الرئيسية » أرشيف - تقارير » لماذا كل هذه الأهميّة حول مدينة عين العرب “كوباني”؟

لماذا كل هذه الأهميّة حول مدينة عين العرب “كوباني”؟

القتال الدائر بين تنظيم الدولة الإسلامية وبين الأكراد في مدينة عين العرب – كوباني السورية في محاولة لسيطرة التنظيم على هذه المدينة، حصل على اهتمام سياسي وعسكري وإعلامي واسع النطاق لم نر مثله في أية معركة أخرى من معارك التنظيم.

السؤال هنا، لماذا كل هذا الاهتمام بمدينة عين العرب – كوباني من كافة الأطراف المتنازعة؟

الموقع والسكان
عين العرب أو كوباني كما يطلق عليها الأكراد هي مدينة سورية تابعة لمحافظة حلب، تقع في أقصى الشمال السوريّ قرب الحدود مع تركيا.

تبعد المدينة مسافة 30 كيلو مترًا فقط عن نهر الفرات، وحوالي 150 كيلو مترًا عن مدينة حلب.

يتجاوز عدد سكان المدينة 460 ألف نسمة، يسكنون منطقة عين العرب التي تضم 384 قريةً صغيرة وأغلب سكانها من الأكراد.

منذ يوليو 2012م خضعت المدينة لوحدات حماية الشعب الكردية، الذين يعتبرون المدينة جزءًا من منطقة كردستان سوريا.

وتعود التسمية الكردية للمدينة “كوباني” إلى “كوم بانيا”، ومعناها “الإجماع” باللغة العربية، ويعود سبب التسمية إلى توحُّد عشيرتين كرديتين بين الحسكة وعين العرب كما يقول البعض، فيما يقول آخرون أن المقصود هو الإجماع الكردي على إقامة الدولة المستقلة.

وكما تشير هذه الخريطة فإن مدينة كوباني تتوسط المنطقتين الكرديتين في سوريا، وهما محافظة الحسكة بمدنها القامشلي ورأس العين وعاموده في الشرق، ومنطقة عفرين في الغرب.

 

أهمية المدينة للأكراد
مدينة عين العرب – كوباني هي ثالث مدينةٍ سوريةٍ ذات أغلبيةٍ كرديةٍ بعد القامشلي وعفرين، ومنطقة عين العرب بشكل عام هي واحدة من أبرز مناطق الثقل للفصائل الكردية.

لهذه المدينة أهمية مفصليّة في مشروع الدولة المستقلة الكردية. وبالتالي فإن سقوط هذه المدينة في يد تنظيم الدولة يضرب الحلم الكردي التاريخي في مقتل، فمع تمدد القتال والصراع من سوريا إلى العراق أصبحت عين العرب – كوباني في قلب المشروع الاستقلالي الكردي، خصوصًا أن نجاح تجربة الإدارة الذاتية الكردية في سوريا بات يعوّل على تجربة مدينة كوباني بشكلٍ أساسيّ.

كوباني تحتل مكانةً معنويةً كبيرةً لدى الأكراد، خاصةً وأنها تشكل إحدى المقاطعات الثلاث التي أعلنها حزب الاتحاد الديمقراطيّ في إطار ما عرف بمشروع الإدارة الذاتية، وسيتسبب سيطرة الدولة الإسلامية على المدينة في فصل المناطق الكردية السورية عن بعضها جغرافيًا بشكل نهائي، بمعنى أن الأكراد لن يتمكنوا من التحرك بين القامشلي وعفرين بعد هذه اللحظة.

الخطورة الكبيرة من سيطرة الدولة الإسلامية على المدينة، ستكون بالتأكيد عزل تنظيم الدولة لمحافظة الحسكة نهائيًا عن باقي المناطق السورية.

 

أهمية المدينة لتنظيم الدولة الإسلامية؟
تنظيم الدولة يسيطر بالفعل على شريطٍ حدوديٍّ طويلٍ مع تركيا، بالإضافة لسيطرته على عدة معابرٍ أبرزها معبر تل أبيض، بالتالي فإن سيطرة التنظيم على مدينةٍ جديدةٍ في نفس الخط الحدوديّ لن يؤثر بشكلٍ كبيرٍ ميدانيًّا بالنسبة له.

