الرئيسية » أرشيف - تقارير » لقاء (غولدي-عشقي).. اتصالات رسمية سعودية إسرائيلية أم دعاية صهيونية للتطبيع؟

لقاء (غولدي-عشقي).. اتصالات رسمية سعودية إسرائيلية أم دعاية صهيونية للتطبيع؟

هناك تاريخ سابق غامض من اللقاءات السرية بين مسؤولين إسرائيليين وشخصيات سعودية، منذ قصة “عدنان خاشقجي”، التي كشفت عنها صحف أجنبية وبعض وثائق ويكليكس، ولكن هذه اللقاءات كانت تقاس بثقل شخصية الطرف السعودي في اللقاءات، وهل هو بالفعل مقرب من القصر الملكي أو يتحدث باسمه أو ينقل رسائل غير مباشرة عنه، أم شخص ليست له أي علاقة لا بالخارجية السعودية ولا بالديوان الملكي ولا بأحد من دوائر صنع القرار في السعودية.

لهذا؛ كان اللقاء الأخير، الذي عقد الخميس 4 يونيو الجاري بترتيب من “مجلس العلاقات الخارجية الأمريكي” في واشنطن بين اللواء المتقاعد أنور عشقي (رئيس مركز الشرق الأوسط للدراسات الاستراتيجية والسياسية بجدة) ودوري غولد (مدير عام وزارة الخارجية الإسرائيلية وأمين سر بنيامين نتنياهو)، مثار جدل كبير: هل هو عودة للاتصالات السعودية الإسرائيلية ولكن بصورة علنية هذه المرة؟ أم أن “عشقي” لا يمثل السعودية رسميًا، وإسرائيل استغلت اللقاء للعودة إلى فتح باب النقاش حول “تحالف” مزعوم بينها وبين الرياض ضد إيران بفعل التقاء مصالحهما؟

نفي سعودي

 

وبشأن ما نشرته صحيفة “إسرائيل اليوم” وقناة I24 الإسرائيلية والقناة العاشرة وموقع “بلومبرج فيو”، أن لقاءً جرى الخميس 4 يونيو الجاري بين الصهيوني “دوري غولد”، مؤلف كتاب “مملكة الحقد” عن السعودية، و”عشقي” لمناقشة فرص التعاون بين إسرائيل والمملكة العربية السعودية بخصوص النووي الإيراني؛ قال مراقبون سعوديون إنه لا يعدو أن يكون “تضخيمًا ومبالغات صهيونية مقصودة”.

وقالوا إن اللقاء لم يكن سريًا بل علنيًا، وفي إطار ندوة عقدها “مجلس العلاقات الخارجية” جمعت الاثنين مع خبراء آخرين، منهم “إليوت إبراهام” نائب مستشار الأمن القومي الأمريكي السابق و”راي تقية” باحث إيراني أمريكي في شؤون الشرق الأوسط بالمركز؛ لمناقشة “التحديات والفرص في الشرق الأوسط من وجهتي نظر السعودية وإسرائيل”.

وقالت المصادر السعودية إن اللقاء الأخير لم يكن بين اثنين مقربين من صناع القرار في البلدين، وإن “أنور عشقي غير مقرب وليست له أي علاقة لا بالخارجية ولا بالديوان الملكي ولا بأحد من دوائر صنع القرار في السعودية”، وإن “عشقي كذبة كبيرة ضخمتها بعض وسائل الإعلام، خصوصًا الإماراتية، وهو ممنوع من الخروج في فضائيات سعودية رسمية مثل العربية والقنوات المحلية؛ فكيف يكون مقربًا من دوائر صنع القرار؟“.

المصادر قالت أيضًا إن “تركي الفيصل وبندر بن سلطان كانا يتصرفان سابقًا بتوجيه من أعضاء ديوان الملك الراحل ويرتبان لقاءات بالمنظمات الصهيونية واليهودية في الغرب فقط، ولكنهما اختفيا من المشهد السياسي بعد إزاحة خالد التويجري من القصر الملكي“.

ولكن المصادر السعودية لم تنف رغبة بعض الشخصيات من بقايا العهد الماضي في إعادة الاتصالات مع إسرائيل من جديد، ومنهم “عشقي”، ولكن الأمر لم يصل إلى درجة الاتصالات الرسمية من كلا الطرفين.

تأكيدات إسرائيلية

بالمقابل، زعمت الصحف والفضائيات الصهيونية أن اللقاء جزء من التنسيق السعودي الإسرائيلي ضد إيران؛ بسبب توافق مصالح الطرفين ضد نووي إيران وداعش وحزب الله، وروجت للقاء على أنه جزء من سلسلة اتصالات سرية وعلنية مستمرة منذ سنوات.

