الرئيسية » أرشيف - تقارير » قيادي في الدولة” يروي رحلة “البغدادي” من “بوكا” مرورا بلقاء البعثيين ومخابرات بشار

قيادي في الدولة” يروي رحلة “البغدادي” من “بوكا” مرورا بلقاء البعثيين ومخابرات بشار

تحت عنوان “تنظيم الدولة.. قصة من الداخل” نشرت صحيفة “ذي غارديان” البريطانية تحقيقا حصريا، تولى إلقاء الضوء على فترات من تاريخ التنظيم وقاداته وعلاقاتهم المتشابكة، مستندا إلى شهادة شخصية عايشت بعض تلك القيادات وسط المعتقلات، وأقوال مسؤول استخباراتي رفيع في حكومة بغداد.

التحقيق الذي تولت “زمان الوصل” ترجمة أهم ما جاء فيه، روى عن “أبو أحمد” قصة اعتقاله في معسكر “بوكا” الشهير بالعراق، قبل نحو 10 سنوات، مؤكدا أن “أبو أحمد” أصبح أحد كبار المسؤولين في التنظيم، بعد أن ترقى في صفوفه أسوة بعدد من الأفراد الذين صاحبوه في المعتقل، وصاروا بعد ذلك قادة في “الدولة”.

كاريزما
يبدأ “أبو أحمد” رواية شهادته من صيف 2004، عندما زج به الأمريكيون في “بوكا”، حيث اجتمع لأول مرة بمن سيصبح زعيم تنظيم “الدولة” بل و”الخليفة”، أي “أبو بكر البغدادي”، الذي لم يكن أحد من مخالطيه السجناء يتوقع وصوله إلى هذه المكانة لاحقا.

ويقول “ابو أحمد” إن البغدادي كان منعزلا عن بقية المعتقلين؛ ما زاد من غموضه وتوجس الآخرين منه، لكن السجانين المشرفين على “بوكا” كان يرون “البغدادي” من منظار آخر، بوصفه رجلا هادئا وميالا للتصالح في بيئة يغلب عليها التعصب، وهكذا تحول لدى هؤلاء السجانين إلى وسيلة لمساعدتهم على حل النزاعات بين المعتقلين أنفسهم.

ولد البغدادي “إبراهيم بن عواد البدري السامرائي” عام 1971، في مدينة سامراء العراقية، واعتقل من قبل القوات الامريكية في الفلوجة، في شباط/ فبراير 2004، بعد أشهر من مساهمته في تأسيس ما سمي “جيش أهل السنة والجماعة”.

ويصف “أبو أحمد” زميله في السجن (البغدادي) حينها بأنه كان شخصا هادئا ولديه “كاريزما”، بلورتها -على ما يبدو- وساطته في حل المشاجرات بين المعتقلين، للحفاظ على هدوء معسكر “بوكا”.
ومع ترسخ فكرة “تصالحيته” في أوساط سجانيه، رأى الأمريكيون أن “البغدادي” لايشكل أي خطر وسمحوا بالإفراج عنه بعد بضعة أشهر من اعتقاله، وذلك في كانون الثاني/ ديسمبر 2004.

وينقل التحقيق عن “أبو أحمد” أن “أبو بكر البغدادي” كان يحظى “باحترام كبير جدا من قبل الجيش الأمريكي”، مضيفا: كان البغدادي إذا رغب بزيارة المعتقلين في مهجع آخر يستطيع فعل ذلك، بينما لم نكن نحن نستطيع”.

ويكشف “ابو أحمد” أن كل ما يفعله “البغدادي” كان تحت مسمع ومرأى الأمريكيين، متابعا: لو لم يكن هناك سجن أمريكي في العراق، لما كان هناك تنظيم الدولة الآن.. كان “بوكا” مصنعا.. لقد صنعنا هذا المعتقل جميعنا.. صنع عقيدتنا التي ننتهجها.

ركود
ويمضي “أبو أحمد” في تذكر تلك الأيام: “في السجن، كل الأمراء يجتمعون بانتظام، وأصبحنا قريبين جدا من هؤلاء الذين سجنوا معنا، كنا نعرف ما يستطيعون وما لايستطيعون فعله، لكن أبرز المعتقلين في “بوكا” كانوا أولئك المقربين من الزرقاوي (أبو مصعب) بوصفه زعيم الجهاد.

ويتابع: كان لدينا كثير من الوقت للجلوس والتخطيط، واتفقنا على الالتقاء فور خروجنا من المعتقل، وكانت حيلتنا في ذلك بسيطة، فقد كنا نكتب عناويننا وأرقامنا على مطاط السراويل الداخلية (البوكسر)، وبحلول 2009 –بعيد خروجنا- كنا قد باشرنا بفعل ما كنا نفعله قبل اعتقالنا.. ولكن بصورة أفضل.. لقد ساعدنا “البوكسر” على كسب الحرب.

ويصف أبو أحمد في شهادته “أبو عمر” الذي تولى زعامة التنظيم قبل “أبو بكر” بأنه كان عديم الرحمة، لكن “أبو بكر” يبقى الأكثر دموية وعنفا، حسب رأيه.

