الرئيسية » أرشيف - تقارير » المونيتر: مخطط القصر السعودي يثير التكهنات

المونيتر: مخطط القصر السعودي يثير التكهنات

وطن – تطرح التغييرات غير المسبوقة التي يجريها الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود في ترتيب خلافة العرش السعوديّ والتي تصبّ في مصلحة نجله تساؤلات حول ما يمكن أن يحصل تالياً في العائلة الملكيّة. ففي الأيّام المئة الماضية، شهدت عائلة آل سعود التقليديّة والمحافظة تغييرات في طاقمها أكثر من أيّ وقت مضى. وتأتي هذه التبدّلات في الوقت الذي يعتمد فيه الملك سلمان السياسة الخارجيّة الأكثر حزماً في التاريخ السعوديّ الحديث، لاجئاً إلى القوّة العسكريّة أكثر من أيّ ملك آخر منذ الثلاثينيات.

ومن دون إنذار، قام الملك بإقالة وليّ العهد الحاليّ، أخيه مقرن، وترقية ابن شقيقه، الأمير محمد بن نايف، ليصبح الثاني في ترتيب ولاية العرش. وعيّن الملك نجله، محمد بن سلمان، الثالث في ترتيب ولاية العرش على الرغم من قلّة خبرته في صنع السياسات. وقد أعلن مقرن مذّاك الوقت ولاءه للفريق الجديد، لكنّه لم يقدّم أيّ تفسير لإقالته.

واستبدل الملك أيضاً وزير الخارجيّة المريض، الأمير سعود آل فيصل، بسفير المملكة العربيّة السعوديّة لدى واشنطن، عادل الجبير. وقد طلب الأمير سعود، الذي يتولّى منصب وزارة الخارجيّة منذ العام 1975، أن تتمّ إقالته. والجبير هو المتحدّث باسم الحكومة السعوديّة في الولايات المتّحدة الأميركيّة بشأن التدخّل في اليمن، ويملك خبرة ومعرفة في كيفيّة سير السياسات الأميركيّة والبيروقراطيّة في واشنطن.

ومن التغييرات الأخرى التي أجراها الملك سلمان في 29 نيسان/أبريل إقالة نائبة وزير التعليم، نورة الفايز، التي هي المرأة الوحيدة في الحكومة والتي عيّنها الملك عبدالله في العام 2009. وناصرت الفايز التربية البدنيّة للإناث التي عارضها المتطرّفون الوهابيّون بشدّة. وقدّم الملك سلمان أيضاً إلى القوّات العسكريّة والأمنيّة علاوة تساوي راتب شهر واحد، وهي العلاوة الثانية التي يخصّصها لهذه القوّات منذ وصوله إلى العرش في كانون الثاني/يناير. ووافق في الأول من أيار/مايو على إعادة هيكلة صناعة النفط، ففصل وزارة النفط عن شركة “أرامكو” للنفط التي تملكها الدولة. واقترح محمد بن سلمان هذا التغيير الذي يأتي في ظلّ انخفاض أسعار النفط وحرب تزداد كلفتها وعلاوات ضخمة.

نيويورك تايمز تُلمع بن سلمان: صعوده كسر عقود التقاليد المتبعة وعينه على العرش وإزاحة بن نايف

ويُعتبر ما حصل مع مقرن مسألة رئيسيّة. فلطالما كان مقرن منبوذاً في العائلة لأنّه ابن امرأة يمنيّة عبدة، لكنّ كفاءته لم تكن يوماً موضع شكّ. وبحسب القصر الملكيّ، طلب مقرن استبداله، لكن من دون إعطاء أيّ سبب. ولم يتخلّ أيّ وليّ عهد يوماً عن منصبه في تاريخ المملكة الحديثة التي أُسّست في العام 1902. وعندما تولّى سلمان العرش، تحدّثت الصحافة عن مقرن كوريثه، ولم يكن هناك ما يدلّ على أنّه غير متحمّس لوراثة العرش. وظهر سلمان ومقرن ونايف على اللافتات مبتسمين كثلاثيّ سعيد مستعدّ ليحكم المملكة لعقود.

