الرئيسية » تحرر الكلام » مالذي حدث في تركيا؟

مالذي حدث في تركيا؟

أحداث متسارعة أخذت طابع ديناميكي في مسارها ولعب الإعلام دوراً رئيسياً في تقلباتها المختلفة وكان لوسائل التواصل الاجتماعي دور موازي في نقل مايحدث علی الأرض،

وبالعودة إلی بداية هذه الأحداث نجد أن الحكومة التركية بعثت برسائل مطمئنة منذ الوهلة الأولی للمواطنين مؤكدة وجود حركة تمرد صغيرة داخل الجيش تحاول الانقلاب،لكن تحركات الانقلابيين كانت أكبر من هذه التطمينات علی مايبدو عندما نجحوا في السيطرة علی التلفزيون الرسمي وإذاعة بيان منسوب للجيش يعلن فيه السيطرة علی مقاليد الحكم في البلاد،

وهذا البيان كان بمثابة زلزال فجائي ضرب المسار الدستوري في تركيا والشعب التركي الذي لم يكن يخطر علی باله أن تعود زمن الانقلابات العسكرية الی الواجهة مجدداً!

،تسارعت وتيرة الأحداث بعد صدور البيان الأول بشكل غير مسبوق واتجهت الأنظار الی مصير الرئيس التركي وردة فعله تجاه مايحدث خصوصاً وأن الإنقلاب يبدو مكتملاً في نظر كثير من وسائل الإعلام التي انشغلت بقصة المنفی الذي سيلجأ إليه أردوغان،

ظهر الرجل من شاشة هاتفه المتواضعة عبر إحدی الفضائيات ووجه رسالة للشعب التركي بالنزول للشوارع والمطارات وتوعد من نفذوا محاولة الانقلاب بثمن باهض،وهذا التصريح المقتضب قلب الموازين رأساً علی عقب من حيث أن الرجل بدا واثقاً وتصرف بشكل عقلاني بعيداً عن أي تأثيرات عاطفية،وكان ذكياً جداً في انتقاء رسالته للشعب التركي إذ أن أردوغان واجه إعلان حظر التجول وإغلاق المطارات بدعوة الشعب للنزول الی الميادين والمطارات وهي رسالة مضادة لمضمون البيان الإنقلابي،

كلمة أردوغان كانت الخط الفاصل في تحديد نجاح الإنقلاب من عدمه،والبداية الحقيقية لانتهاء المحاولة الانقلابية،

وهناك عدد من العوامل التي سرّعت من التهاوي في معسكر الانقلاب أبرزها الدور المخابراتي الكبير للمخابرات التركية ومعرفتها بمحاولة الانقلاب بساعات،واستنفار رجالها للمواجهة حتی الموت،أضف لدورها في إبلاغ اردوغان بالمحاولة بوقت قياسي وإبلاغه بسرعة مغادرة مكان اقامته في مرمريس،وبالتوازي مع دور المخابرات لعبت الشرطة وقوی الأمن دوراً كبيراً في المواجهة العسكرية وتحرير مناطق هامة وحيوية كان الانقلابيون قد أمسكوا بزمامها،ومثلما أذاع الانقلابيون بيانهم باسم الجيش التركي فإن قيادات عسكرية في الجيش التركي سارعت للتأكيد أن هناك محاولة تمرد تحدث وكان لقائد الجيش الأول وقائد القوات الخاصة قصب السبق في التصدي للبيان،هذا كان علی المستوی العسكري والرسمي أما فيما يخص الجانب الشعبي فلا يمكن تجاوز الدور الأول للشعب التركي في كسر محاولة الانقلاب،والسيطرة علی الميادين طوال الوقت،ومنع الدبابات من التحرك ووصلت شرارة الغضب الشعبي الی تجريد الجنود من سلاحهم وتأديبهم علی ما اقترفوه،أضف لذلك أن حجم الحشود الشعبية كان كافياً لإرغام قيادات الانقلاب علی تجنب مواجهة أضحت خاسرة بحكم الأمر الواقع،وبالتوازي مع العمل الشعبي لعبت الأحزاب السياسية خصوصاً المعارضة لأردوغان دوراً مهماً في مواجهة الانقلاب من خلال رفضها لمايحدث واصطفافها مع الحشود الشعبية التركية،وهو درس في نفس الوقت لم تتعلمه المعارضة في بلدان الربيع العربي،ربما هناك كثير من العوامل التي أفشلت محاولة الانقلاب لكن هذه تبقی هي الأبرز،وحتی تتضح الصورة عن الحجم الحقيقي للمحاولة الانقلابية فإنه من المؤكد أن معظم قيادات الصف الأول في الجيش التركي دعمت المحاولة الانقلابية مع وجود رفض في قواعد الجيوش والتشكيلات التي تقودها،ومن المؤكد أيضاً أن القوات الجوية المتمردة كانت العمود الفقري للمحاولة الانقلابية وتسببت في وقوع كثير من الضحايا وهي المسؤول الأول عن قصف بيت الشعب التركي الذي لم يتعرض للاستهداف مطلقاً خلال الانقلابات السابقة،

وبالمجمل فإن المحاولة الانقلابية خارج تركيا كانت أقوی من تلك التي حدثت في الداخل،ويعرف الجميع أن الجيش التركي سيطر علی مقاليد الحكم في تركيا من خلال وسائل إعلام عربية وأجنبية قبل أن يسيطر علی الأرض،وهو أمر عكس السقوط المهني لاستديوهات دبي وبيروت والقاهرة وقبل ذلك السقوط الأخلاقي لمن يقود هذه العواصم.

والأهم من ذلك كله أن المحاولة الانقلابية في تركيا أثبتت أن الشعوب التي ترفض الخضوع لايمكن أن تخضع بحال من الأحوال طالما التحمت مطالبها بعيداً عن أي حسابات ضيقة وهو ماجسده الأتراك حين نزلوا للميدان لأجل تركيا ومن الطريف أن الشعب التركي خرج للميدان رافعاً العلم التركي بينما خرج الشارع العربي رافعاً صور الرئيس أردوغان!.

قد يعجبك أيضاً

أضف تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.