الرئيسية » تحرر الكلام » الجامعة العربية الى اين؟

الجامعة العربية الى اين؟

منذُ أكثر من سبعين خريفاً بشرّ حكام الغرب على لسان الدول العربية بولادة جامعة لهم!

يومها خرج الناس من بيوتهم محتفلين بالتطبيل و التزمير ,و غصت شوارع العواصم و الحدائق و الساحات العامة بمواكب المهللين و المغنين مردين الأناشيد الوطنية حاملين الشعارات الثورية، وامتلأت أجواء الأحياء و الأزقة بالأفراح و الدبكات و أزيز الرصاص و لعلعة زغاريد النساء.

  في تلك الأيام الصعبة ,كان من الطبيعي للإنسان العربي بحلاوة عفويته و سلام نيته أن ينظر لهذه الجامعة بهذا الشكل الإيجابي النابع من تطلعات أجياله و اندفاعها لرفع رايات جديدة تجمع الشمل و توحد الكلمة، لإعادة بناء ما خربته الأيام و ما أفناه الدهر, ومن البديهى و تحت انطباع بأن يكون لهذه الجامعة آمالاً خيرة و نوايا صادقة قد تسيرُ بالمجتمعات العربية على مسالك المحبة و دروب الألفة و الإخاء.

جامعة تكون موحدة للأجيال الواقفة بصمت على عتبات الغد تستوحي من وصايا موسى رفعة عدلها و تغرف من كلمة عيسى نبل رحمتها  و تنحت من نبوة رسول العرب سمو إنسانيتها”عليهم السلام” .

جامعة لديار العرب تفتح بعزم شبابها نوافذ قلوب المبدعين،و تشرع أبواب الحكمة بأدمغة المفكّرين علها تسير حاملة بأياديها مشاعل النور، مرجعة  للأيام أشعة الأمل التي أظلمتها ليالي عقود الركود تحت أسياط البطش و أسياف الظلم و مشانق العبث.

ولكن ما أن عصفت ارياح الشمال الغضوب المتحين لعروبة “مصر” يوم تأميم القناة حتى بانت حقيقة الجامعة فتحولت أفراح الناس إلى عزاء و تبدلت الأغاني و الأغاريد الى مآسي دموع و أحزان .

  و مرت الأعوام بأيامها المفعمة بالشدائد و ويلات الحروب و الجامعة العربية تتربع بصمت على حصى هدم السنين مستأنسة بزهد غريب أمام متاعب هموم شعوبها و عراك أجيالها و هدر ثرواتها و تقلص ريح سلطانها في سباق مع الزمان,تتقمط اكفان الزوال وتتبرج على شفى حفر رمال قبور  الفناء,و تتنسك بشكل عجيب لما يلم ببراعم الأجيال السائرة مع الفقر و الجوع بثقل قيود العدم نحو الفناء بضعف هياكلها المهزولة حيث الموت يترقبها في قرى الصّومال و يتربصها في أدغال السودان وهى تبحث في زوايا بيادر القحط و النسيان عن لقمة تسد جوعها، فلا تجد غير القش الأصفر و الزوان الجاف، و أحياناً تستحب بعواطف عمياء تعاظم ضربات القلوب الخائفة أمام  أخيلة أجنحة الليل المفعمة بأنفاس الموت مع صدى انسحاق عظام الاهليين في ضواحي الزوراء و قرى الشام،و تستطيب بجوع رائحة الأشلاء المنبعثة مع  سواد البارود المحروق بنيران الفُرْس الآكلة و صواريخ الروس المدمرة الواقعة على البيوت و المدارس و المستشفيات و مصانع الحليب في ” بيروت”و “بغداد”,و تفرح متبسمة أمام مسارح حروب الوغى لتنهدات الهم التي تملأ الأثير العابس بأشباح الأمل في ضواحي القاهرة و دمشق و لإنفاس اليأس في صنعاء وعمان و ولولة الندب و الرثاء الصاعدة من حشرجة الصدور المتضرعة للسماء في غزة و الموصل و الفلوجة والقدس و  حلب و كربلاء.

  و ها هي الجامعة العربية اليوم بأحداق الجهر و طول الصبر على غبار الاحقاب, تجلس متربعة على عرش الهزائم صامتة صمت ابو الهول و في يدها قصبة تنفخ من بيب أعوانها زفير أنفاسها بنجا يخدر إرادة الناس مالئة مظاهر الحياة بغرور الغرب وشعوذة دخان الشرق و فقاقيع مقرراتها الفارغة.

قد يعجبك أيضاً

أضف تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.