ستكثر التكهّنات حول مغادرة مقرن. فقد كان يتمتّع بحماية الملك الراحل عبدالله، وهو ليس مقرّباً من فرع العائلة الذي ينتمي إليه سلمان، المسمّى السديري والمتحدّر من أمّ واحدة هي حصة بنت أحمد السديري، الزوجة المفضّلة لدى مؤسّس المملكة. لربّما كان مقرن خائفاً من أنّ الإصلاحات الحذرة قد تنتهي في عهد سلمان أو من أنّ الحرب في اليمن بدأت تصبح منزلقاً خطراً.

ومن المسائل المهمّة الأخرى مسألة نجل الملك عبدلله، الأمير متعب، الذي يحافظ حتّى الآن على منصبه كقائد للحرس الوطنيّ السعوديّ. والحرس الوطنيّ هو بمثابة حرس العائلة الامبراطوريّ، وهو يدافع عن العاصمة وعن الحرمين الشريفين في مكّة المكرّمة والمدينة المنوّرة وعن صناعة النفط. وقد احتلّت قوّات الحرس الوطنيّ البحرين، الجزيرة الصغيرة المجاورة للمملكة العربيّة السعوديّة، منذ الربيع العربيّ سنة 2011 لإبقاء ملكيّة سنيّة أقليّة في السلطة. وأقيل اثنان من أشقاء متعب هذه السنة من منصبيهما كحاكمي محافظتين رئيستين، هما الأمير مشعل من مكة والأمير تركي في الرياض. واعتُبر الاثنان إصلاحيّين

ومجدّدين. فهل سيبقى متعب؟

إلى أيّ مدى يُعتبر وليّ العهد الجديد محصّناً؟ من المعروف عن محمد بن نايف، 55 عاماً، أنّه أحبط محاولة تنظيم القاعدة العنيفة بالإطاحة بآل سعود قبل عقد من الزمن. وقاد حملة لمكافحة الإرهاب على مدى أربع سنوات أدّت إلى القضاء على تنظيم القاعدة في المملكة وإخراج من تبقّى منها إلى اليمن. ونجا محمد بن نايف، في خلال معركته عن بُعد مع أسامة بن لادن، من أربع محاولات اغتيال على الأقلّ.

وكان والده، وليّ العهد الراحل نايف، رجعياً جداً إلى درجة أنّه لُقّب بالأمير الأسود. هل يكون نجله مختلفاً؟ درس محمد بن نايف في ولاية أوريغون الأميركيّة، ومع مكتب التحقيقات الفدراليّ وشرطة “سكوتلانديارد” قبل أن ينضمّ إلى وزارة الداخليّة. وهو يشغل أيضاً منصب رئيس اللجنة الأمنيّة والسياسيّة في المملكة، التي تتولّى تنسيق المسائل الأمنيّة. وينتقد الناشطون في مجال حقوق الانسان دوره كالشرطيّ الأوّل في الأمّة، فيما يشيد الخبراء الأمنيّون بجهوده في مجال مكافحة الإرهاب. ولدى محمد بن نايف ابنتان، وليس لديه أبناء، وبالتالي ما من مرشّحين لولاية العرش.

ماذا عن الشابّ الواعد محمد بن سلمان، الوجه الملتحي للحرب اليمنيّة؟ منذ شباط/فبراير، تذاع أغانٍ شعبيّة تصف حزمه وقيادته. أصبح وزير الدفاع في كانون الثاني/يناير، وظهر باستمرار على التلفزيون السعوديّ لتوجيه جهود الحرب، واجتمع بزعماء أجانب لحشد الدعم من أجل الحملة المناهضة للثوّار الحوثيّين الشيعة الموالين لإيران. لم يستطع إقناع الكثيرين بإرسال الجنود. ويُعتبر محمد بن سلمان طموحاً إلى حدّ كبير ومقرّباً جداً من والده. وقد تخلّى عن منصبه كرئيس الديوان الملكيّ، لكنّه سيستمرّ بلا شكّ في الإشراف على النفاذ إليه.