وقالت إن هذا اللقاء تم التخطيط له منذ مدة طويلة في “مجلس العلاقات الخارجية” بواشنطن واستهدف “مناقشة فرص التعاون بين إسرائيل والمملكة العربية السعودية بخصوص النووي الإيراني“، مشيرة أن التعاون بين هاتين الشخصيتين معروف منذ سنين، وأن إسرائيل والمملكة العربية السعودية موجودتان في جبهة واحدة ضد مشروع النووي الإيراني.

وقالت “إسرائيل اليوم” إن غولد أبدى تخوفه خلال اللقاء من أن “إيران باتت في ذروة خطواتها التوسعية في الشرق الأوسط“، وأنها تتطلع بقوتها النووية إلى أن تكون قوة عظمى إقليمية، بينما ركز عشقي في اللقاء على عرض “الجهود التآمرية الإيرانية في العالم العربي”، وحمل طهران أعمال الإرهاب التي ارتكبت في السعودية مؤخرًا، ودعا إلى تشكيل قوة عربية مسلحة تقف في مواجهة المساعي الإيرانية في المناطق المختلفة.

بلومبرج وويكيلكس

موقع “بلومبرج فيو” Bloomberg View كشف بدوره، في تقرير نشره أول أمس (الخميس)، أن هذا اللقاء بين “جولد” و”عشقي” ليس هو الأول بين ممثلين عن السعودية وإسرائيل، وأنه سبق ذلك عقد خمسة لقاءات سابقة شارك في بعضها “اللواء عشقي” عام 2009، بحسب وثائق “ويكليكس”.

 

فبحسب وثيقة لويكيليكس تحدثت عن دور أنور عشقي في مفاوضات سعودية إسرائيلية سابقة عام 2009: “عقدت مؤسسة التعاون الاقتصادي، التي يديرها الجنرال الإسرائيلي يائير هيرشفيلد، اجتماعًا بخصوص السلام في الشرق الأوسط، وضمت هذه المحادثات دولًا مثل السعودية والأردن ولبنان والسلطة الفلسطينية، بالإضافة إلى يائير هيرشفيلد وبجانبه شخصية إسرائيلية غير رسمية، واجتمعت هذه المجموعة على الأقل ثلاث مرات في النصف الثاني من عام 2009“.

واعتبر يائير هيرشفيلد هذه الاجتماعات مهمة جدًا؛ لأنها ضمت شخصية سعودية (الجنرال المتقاعد أنور عشقي، الذي يدير مركزًا للدراسات الاستراتيجية)؛ حيث أبلغ عشقي مائير هيرشفيلد أن “مشاركته في الاجتماع والأفكار التي عرضها ليست بتوجيهات رسمية من قبل الحكومة السعودية، لكن الحكومة السعودية على علم وقبول لكل ما يفعل وأنه يرسل تقارير دورية عن تعاملاته مع الإسرائيليين“، بحسب الوثيقة.

وذكر هيرشفيلد في هذه الجلسة أن عشقي أوضح بعض الأفكار التي أثارها فيما مضى بخصوص استقرار غزة وتحويل حماس إلى حركة سياسية بحتة. ووفقًا لهيرشفيلد، أدلى عشقي بالنقاط التالية، وفي المقابل قام هيرشفيلد بإطلاع مسؤولين كبار في الحكومة الإسرائيلية بما جرى، بينما قرر العضو المصري عدم المشاركة؛ ربما لقلقه إزاء مواقف عشقي المتعلقة بغزة، بحسب الوثيقة الأمريكية، وكان ما طرحه عشقي حينئذ هو:

قبول إسرائيل لمبادرة السلام العربية هو المفتاح لتلعب السعودية دورًا أكبر في عملية السلام. والسعوديون يتفهمون أنه قد تستغرق حكومة نتنياهو وقتًا طويلًا لقبول مبادرة السلام العربية، ولكن، على الأقل، يودون أن يروا إشارات إيجابية من الطرف الإسرائيلي في قبول المبادرة، وذكر عشقي بما تدركه حكومته بأن عملية السلام “الفلسطينية-الإسرائيلية” قد تستغرق وقتًا طويلًا، ربما أكثر من عامين، ولكنهم يريدون أي تحرك (من الإسرائيليين) في الاتجاه الصحيح.

المطلب الملح هو تحييد دور إيران في السياسة الفلسطينية، وإذا تلقى السعوديون الإشارات المناسبة من إسرائيل بخصوص مبادرة السلام العربية؛ فسوف يسعى عشقي إلى إقناع الحكومة السعودية بدور رائد في استقرار غزة، وهذا التوجه متعدد الاتجاهات سوف يؤدي إلى إقناع العرب والسلطة الفلسطينية وربما إسرائيل في الاعتراف بسيطرة حماس على قطاع غزة، وسوف تقدم السعودية لتسهيل ذلك دعمًا ماليًا لغزة، بما في ذلك الاستثمار المباشر وتطوير البنى التحتية.

