمات فقط.

 

أنت تحاول التقليل من الخطر المحدق بسفرياتك، هل تشعر أحيانا بالخوف؟

لقد حصل مرارا قبل العديد من الأسفار إلى سوريا أن قلت في نفسي لن أعود من هذه الرحلة، ولكن عندما أكون في عين المكان، يصبح الوضع أفضل، نحن مستعدون قدر الإمكان، ولم نواجه في السابق وضعا بهذه الخطورة. وعادة ما يرافقنا أحد طرفي النزاع، في سوريا مثلا من قبل الحزب الكردي. وكان بإمكاننا في السابق في سوريا مرافقة مجموعات متمردة. إذن نحن لسنا أبدا لوحدنا. ونادرا ما نكون أيضا في مقدمة الجبهات.

 

هل هذا يعني بأنك لست مراسلا تقليديا لتغطية الحروب؟

لا، ولا أعتبر نفسي كذلك. الذي يهمني أكثر هو كيف يتأقلم الناس مع تلك الظروف.وما هي التساؤلات التي توضع عندما تُشاهد صور من حلب: كيف يمكن لأناس أن يتزوجوا وينجبوا أطفالا في تلك الظروف؟ أو أن يستيقظوا باكرا ويذهبوا إلى العمل، كيف يحصل ذلك؟هل بمقدورك أيضا نقل هذه الوقائع؟

 

نحن نحكي عنها في صورة مقتضبة. للأسف، ليس بوسعنا حاليا تغطية مناطق المتمردين في شمال سوريا ـ منذ نهاية 2014 بات الوضع هناك خطيرا. الشيء الذي يجب معرفته هو أنه كان لدينا تقسيما في توزيع المهام داخل المكتب ـ مراسل يذهب بتأشيرة إلى جانب النظام والآخر يرافق متمردين.

 

زميلي توماس أديرس كان في حلب في الجانب النظامي، وهو لم يعد موجودا هنا. وأنا لم يعد بمقدوري الانتقال إلى جانب المتمردين، لأن الوضع خطير. وعليه فأنا مضطر لنقل أحداث من حلب فقط بمساعدة مصورين يرسلون إلينا صورا بالكاميرا من هناك. وهذا هو بالطبع موقف المعارضة التي يجب تصنيفها. ولكن في هذا النزاع لا وجود للخبر الموضوعي (المثالي).

 

إنه أمر غير مريح بالنسبة للصحفي الذي لا يستطيع التواجد في مكان الحدث؟ إنه وضع مخيب للأمل، لأنه يشكل طعنا بالنسبة لمهمتنا. وغالبا ما نقرأ عبر الإنترنيت بأننا نقوم بدعاية للمتمردين. وأرغب في تفادي محاولات أي طعن عندما أعاين بنفسي كل شيء. لكن هذا غير ممكن في كثير من المناطق.

 

عندما تشاهد الكثير من الأزمات والحروب، ماهو شعورك ووضعك شخصيا؟

إن ذلك يجعلك تصبح قاسيا، وتفقد التأني وأحيانا تصبح ساخرا. وما ينفع في هذه الحالات هو أن يكون لك وسط اجتماعي سليم يساعد على شحن طاقة جديد.

 

هل مازلت تشعر بأنه من الممكن الحديث عن أشياء جميلة في الشرق الأوسط ـ أناس لا يعانون من الحرب؟

ببساطة نادرا ما أصادفها. المرء يصبح قاسيا، ويصبح له نظام إدراك مبرمج على الشغب والبؤس. كانت هناك فترات شاهدت فيها فيديوهات لما يسمى بتنظيم داعش أو لمجموعات متطرفة ليست أقل عنفا. لكن لم أعد أفعل ذلك.

 

كيف تنظر إلى الشرق الأوسط؟

تعرفت هنا على أشخاص جيدين. في سلطنة عمان مثلا تعرفت على سيدة أنشأت شركتها الخاصة لإنتاج البخور، وكانت في أواخر الأربعينيات وهي جدة،وكان مظهرها وكأنها في الثلاثينيات من العمر. في عمان تغطي غالبية النساء وجوههن، وهي لا تفعل ذلك، وتقول بأنه ينبغي على الناس أن يعرفوا من أنا، وهذا الموقف ترك انطباعا قويا في نفسي.

