الرئيسية » الهدهد » “9” أبريل.. هكذا سقطت بغداد وضاعت عراق الأمجاد وقسّمت البلاد إلى سنّة وشيعة وأكراد

“9” أبريل.. هكذا سقطت بغداد وضاعت عراق الأمجاد وقسّمت البلاد إلى سنّة وشيعة وأكراد

“خاص- وطن”- كتب شمس الدين النقاز- 9  أبريل 2003، لم يكن يوما عاديّا في تاريخ المنطقة العربيّة، بل كان نكبة عظيمة لا تقلّ أهمّيّة عن النكبة الكبرى الّتي ضاعت فيها فلسطين عن العرب والمسلمين.

 

في الـ9 من أبريل عام 2003، داست أحذية جيوش الغزاة أرض الحضارات، أرض الأمراء والشعراء والفقهاء والبلغاء والحكماء.

ذلك اليوم الّذي لن يمحى من ذاكرة كلّ عربيّ أحبّ العراق وأهلها وقرأ عن تاريخها، من المؤكّد أنّه سيكون وصمة عار على كلّ من شارك في احتلال العراق من عرب وعجم ومغول جدد.

 

معركة بغداد الّتي سطّر فيه العراقيّون الملاحم العظيمة وكتبوا أسماءهم بأحرف من ذهب، عانت خلالها بغداد ضررا كبيرا أصاب البنى التحتية والإقتصاد، فضلا عن عمليات النهب والسرقة التي حصلت بسبب انعدام الأمن بعد أن سمحت القوات الأمريكية للسارقين بدخول الوزارات والمنشئات الحكومية آنذاك وعدم منعهم من سرقة وتخريب ممتلكاتها في حين منعت كلّ من ستوّل له نفسه من الإقتراب من وزارة النفط.

 

قبل سقوط بغداد، عاش العراق في حقبة نظام صدام حسين حياة عنوانها الحروب وعسكرة المجتمع والعوز والحصار والهجرة، وسط خوف كبير من بطش السلطة، كما تسببت الحروب في إنهاك العراق بشريا وماديا، لكن التغيير الذي حصل بعد عام 2003 لم يجلب للعراقيين ما كانوا يحلمون به وإنّما جلب لهم الخراب والدمار والطائفيّة والمؤامرات والدسائس بالإضافة إلى حكم إيران صاحبة الأطماع التوسعيّة الفارسيّة.

 

سقوط بغداد كان مؤامرة أمريكيّة عربيّة إيرانيّة، حيث قال محمد على أبطحي نائب الرئيس الإيرانى للشؤون القانونية والبرلمانية فى ختام أعمال مؤتمر عقد بإمارة أبو ظبى إنّ بلاده قدمت الكثير من العون للأمريكيين في حربيهم ضد أفغانستان والعراق مشيرا في الوقت نفسه إلى أنه لولا التعاون الإيراني لما سقطت كابول وبغداد بهذه السهولة.

 

إنّ أسف العرب على سقوط بغداد وضياع عراق الأمجاد لا يعني بالضّرورة تأييد ما قام به الرئيس العراقي صدّام حسين من تجاوزات كبيرة في حقّ شعبه، فمن المعروف أن الرئيس الراحل خاض 3 حروب، منها 8 سنوات مع جارته إيران وأخرى مع الولايات المتحدة وحلفائها بعد غزوه للكويت، عانى فيها العراقيون أثناءها وبعدها أشد معاناة بسبب الحصار الإقتصادي الذي فرضته الأمم المتحدة واستمر 13 عاما وهو ما أثّر سلبا على الأوضاع الداخليّة سياسيّا واقتصاديا واجتماعيا.

 

كان إسقاط تمثال صدام، من ساحة الفردوس في بغداد، بمثابة تأكيد على انهيار نظام حزب البعث العراقي الذي حكم العراق منذ انقلاب عام 1963، وتمكنت إحدى الدبابات الأمريكية من اقتلاع التمثال البرونزي، وتم بث هذا المشهد على الهواء مباشرة إلى جميع أنحاء العالم نكاية في العرب وكسرا لشوكة العراقيين المقاومين.

 

بعد ذلك بساعات أطل الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش ورئيس الوزراء البريطاني السابق توني بلير ليتوجها برسالة إلى الشعب العراقي يرددان فيها ما دأب الاستعماريون القدامى والجدد على قوله كلما دخلوا بلدا جديدا وأخضعوا شعبه بالقوة الغاشمة وهو الإدعاء أن “جيوش التحالف” لم تدخل العراق غازية بل “محررة” كما بشّرا الشعب العراقي بـ”الديمقراطية” وبـ”إعادة البناء”، إلا أن القصف الجوى الوحشى الذي أودى بحياة مئات الآلاف من العراقيين الأبرياء ونتج عنه تدمير المدن والقرى والبنية التحتية ونهب الهوية وطمس الذاكرة من خلال استهداف المكتبات والمتاحف كان دليلا على جرائم فضحت أكاذيب الإحتلال منذ وطأت أقدامه أرض العراق في 20 مارس 2003.

