الرئيسية » الهدهد » الحياة على “كف الموت”.. قصة “حاتم” طبيب حلب الشجاع الذي قتله النظام

الحياة على “كف الموت”.. قصة “حاتم” طبيب حلب الشجاع الذي قتله النظام

يبذل رئيس مستشفى الأطفال في شرق حلب، الدكتور حاتم، جهودا حثيثة ومذهلة لإنقاذ حياة وأرواح الأطفال من الغارات الجوية المتواصلة التي تشهدها حلب والحياة القاسية التي يعيشها سكانها.

 

وفي أواخر شهر نيسان/ إبريل الماضي، سافر الدكتور حاتم إلى تركيا لاجتياز اختبار اللغة الإنجليزية، واعدا صديقه المقرب، الدكتور وسيم محمد معاذ، الذي قامت صداقة قوية بينهما بسبب العمل والحرب في سوريا، بالعودة سريعا.

 

وأعرب الدكتور حاتم عن أسفه وحزنه أنّ نار الحرب السورية قد سرقت منه رفيق دربه في النضال الإنساني، حيث إنهما كانا يمضيان أكثر من ست ساعات يوميا معا، باعتبار أن الدكتور وسيم كان المدير الطبي للمستشفى. حسب تقرير نشرته صحيفة لوفيغارو  الفرنسية.

 

يقول الدكتور حاتم إن الدكتور وسيم كان ينتقل في الليل إلى مستشفى القدس في حلب بعد مباشرته عمله في مستشفى الأطفال لإسعاف حالات الطوارئ، مضيفا أنه عندما وصل إلى إسطنبول ليلة الأربعاء 27 نيسان/ إبريل، وصلته رسالة على هاتفه المحمول حوالي الساعة التاسعة والنصف ليلا، تعلمه بأن مستشفى القدس يتعرض للقصف، وقد أصيب وسيم بجروحٍ بليغةٍ.

 

كان هذا الخبر صاعقا بالنسبة إلى الدكتور حاتم الذي أكد أنّه شعر بأن الأرض تدور من حوله من شدة وطأة الخبر عليه. وأفاد بأنه على الرغم من الهدنة السارية فإنّ الطائرات الروسية والسورية سرقت منه صديقه، وقد أدت هذه الغارات يومها إلى مقتل حوالي خمسين شخصا آخرين.

 

وذكر الدكتور أيضا أنه يشعر بالذنب لأن صديقه لم يسمح له بالذهاب مكانه خلال هذا الامتحان، مشيرا إلى أن صديقه كان أكثر خبرة منه في إضحاك الأطفال والتخفيف من معاناتهم. وأضاف أنه أصابته حالة من الذهول وهو جالس في مقهى القسطنطينية عندما جاءه الخبر.

 

ويضيف الدكتور حاتم متحسرا، أن اسم وسيم سيُضاف إلى قائمة 730 طبيبا سوريا قتلوا خلال خمس سنوات من الحرب السورية، وتخضع حلب الشرقية لسيطرة القوات المعارضة المناهضة للأسد منذ عام 2012، وهذه المنطقة تمتلك بالكاد ما معدله 80 طبيبا لكل مئة وخمسين نسمة، وها هي الآن تخسر طبيبا آخر من أطباء الأطفال.

 

وأشار حاتم متنهدا إلى “أنه دون وسيم، أصبحنا في الوقت الحالي خمسة أطباء أطفال فقط”، لكنّه أكد حرصه على العودة بسرعة من تركيا، للقيام بواجبه الذي يناديه للحفاظ على مستقبل الأطفال الذي أصبح على المحك.

 

ويبلغ الدكتور حاتم من العمر 29 سنة على الرغم من الحكمة التي تبدو عليه، وهو رجل ذو وجه بشوش، ولحية خفيفة، كما لو أنه بطل من أبطال المسلسلات التليفزيونية.

 

يقول الدكتور إنّه قرر أن يصبح طبيب أطفال لإنقاذ أطفال آخرين، عندما مرض أخوه الأصغر في عمر السنتين، وكان يعاني آنذاك من التهاب السحايا.

 

لم يتخيل الدكتور حاتم الذي بدأ مشواره المهني في مستشفى بمدينة حماة، أنه سيأتي يوما يقتصر فيه عمله على معالجة بالأطفال من جروح الحرب المدمرة. وأضاف أنّه “أطفال حلب يعانون اليوم أسوأ الإصابات، بسبب الغارات الجوية، فضلا عن انتشار حالات التوحد والاضطرابات العصبية من هول الحرب السورية”.

 

وأضاف الدكتور “عندما استُؤنفت الغارات الجوية بعد وقف إطلاق النار في 22 نيسان/ إبريل الفارط، قبل أيام قليلة من الغارة القاتلة، عالجنا العديد من حالات الربو المزمنة بسبب المتفجرات، وكذلك حالات لأطفال لم يتجاوز عمرهم سنوات قليلة، تمّ انتشالهم من تحت الأنقاض وكان وضعهم يستوجب أحيانا بتر أطرافهم، وكنّا غالبا ما نقوم بإرسالهم لإجراء عملية جراحية في مستشفيات أخرى”.

 

وأوضح الدكتور حاتم أن المصابين بجروح خطيرة يُنقلون بصعوبة على متن سيارة إسعاف إلى تركيا. ومنذ أوائل شهر فبراير/ شباط قُطع الطريق الرئيسي إلى المركز الحدودي باب السلامة بالقرب من مدينة غازي عنتاب، بعد هجوم شنّه الجيش السوري بدعمٍ من القوات الجوية الروسية. ولم يبقَ إلا مسار واحد، أكثر خطورة، في الطريق إلى باب الهوى.