 

في المنطقة العربية يوجد أناس لهم وعي بالشرف الأخلاق، ولا يسعني إلا الانحناء أمامهم احتراما لهم. وهذه اللقاءات تبث شعور المثابرة في روحي. ما يدمرني هي تلك النظرة المنتشرة التي لا أرى عبرها حاليا في الشرق الأوسط وجود شيء يتطور إلى ما هو إيجابي. ففي مصر يسود قمع شامل ـ والنظام غير قابل للطعن، حيث ليس هناك بديل بالأساس.

 

ما هو تقييمك الشخصي لمستقبل سوريا؟

حاليا يبدو وكأن بشار الأسد قادر على البقاء، والقضاء على المعارضة التي يمكن أن تصبح شريكا. وبفضل الدعم العسكري الروسي والإيراني هناك فرصة للإستيلاء على حلب. وسيكون قد استرجع بذلك السيطرة على كافة التجمعات السكنية المدنية. ثم إن هناك العديد من المتشددين. المعارضون المعتدلون الذين يشعرون بخذلان الغرب قد يلتحقون بهم. ومن تم يمكن توقع حصول تشدد أكبر في المواقف.

 

والفاجعة الكبيرة في كل هذا هي الظلم الاجتماعي في سوريا. حاول الناس الانتفاضة ضد نظام قام على أجهزة المخابرات والقمع والتعذيب الشنيع.

في 2013 شاهدت شبابا مدججين بسكاكين وبنادق في حلب، وكانوا يمجدون ذلك. هؤلاء الشباب انصرفوا جميعهم.

 

ما معنى انصرفوا؟

قد يكونوا لقوا حتفهم أم هربوا. ولكن الكثيرين تخلوا عن “موضة الثورة”. فالشخص الذي مايزال يعتقد أنه ثوري في هذه الحرب، يعرف الآن ماذا تعني الحرب.

 

إذا كنت تنقل الأخبار كمراسل فقط عن الحرب والأزمات، فأنت إذن تؤثر على نوعية الإدراك في ألمانيا؟

بالطبع وسائل الإعلام لها تأثير. إذا دُمرت حلب في جزئها الأكبر، فيجب علينا نقل مشاهد الشوارع المدمرة. توجد بالطبع شوارع أخرى لم تُدمر، لكن عندما نتحدث عن الحرب، فإننا نقل إذن مشاهد الحرب. وعلى هذا النحو يتكرس في ألمانيا الانطباع بأن كل حلب قد دُمرت. وهذا خطأ.

 

لكن في الحقيقة لدى أيضا صعوبة في كشف صور إيجابية عن المنطقة. بالطبع هناك مؤشرات أمل. ولكن كيف هي الحالة بصفة عامة؟ الاستقرار لا ينمو، والأمان كذلك، والازدهار الاقتصادي لا ينمو. ولكن هناك أشخاص في الشرق الأوسط يعيشون حياتهم اليومية. والحياة اليومية ليست مثيرة، وبالتالي لا تلقى التغطية الإعلامية.

 

أنت تعايش الدمار والبؤس في عين المكان وتتحدث عن أشخاص هربوا من مناطق الأزمات والحروب ـ مثلا إلى ألمانيا. كيف يتم النظر إلى التغطية الإعلامية في ألمانيا؟

 

أنا أقابل الناس في المكان الذي يكونون فيه أفرادا داخل مجموعة بشرية لهم فيها وجه معروف. وهم مثلا الخباز أو البروفيسور الذي أجبر على الهرب. وعندما ينجحوا في الهرب إلى ألمانيا، فهم في الغالب فقدوا كل ما يملكون. في ألمانيا يُعتبرون أرقاما فقط ـ كلاجئون في مواجهة الصعوبات المعروفة. إن هناك فرق أن نكتب عن رقم في ألمانيا أو أن أتحدث عن شخص – له حياة وقصة – يفقد في الأثناء كل ما لديه.

 

فولكر شفينك، أتم مشواره الدراسي في كونتسانس جنوب غرب ألمانيا، وعمل بداية في الاستوديو الإقليمي لإذاعة وتلفزة جنوب غرب ألمانيا. وفي 2002 انتقل إلى الإذاعة والتلفزة في شتوتغارت. وبعد خمس سنوات انتقل إلى جنيف. منذ 2013 وهو يرأس مكتب القناة الألمانية الأولى في القاهرة.

 

نقلاً عن الاذاعة الالمانية “دوتشفيله”

قد يعجبك أيضاً

أضف تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.