ويقر القيادي البارز أن التنظيم عاش بين عامي 2008 و2011 فترة ركود، بعد تقلص سطوته في العراق، وخلال هذه الفترة بدأ نجم “أبو بكر” يسطع أكثر ليصبح مساعد موثوقا لـ”أبو عمر” ونائبه “أبو أيوب المصري”.

وخلال هذه الفترة –حسب “ابو أحمد”- بدأت علاقات التنظيم مع البعثيين من نظام صدام السابق تتوطد، بناء على عداوتهما المشتركة لكل من الولايات المتحدة وحكومة بغداد التي يهيمن عليها الشيعة، وتجسيدا لمقولة “عدو عدوي صديقي”.

وأصبحت اجتماعات البعثيين وقيادات “الدولة” أكثر تواترا، بل إن بعضها حدث في سوريا بعلم ورعاية نظام بشار الأسد، حسب رواية “أبو أحمد” وشهادة اللواء “حسين علي كمال”، مدير الاستخبارات السابق في وزارة الداخلية العراقية، الذي وصفه التقرير بأنه “كردي علماني كانت له علاقات وطيدة مع الشيعة”، علما أن أحد مهام اللواء “كمال” حماية بغداد من “الهجمات الإرهابية”.

ومثله مثل الأميركيين، كان اللواء “كمال” بأن نظام بشار متورط في زعزعة استقرار العراق، بناء على معطيات حصل عليها من استجواب “جهاديين” اعتقلتهم قواته حينها.

مصدر حساس
ومع انحسار نشاط التنظيم في العراق، كان لافتا حدوث اجتماعين في سوريا مطلع 2009، جمعا بين جهاديين عراقيين ومسؤولين في نظام بشار وبعثيين من سوريا والعراق، وفقا للواء “كمال” الذي توفي في وقت سابق من العام الجاري، وأعطى الإذن لمعد التحقيق، بنشر هذه التفاصيل خلال مقابلة تمت في حزيران/يونيو 2014.

ويقول معد التحقيق: عندما قابلت “كمال” للمرة الأولى عام 2009، كان منكباً على نسخ من مستندات توثق اجتماعين سريين في الزبداني قرب دمشق، في ربيع العام نفسه.

حضر الاجتماعين بعثيون عراقيين كبار ممن لجؤوا إلى دمشق بعيد الإطاحة بـ”صدام حسين”، كما حضره ضباط من المخابرات العسكرية التابعة لنظام بشار، وكبار الشخصيات في “تنظيم القاعدة في العراق”، التنظيم الذي ولد من رحمه تنظيم “الدولة”. وكان نظام بشار قد طور ووطد علاقاته مع “الجهاديين” هناك، بهدف –ظاهره- زعزعة الأميركيين وإفشال خططهم في العراق.

ويؤكد “علي خضيري” الذي كان مستشارا لسفراء واشنطن في بغداد، أن اجتماعات “الجهاديين” مع “البعثيين” بدأت منذ 2004 تقريبا، وهو ما يوافق عليه بشكل أو بآخر “أبو أحمد” عندما يشدد أن مسؤولي نظام بشار كانوا على علاقة معهم، وأن معظم “المجاهدين” قدموا عبر سوريا وبتسهيلات من النظام الحاكم فيها.

وينقل معد التحقيق عن اللواء “كمال” قوله إن خبايا اجتماع الزبداني تسربت إليهم عبر مصدر “حساس”، وأن هذا الاجتماع كان الأول من نوعه الذي يعقد على هذا المستوى الاستراتيجي بين استخبارات بشار و”الجهاديين” و”البعثيين”.

إن تركتُ متُّ
في 2010 استطاعت “الولايات المتحدة” اغتيال زعيم التنظيم “أبو عمر” ونائبه “ابو أيوب المصري”، فتولى زعامة التنظيم “أبو بكر” وقرب من كانوا زملاءه في معتقل “بوكا”، في خطوة تدل على أنه كان يترقب هذه اللحظة.

ويقر “أبو أحمد” أن العناصر العراقيين هم المهيمنون على المناصب القيادية والشرعية في التنظيم، حتى بعد تدخله في الصراع على الأرض السورية، مضيفا: لم أكن أحسن تقدير “أبو بكر البغدادي”، ولا حتى أمريكا استطاعت تقدير خطورة دورها في صنعه ليصل إلى ما هو عليه.

ويؤكد معد التحقيق أن “أبو أحمد” لا يزال عضوا في التنظيم، مع أنه يرغب في تركه، موضحا أن الحياة في التنظيم تعني السلطة والمال والزوجات وغيرها من المغريات التي تثير الشباب المشاكس، ولكنها تعني أيضا القتل والهيمنة دفاعا عن وجهة نظر لم يعد “أبو أحمد” يؤمن بها بحرارة، معلقا: “أكبر خطأ ارتكبته هو الانضمام إليهم”.

لكن “أبو أحمد”، يؤكد أن الانفصال عن التنظيم يعني تصفيته مع عائلته، معقبا: “إنه ليس الجهاد الذي أؤمن به.. ولكن ما هي الخيارات المتاحة لدي؟ إذا تركتهم، فسأصبح في عداد الأموات”.

زمان الوصل

قد يعجبك أيضاً

أضف تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.