ومحمد سلمان لا يفتقر إلى الخبرة فحسب، بل هو أيضاً لم يتابع تحصيله العلميّ في الغرب، خلافاً لغالبيّة الأمراء السعوديّين. وهناك جدل حول عمره الذي يُعتقد أنّه يترواح بين 29 و34 عاماً، علماً أنّ تاريخ ميلاده الرسميّ هو 24 تموز/يوليو 1980. وهو يترأس عدداً من المنظّمات الشبابيّة، ويحاول أن يُبرز نفسه كقائد الجيل المقبل من السعوديّين، علماً أنّ ثلثي السعوديّين دون الثلاثين من العمر. ويترأس أيضاً لجنة التنمية والاقتصاد التي تتمتّع بنفوذ كبير وتتولى تنسيق السياسات الاقتصاديّة، بما في ذلك عرض النفط وسعره.

وتُعتبر هذه التغييرات تبدّلات كبيرة في السلطة بين الأجيال في مجتمع يبجّل السنّ والخبرة. فالملك سلمان، بترقية ابن شقيقه ونجله، يمرّر الشعلة إلى الجيلين المقبلين من الملكيّين. ومنذ العام 1902، حكم المملكة العربيّة السعوديّة مؤسّس المملكة الحديثة، ابن سعود عبد العزيز، وأبناؤه. وسيكون سلمان الابن الأخير في الحكم.

وأشار الديوان الملكيّ إلى أنّ كلّ التغييرات نالت مصادقة الأكثريّة في هيئة البيعة التي تضمّ أبناء ابن سعود وأحفاده، لكنّ شرعيّة مَن يختار الجيل الجديد وعلى أيّ أساس طرحت طوال سنوات علامات استفهام حول عمليّة توارث العرش. ويأمل الملك أن تكون هذه المسألة قد حُلّت، لكن هل حدّد في قرارة نفسه الترتيب المستقبليّ لولاية العرش؟ ما مدى التوافق الذي يبنيه في أوساط العائلة بشأن التغييرات السريعة التي يجريها؟ يتساءل الكثيرون عن وضع الملك الصحيّ وعن إمكانيّة تأثير ذلك على قدرته على اتّخاذ القرارات.

لقد اعتقلت المملكة عدداً كبيراً من الأشخاص المشتبه في انتمائهم إلى تنظيم القاعدة، بما في ذلك بعض الأشخاص الذين خطّطوا لمهاجمة السفارة الأميركيّة. والسعوديّون غير مقتنعون بأنّ الولايات المتّحدة لديها استراتيجيّة قابلة للحياة في العراق لن تترك طهران القوّة المهيمنة هناك، لكنّهم لا يعتقدون أنّ لواشنطن استراتيجيّة في سوريا.

والأهمّ من ذلك كلّه أنّهم قلقون بشأن حربهم في اليمن. فلم تكن المملكة يوماً عدائيّة إلى هذا الحدّ في قوّتها العسكريّة لمحاولة فرض تغيير في النظام. إنّ الحرب في اليمن هي في الوقت نفسه عبارة عن خصومة إقليميّة بين السعوديّة وإيران، وعن مخطّط ربيع عربيّ لم ينتهِ إنجازه، وعن عداوة سنيّة شيعيّة مذهبيّة. وهي الآن، وفي الدرجة الأولى، حرب سلمان، وحرب أبنائه أيضاً. وتبيّن الترقية المفاجئة لمحمد بن نايف ومحمد بن سلمان أنّ الرهانات في هذه الحرب مهمّة جداً ليس بالنسبة إلى مستقبل اليمن فحسب، بل أيضاً بالنسبة إلى مستقبل آل سعود. فعلى مؤيّدي القوّة العسكريّة أن يحقّقوا نتائج ملموسة وإلا فقد يفقدون مصداقيّتهم.

تقارير: ملك السعودية سيتخلى عن العرش في غضون أسابيع

في الملكيّة المطلقة، يتمتّع الملك بسلطة كاملة لاتّخاذ القرارات كلّها، من الحرب والسلم إلى توارث العرش والعدالة. ولدى السعوديّة تاريخ طويل من التدرّجية في بناء التوافق تقلّص الغموض إلى الحدّ الأدنى. لكنّ حكم سلمان بعيد كلّ البعد عن هذا التاريخ. ففي بلد لطالما قدّر النظام وقابليّة التوقّع، أدخل الخادم الجديد للحرمين الشريفين عنصري الغموض والمفاجأة.

المصدر | بروس ريدل | المونيتور

قد يعجبك أيضاً

أضف تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.