الصحفي التونسي لطفي حجّي يكتب خواطر حول بعض المواقف من محاولة الإنقلاب في تركيا
“خاص-وطن” علّق مدير مكتب قناة الجزيرة في تونس لطفي حجّي على الأحداث الأخيرة التي شهدتها تركيا في منشور له على صفحته الشخصية على موقع التواصل الإجتماعي “فيسبوك” بعنوان “خواطر حول بعض المواقف من محاولة الانقلاب في تركيا” قدّم فيه قراءته الشخصيّة للأحداث التي شهدتها البلاد مساء الجمعة وفجر السبت.
وقال “حجّي” عبر عدد من التونسيين عن استغرابهم من المواقف التونسية المتسرعة والمؤدلجة في الآن نفسه من المحاولة الانقلابية التي جدت في تركيا. فالبعض تسرع ونشر عناوين من نوع انقلاب يطيح بالرئيس التركي رجب طيب اردوغان والبعض الآخر حاول تصوير المظاهرات في المدن التركية في بدايتها على أساس أنها مظاهرات لمساندة الانقلاب في محاولة فجة لتزييف الحقائق وتوجيه الرأي العام.”
وأضاف “في حين طفقت أطراف أخرى تصفي حساباتها مع اردوغان وتكيل له التهم متجاهلة عن عمد الفرق بين تقييم السياسات العملية والمبادئ الدستورية للديمقراطية بعيدا عن الأشخاص والسياسات. فضلا عن سقوط آخرين في الكيل بألف مكيال، فهم يسوّقون أنفسهم كمدافعين عن الحكم المدني في بلد ما، في حين يساندون الانقلابات العسكرية في بلد ثان، ويهللون للديكتاتورية في بلد ثالث، فكانوا كالتائه يسير على غير هدى بلا بوصلة، وغاب عنهم مفهوم وحدة المعايير التي يجب أن يقاس بها أي نظام حكم.”
وتابع حجّي متحدّثا عن موقفه الشخصي من هذه التعليقات على الأحداث قائلا “لم أستغرب كثيرا من مثل تلك التعليقات.. لأنني أعتبرها طبيعية حين تصدر من أشخاص مماثلين، فعلى امتداد السنوات الخمس الأخيرة شنفت آذاننا بالاستماع إلى تعاليق ومواقف لا يمكن أن تقود إلا إلى مثل تلك النتائج. لأنها تقوم في أغلبها على انتحال الصفات مثل صفة المحلل، وصفة الإعلامي، وصفة الخبير…الخ”
وأوضح مدير مكتب الجزيرة أنّه عندما يصبح من كان يدير بيت دعارة وأطرد من السلك الأمني خبيرا امنيا ومحللا سياسيا فعليكم أن تتخيلوا ما سيرشح عنه من خبرة استراتيجية. وعندما يتحول من كان يروج الأقراص المخدرة في السجن وأطرده مجلس الشرف من عمله، إلى نجم يومي في الشاشات ويقدم على أنه مالك للأسرار والمعطيات الحصرية فلكم أن تتصورا تلك الأسرار. وعندما يصبح مدمن الكحول ممن يبيع أمن بلده وأسرار ووطنه بقارورة جعة لا أكثر، عندما يصبح من أكثر المشاركين في المنابر الإعلامية فلكم أن تدركوا مستوى تلك المنابر.وعندما يُقدم خبيرا في الجماعات الإسلامية من لم يكتب مقالا علميا في حياته عن تلك الجماعات فذلك كاف لإبراز مضمون الخبرة.وعندما يصبح من كان رديفا لجماعة “يا عمي الشيفور امشي دبة دبة” كبير المحاورين للسياسيين وصانعا للنخبة، فذلك يرسم لنا صورة واضحة عن مستوى الحوار والنخبة معا.
واستطرد الصحفي التونسي “وعندما يفتخر أصحاب المال الفاسد من المتحييلين ومبتزي المال العام، يفتخرون بتحكمهم في المشهد الإعلامي وفي صناعة الرأي العام فلنا أن نتصور مستوى الرأي العام الذي تتم صناعته.وعندما يتحول عدد ممن يتم تصنيفهم في خانة المثقفين إلى مجرد مخبرين عند السياسيين ومروجين لأكاذيبهم ضاربين عرض الحائط بالمصداقية فتلك صورة أخرى عن القدوة التي يمكن أن ترتسم في أذهان شبابنا الباحث عن طريق الخلاص الوطني.”