 

لقد كانت الصدمة المروعة عندما نقلت الفضائيات مشاهد النهب والسرقة تحت أعين الغزاة والتي لم تقتصر على المحلات العمومية والخاصة بل طالت كذلك رموز الهوية الوطنية مثل المكتبات والمتاحف ولعلّ أبرزها متحف بغداد التاريخي، الّذي سرق منه نحو 170 ألف قطعة أثريّة، محطّمين بذلك الآثار وملحقين ببغداد الدمار ومعلنيها مدوّية للعرب “العار العار”.

 

انهارت بغداد .. بلاد الرافدين .. بلد الحضارات .. لقد سقطت بغداد .. سقطت العراق، ومنذ ذلك اليوم و العراق تسقط يوميا تارة جراء الاحتلال الامريكى وتارة أخرى جراء الارهاب والطائفية وتنظيم داعش الذي انضم مؤخرا لقائمة مدمري بلاد الرافدين.

 

مشهد اختلفت فيه المسميات ما بين ”يوم سقوط بغداد”، و”احتلال العراق” و”يوم التحرير”، واكتمل برفع العلم الأمريكي على حطام الرمز (التمثال)، وإعلان الجيش الأمريكي سيطرته على بغداد، ووسط حالة من الذهول والبكاء سيطرت على كل بيت عربي، وصرخات الرجال قبل النساء و الاطفال اتجهت أنظار تحدق وتراقب عن كثب عبر الفضائيات وشاشات التليفزيونات هذا الحدث الجلل، وتداعياته من عمليات سرقة ونهب واسعة النطاق اجتاحت البلاد دون أي حماية أمريكية بحجة عدم توفر العدد الكافي لحماية المواقع، وفوضى عارمة في بغداد وبعض المدن الأخرى.

 

ومنذ ذلك اليوم يعيش العراق في دوامة العنف والدمار والقتل اليومى على أيدي عصابات السلاح والمخدرات والآثار، و تجار البشر، وشهدت السنوات التالية على الغزو، انقسام العراق طائفيا، فحصلت الطائفة الشيعية على معظم الوزارات السيادية الى جانب رئاسة الحكومة، فيما استأثر الأكراد بالحكم الذاتي فى إقليم ”كردستان العراق”، إلى جانب تزايد وتيرة العمليات الإرهابية عبر السيارات المفخخة و العبوات الناسفة، و عمليات الإغتيال التي تطول الجميع دون استثناء فضلا عن تعثر الخدمات الأساسية.

بعد ذلك شهدت السنوات التالية للغزو، انقسام العراق طائفيا، وبالنتيجة حصل الشيعة على معظم الوزارات السيادية إلى جانب رئاسة الحكومة، بينما حصل الأكراد على الحكم الذاتي بصلاحيات وظل السنّة محقّرون مهمّشون ويحاكمون على أيّ ذنب لم تقترفه أيديهم ثمّ لم يكد العراقيون يتنفسون الصعداء لدى انتهاء الحصار الذي أثقل كاهلهم وتسبب بهجرة مئات الآلاف إلى دول الجوار ودول غربية طلبا لحياة أفضل، حتى بدأت أعمال القتل الطائفي والعنف الممنهج تبرز على الساحة، فقلّ أن يطلع فجر يوم جديد إلّا والدماء والأشلاء تملأ الأرجاء.

 

عامي 2006 و2007 وصلت أعمال العنف الطائفي إلى أوجها، عندما اندلعت حرب طائفيّة راح ضحيّتها آلاف القتلى والجرحى بعد أن نكّلت فرق الموت الشيعيّة بكلّ من يعترضها، قبل أن تنحسر في عام 2009، إلا أن اندلاع الأزمة في سورية المجاورة وتحول المظاهرات في بعض مدنها إلى حرب أهليّة كان له أثر كبير على عودة شبح الطائفية الى أرض الرافدين.

 

ولا يزال الواقع دون مستوى طموح العراقيين، رغم انسحاب آخر جندي أمريكي من العراق في نهاية عام 2011، بسبب تصاعد العنف ودخول البلاد في حرب معلنة مع الإرهاب فضلا عن تعثر الخدمات، فهذه العراق مقسّمة إلى 3 دول، شيعيّة يقطنها سنّة مضطهدون تسيطر عليها الحكومة العراقيّة وعاصمتها بغداد، وسنيّة بلا شيعة يسيطر عليها تنظيم الدولة الإسلاميّة عاصمتها الموصل، وأخرى كرديّة ذات أقلّيّة عربيّة يسيطر عليها الأكراد وعاصمتها أربيل.

 

هكذا عاش العراقيون عقودا طويلة من الحرب والدمار والإضطهاد، أعقب ذلك هجرة إلى الخارج واعتقالات وإعدامات في الداخل، واليوم يهاجر كثيرون نتيجة غياب الأمن وتعثر الخدمات والإنقسامات الحاصلة جغرافيّا وسياسيّا ودينيّا وطائفيّا وحتّى مذهبيّا.

فمتى تعود الأمجاد إلى العراق وعاصمتها بغداد؟

قد يعجبك أيضاً

أضف تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.