الرئيسية » تحرر الكلام » جدلية العلمانية والديمقراطية : لدى العرب

جدلية العلمانية والديمقراطية : لدى العرب

لقد اضحت الديمقراطية حلما تطمح للوصول اليه كافة الشعوب المقهورة وخاصة الشعوب العربية ، فلقد شكلت  سنوات الظلم والتخلف العثماني والاحتلال الغربي والدكتاتوريات العربية التي نشات في اواسط القرن الماضي مزيجا من الترهل والتخلف والاحساس بالنفص والخمول لدى المواطن العربي ، وتجمعت تلك العوامل وتراكمت عبر السنين حتى وصلت الى لحظة الانفجار والتي تمثلت بخروج الجماهير العربية الى الشوارع في مسيرات واحتجاجات ضخمة مطالبة برحيل الانظمة الدكتاتورية العربية والذي عرف فيما بعد بالربيع العربي؟؟

ولكن لم تدرك تلك الجماهير التي خرجت لاسقاط الانظمة الدكتاتورية ان البيئة الاجتماعية والثقافية والاخلاقية والقيمية والسياسية والمؤسساتية والاقتصادية في العالم العربي غير مواتية لقيام الديمقراطية في  العالم العربي المتخلف ، فالعالم العربي ليس امريكا اللاتينية وليس ايضا اوروبا الشرقية،  فالمنظومة الاخلاقية و القيمية والثقافية والمؤسساتية  مختلفة تماما، وهذا ما يؤثر بشكل كبير على عمليات التحول الديمقراطي في اي بلد كان .

ان اختلاف الدول فيما بينها في درجة الانفتاح الحضاري والثقافي في  العالم العربي  يلعب دورا هاما في عمليات التحول الديمقراطي ، ان التحول الذي جرى في تونس يعتبر تحولا متيزا ومختلفا عن غيره في العالم العربي اذا اخذنا طبيعة المجتمع العلماني التونسي ودرجة الانفتاح الحضاري والثقافي وتحرير المراة التونسية التي تم بناء هذه الاسس من ايام الحبيب بورقيبة ، اضف الى ذلك البناء المؤسساتي في تونس اذ يوجد مؤسسات دولة ، مؤسسات دستورية كالبرلمان التونسي ومؤسسات وطنية كالجيش التونسي ومؤسسات مجتمع مدني قوي تعمل على استثمار تلك التحولا ت في السير في ركب التحول الديمقراطي الحقيقي في تونس وهذا ما ميزها عن باقي الدول العربية الاخرى التي تحولت الى دول فاشلة مثل سوريا وليبيا واليمن.

فما زالت القبيلة هي التي تحكم كافة روابط الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية في اليمن ، فكيف يمكن ان يحصل التحول الديمقراطي؟؟؟ وما زالت العائلة تحكم كافة جوانب حياة المواطن في ليبيا ، وما زالت الطائفة هي التي تمسك بكافة قضايا وتفاصل حياة المواطن في سوريا وغياب اية مؤسسات للدولة في تلك الدول ، فهل يمكن ان يحصل لدينا تحول ديمقراطي؟؟

فالبديل عن العائلة والطائفة والقبيلة والاثنية والعرقية في العالم العربي هو المجتمع العلماني الذي يقضي على كل هذه التناقضات ويكرس مبدا المواطنة في مساواة الجميع في الحقوق والواجبات ويقضي على كل هذه التنقاضات التي تمنع تقدم ونهضة ونمو المجتمع العربي وتقوده نحو الديمقراطية.

فلا ديمقراطية في العالم العربي دون دولة علمانية قوية ومؤسسات دولة قوية ومواطنة حقيقية يتساوى فيها الجميع ، فالعالم العربي ليس بحاجة الى ثورة على النظام السياسي فقط بل هو بحاجة الى ثورة على القيم وثورة على الثقافة وثورة على التخلف والجهل المنتشر في العالم العربي ، وبحاجة الى ترسيخ القيم العلمانية كمقدمة حتمية لبناء ديمقراطية حقيقية في العالم العربي.

قد يعجبك أيضاً

أضف تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.