وأردف حجّي قائلا “يمكن أن نسترسل في سرد الأمثلة والمقارنات لأن المشهد في اغلب صوره مختل فمنذ الثورة إلى اليوم فرضت علينا سياسة الهرم المقلوب في هذا المجال. وإن كان لي من لوم فقد لا يقتصر على لوم السياسيين في محاولات التوظيف المستمرة، أو الخبراء المزيفين، أو المتحييلين لأن الموقف منهم واضح ومبدئي لا يتزحزح. بل ينصب اللوم كله على المتسببين الأساسيين في أزمة القطاع الإعلامي من داخله.”
وأضاف “ثمة خلل في بلدي في هذا المجال، خلل توارثه الإعلاميون خلال سنوات الثورة وأصبح يفرض كقدر محتوم. فعندما يتحول الإعلام إلى لعبة في أيدي السياسيين يوظفونها كيفما شاؤوا ..فذلك خلل كبير.وعندما يهيمن رأس المال المشبوه والفاقد للحد الأدنى من الوعي الإعلامي والأخلاقي على اغلب مؤسسات القطاع فذلك خلل أكبر. وحين تنساق الهيئات المهنية وتستسلم للأمر الواقع تحركها في ذلك بالأساس النوازع الذاتية سواء خضعت للايدولوجيا أو للسياسة.. فذلك خلل أعظم.وثمة أيضا – وهذه مسألة آن الأوان أن نصارح بها أنفسنا دون حياء أو مكابرة جوفاء- فقر كبير في المهنية وغياب التأطير. وإلا ما معنى أن يختار مثلا صاحب رأس المال أشخاصا لم يكتبوا خبرا صحفيا واحدا في حياتهم وينصبهم بقدرة قادر مشرفين على الأخبار ورؤساء تحرير؟.”
وتساءل لطفي حجّي “وما هي المادة الإعلامية التي يمكن أن ينتجها شخص حديث التخرج من الجامعة يحدث موقعا إخباريا ويسمي نفسه منذ اليوم الأول رئيس تحرير؟وكيف استسلمنا لهذه الهيمنة الفجة للإدارة / المال على التحرير في الوقت الذي ناضلت أجيال متعددة من الصحفيين من أجل مجالس تحرير مستقلة عن الإدارة؟”.
كما شدّد على أنّه لا يمكن أن نلقي اللوم على غيرنا وبيتنا ينهشه الخراب من الداخل..ربما في أحسن الأحوال نقول إن لنا الإعلام الذي نستحق، والنخبة التي نستحق عملا بقاعدة “كيفما تكونوا يول عليكم”.. وذلك الاستنتاج مرده أننا لم نستغل الحرية التي وفرتها لنا الثورة حتى نعمل بما فيه الكفاية لتطوير قطاعنا وضمان رقيه بتعميق المهنية فيه والحرص على أخلاقياته.
وبحسب مدير مكتب قناة الجزيرة في تونس فإنّه “إذا تجاوزنا دائرة الإعلام إلى الفضاء المجتمعي الأوسع سيبرز عجزنا أكثر لأننا عوض أن نستغل الحرية لنصنع رأي عام واعيا ،ساهمنا في تعميق واقع التناحر والانقسام، وابتعدنا عن زرع القيم التي يحتاجها المجتمع خلال هذه المرحلة الانتقالية لكي يبني ما عجز عنه خلال فترة الديكتاتورية التي كانت تقوم على تزييف الوعي، فكأننا انتقلنا من التزييف المفروض بقوة احتكار وسائل الإعلام، إلى الاستبلاه والتضليل مع اختلاف الغايات.. بين من يفتي لنفسه بان تشويه خصمه الايديولوجي يبرر كل الأساليب وخاصة غير الأخلاقية ، وبين من يلهث وراء كسب مالي سريع على حساب المجتمع وثقافته ، وبين من يسعى لكسب انتخابي قريب.”
وختم الصحفي لطفي حجّي تدوينته بالقول إنّه “ربما تسمح لنا هذه المنعرجات التاريخية الخطيرة بأن نصرخ عاليا مطالبين بالمراجعة وإلا فإن الحلم سيتبخر ونكون نحن من كفنه ودفنه إما بصمتنا أو بتواطئنا في أحسن التقييمات.”