 

ويضيف حاتم أنه لتجنب الكمائن كان على سائق سيارة الإسعاف أن يقود بسرعة تفوق مئتي ميلا في الساعة، مؤكدا أنه اعتاد على هذا المسار المحفوف بالمخاطر حتى إنه اضطر إلى إطلاق النار بنفسه في بعض الحالات.

 

وذكر الدكتور أن التطويق الكلي لشرق حلب من قبل القوات الموالية لبشار المدعومة من روسيا وإيران، من شأنه أن يكون مأساويا لسكان المدينة. كما أن خسارة العديد من المعدات الجراحية والأدوية بسبب الحرب وتزايد عدد المصابين وعدم القدرة على تجديد المعدات كل ذلك قد يؤدي إلى كارثة كبيرة.

 

وأكّد الطبيب الشاب أنه “منذ بداية الحرب، واصلت الطائرات السورية تعمّد استهداف المستشفيات، وأشار إلى الهجوم الذي استهدف مستشفى القدس والعديد من المراكز الصحية الأخرى. كما أنه في غضون خمس سنوات، غيّر مستشفى الأطفال ثلاث مرات موقعه، بدعم من جمعية الأطباء المستقلين، هروبا من الصواريخ. وهو الآن يعمل في الطابق الأرضي والسفلي في مبنى مطوق بأكياس الرمل من جميع الجهات، مشيرا إلى أنه في كل مرة يرمون فيها القنابل بطائراتهم، يقوم المستشفى بنقل حاضنات الأطفال إلى الطابق السفلي.

 

وأفاد حاتم بأن وطأة الحرب أنجبت جيلا من الأطفال الذين ولدوا في وضعٍ كارثي، والمستشفى أصبح بالنسبة لهم ملجأ وبيتا في نفس الوقت. وأضاف “أنه من المحزن أن أقول ذلك، لكن لا أستطيع حتى أن أضمن لهم الأمن والسلام الكافي للمحافظة على حياتهم. فإذا كان القصف النظامي عشوائيا، فالغارات الروسية هي دقيقة للغاية ولا تخطئ الهدف أبدا”.

 

وبالنسبة لحاتم “فإن الروس فعلوا نفس الشيء في الشيشان بهدف إبادة المعارضين، ولا يتوقفون عن القصف إلا لسبب ولا يستأنفون إلا لسبب آخر”. كما قال أيضا “أريد أن يعرف الأسد وبوتين شيئا واحدا، أن أطباء الأطفال هم آخر من سيُغادر حلب!”.

 

ويشير حاتم إلى أن هذه الحرب خلقت فيهم شجاعة غريبة وأصبحوا لا يخافون رصاص النظام منذ بداية ثورة 2011. في كثير من الأحيان حتى إنك لا تنام، من كثرة الصواريخ، والبراميل المتفجرة! سيصبح الموت جزءا من حياتك اليومية، حتى إن السوريين أصبحوا لا يبكون عند تضميد جراح الأطفال المشوهين بسبب القنابل.

 

وأكّدهذا الطبيب الشاب حاجتهم الماسة إلى توظيف جيل جديد من المتخصصين والممرضات، لأن معظم الممرضات ليس لهن شهادات كفاءة، بل تمّ تدريبهن في غضون أشهرٍ من هذه الحرب.

 

وفي مواجهة اختبارات الحياة اليومية، تعتبر الصداقة حصنا ثمينا يحتمي به السوريون، كما قال الطبيب حاتم إنه أنشأ مع أطباء آخرين مجموعة على “واتس آب” يقومون فيها بتبادل الآراء وتقديم النصائح حول كيفية التعامل مع بعض الحالات وكيفية طمأنة الطفل، مشيرا إلى أن صديقه الدكتور وسيم هو من بادر بفكرة إنشاء هذه المجموعة.

 

كما أعرب حاتم عن أسفه لفقدان رفيق دربه الذي توفي في الخامسة والثلاثين من عمره، والذي قضى وقتا جميلا معه في لعب كرة القدم، وهو ينظر إلى صورته في هاتفه المحمول مرتديا ثوبا أخضر حاملا الكرة في يده. مضيفا أن وسيم حتى عندما كان يلعب الرياضة كان يحمل زي العمل في حقيبته دائما، مستعدا للذهاب إلى المستشفى في أي حالة طارئة، حيث إن حياته كانت مكرسة للأطفال فقط.

 

ويوم الخميس، شقّ الدكتور حاتم طريقه إلى حلب. وعند وصوله، أراد أن يصلي عند قبر صديقه، قبل أن يذهب إلى مستشفى الأطفال، حيث إن شقته لم تكن بعيدة عن مستشفى القدس، لكنها تضررت من جرّائه. ورغم ذلك خاطر بالنوم في المستشفى، مثلما كان يفعل صديقه الدكتور وسيم.

 

وفي الختام، يطلب “مستشفى الرجاء” في حلب المساعدة للحصول على جهاز مسح ضوئي مستخدم، ويدير هذا المستشفى الأستاذ قطي، الذي يعمل جاهدا مع فريقه للترحيب ولرعاية جميع المرضى والجرحى دون تمييز. ويعتبر هذا الجهاز ضروريا جدا لعلاج العديد من المرضى والجرحى بشكل فعالٍ.

ترجمة وتحرير صحيفة التقرير

قد يعجبك أيضاً

أضف تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.