بحسب “عشقي”، ستوافق حماس على نزع سلاحها بدعم عربي والاستعانة بقوات دولية للإشراف على عملية مصادرة كل أسلحة حماس، بما في ذلك الصواريخ، وبعدها تعدل السلطة الفلسطينية دستورها من أجل أن تقبل بسلطة مستقلة لغزة بالطبع بعد الانتهاء من عملية المصالحة السياسية، ونتيجة لنزع سلاح حماس والاعتراف بنفوذها على غزة من قبل السلطة؛ فإن حماس لن تعارض المفاوضات لإنشاء دولتين.

وقد ذكر موقع “بلومبرج” أن اللقاءات السعودية الإسرائيلية الخمسة السابقة درات على مدار 17 شهرًا ماضيًا في الهند وإيطاليا وجمهورية التشيك، وأن الجنرال المتقاعد “شمعون شابيرا” شارك فيها، وتحدث عن تشارك السعودية وإسرائيل خلال اللقاءات للمشاكل والتحديات نفسها، وأيضًا الحلول.

وقال إن “عشقي” أبلغه حينئذ “أنه لن يكون هناك تعاون حقيقي بين الرياض وتل أبيب حتى يقبل رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، مبادرة السلام العربية لإنهاء الصراع الإسرائيلي الفلسطيني“.

أما لقاء واشنطن الأخير بين “عشقي” و”جولد”، فقد تحدث فيه “عشقي” باللغة العربية عن القلق من تاريخ إيران ودعمها لـ “الإرهاب”، وأنه طرح خطة من سبع نقاط لحل مشاكل الشرق الأوسط؛ أبرزها: تحقيق السلام بين إسرائيل والعرب، وتغيير النظام في إيران، والوحدة العربية الكبرى، وإنشاء قوة عسكرية إقليمية عربية، وأن تضم دولة كردستان المستقلة أراضي في العراق وتركيا وإيران.

أما خطاب “غولدي”، بحسب (بلومبرج)، فكان هدفه من طموحات إيران الإقليمية، لكنه لم يدع -على عكس “عشقي”- إلى تغيير وإسقاط النظام في إيران، وتمني تطبيع العلاقات السعودية الاسرائيلية.

 

 

من السرية إلى العلنية

وقد أثار لقاء “عشقي” وجولد” تساؤلات عديدة على مواقع التواصل، وتساءل البعض عما إذا كان انتقالًا من مرحلة اللقاءات السرية إلى العلنية؛ حيث تساءل “د. محمد حيدر” على تويتر: “هل لقاء أنور عشقي مسؤولين إسرائيليين أول لقاء أم خاتمة لقاءات عدة في الماضي والظهور العلني بمثابة إعلان عن نوايا جديدة؟“.

ورجح في تغريدة أخرى أن يكون الأمر دعاية صهيونية للتطبيع: “هل نجحت إسرائيل عبر استضافة مراكز أبحاث أمريكية نخبًا سعودية لترويج التطبيع معها أو تسريب معلومات لها؟“.

ووصف “د. خليل العناني”، أستاذ العلوم السياسية بجامعة هوبكنز، ما جرى بأنه “فضيحة كبرى”؛ قائلًا: “د. أنور عشقي مستشار مجلس الوزراء السعودي يجلس بجوار مستشار نتانياهو (دور جولد) في ندوة بواشنطن. هل هذا تطبيع من الباب الخلفي؟“.

وانتقده آخرون قائلين: “خزي وعار. لا أقبل كمسلم و كعربي بهذا المشهد. للأسف أنور عشقي أهان نفسه ووجه الإهانة لوطنه“.

وحول قول عشقي من قبل إن لقاءاته ليست رسمية، قال “ليبرتي” على تويتر: “وكيف له أن يلتقي الصهاينة دون علم وأمر من (وطنكم) السعودية؟!”.

وقال “محمد الغيث”: “منظر مقزز لمصافحة بين مسؤول سعودي سابق (أنور عشقي) ومسؤول إسرائيلي“، وقال حساب يدعى “أينشتاين”: “أنور عشقي هو الوجه الحقيقي لصهاينة العرب بمصافحته لليهودي، كأنه يرى التطبيع فخرًا لا يريد أحدًا أن يتقاسمه إياه“.

عادل القاضي – التقرير

قد يعجبك أيضاً

أضف تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.