لكن أهمية السيطرة على المدينة من الناحية العسكرية لتنظيم الدولة، يأتي في التخلص من “جيبٍ عسكريٍّ مُعاد” يؤدي إلى غرب مناطق حلب وشرق مناطق الرقّة، وكِلا المنطقتين واقعتين تحت سيطرة تنظيم الدولة، وذلك كما ذكر موقعٌ إخباريٌ فرنسيّ، وبالتالي ستمنح سيطرة تنظيم الدولة على المدينة إمكانية ربط المناطق الخاضعة لسيطرتهم على الحدود السورية التركية لمسافةٍ تصل إلى 136 كيلومترٍ.

ليس هذا فحسب، بل إن تخلص الدولة الإسلامية من هذا الجيب المُعاد سيمكن لها السيطرة على رقعةٍ جغرافيةٍ شاسعةٍ جدًا، تمتد بين مدينة منبج في ريف حلب على الحدود السورية التركية وحتى مشارف العاصمة العراقية بغداد، مما يتيح استغلال هذه المساحة في المناورة وإعادة التوزيع والانتشار.

على جانبٍ آخر، فإن الهدف الأبرز والأهم لتنظيم الدولة من سيطرته على المدينة يكمن في ضربه للمشروع القومي الكرديّ والمشروع القومي العربيّ على حدٍ سواء، حيث أنه لا قوميات في ظل المشروع الإسلاميّ الذي تتبناه الدولة الإسلامية. فتنظيم الدولة يؤكد أن الصراع مع الفصائل الكردية ليس صراعًا عرقيًا بل صراع ديني عقائدي بشكلٍ أساسي. يؤكد ذلك أن هناك الكثير من الأكراد سواء من العراق أو تركيا يقاتلون في الصفوف الأمامية لتنظيم الدولة ضد قوات البشمركة في العراق أو الفصائل الكردية في سوريا.

الأكراد ظهروا في الآونة الأخيرة كقوةٍ فاعلةٍ محتملة لمحاربة تنظيم الدولة، إذا ما قرر التحالف الدوليُّ التحرك على الأرض، وبالتالي فإن تنظيم الدولة يريد وضع حد سريع لمثل هذه الفكرة، خصوصًا في ظل التحالف بين وحدات حماية الشعب الكردية والجيش السوريّ الحر.

أمر هام آخر لتنظيم الدولة يأتي من أن سيطرته على المدينة، وبالتالي عزله لمحافظة الحسكة ذات الأغلبية الكردية، سيجعل هذه المحافظة هي الهدف القادم لتنظيم الدولة خصوصًا وأن بها ما يسيل له اللعاب من آبار نفطٍ وغاز.

وهذه خريطةٌ من موقع فورين بوليسي توضح الموقف في سوريا هذه الأيام.

 

تركيا

جدير بالذكر أن عددًا من قيادات حزب العمال الكردستاني المعارض في تركيا يتحدرون من هذه المدينة، ولهذا الحزب اليد الطولى في إنشاء وتدريب وحدات الدفاع الشعبي الكردية، التي يصل قتالها اليوم بين سوريا والعراق وأبدت تفوقًا ملحوظًا عن قوات البشمركة الكردية، كما أنها تشكل قيمةً رمزيةً للحزب الأخير إذ أن زعيمه عبدالله أوجلان لجأ إليها عقب هروبه من تركيا عام 1979م.

تركيا تخشى الجانبين الكردي وتنظيم الدولة، وتصنف كلاهما في خانة الإرهاب، فانتصار الأكراد سيقوّي من حظوظهم في إقامة دولتهم المستقلة في العراق وسوريا، وبالطبع لا تريد تركيا ذلك لأن الحلم التاريخيّ للأكراد يشمل دولةً في مناطقَ عراقية وسورية وتركية أيضًا، مما يهدد الأمن القومي لها مستقبلًا.

من ناحيةٍ أخرى فإن وصول تنظيم الدولة إلى الحدود التركية، بشكلٍ واضحٍ سيمكن الدولة الإسلامية من ضم المزيد من المقاتلين القادمين عبر الحدود التركية، وإمكانية بناء حاضنةٍ لهم داخل تركيا مع تنامي القدرات الاقتصادية لتنظيم الدولة من خلال عمليات تهريب النفط عبر تركيا.

تعامل تركيا مع معركة عين العرب – كوباني يؤكد ذلك؛ فتركيا اعتمدت استراتيجية إدارة المعركة عن بعد، بمعنى دَعِ الأعداء يتقاتلون ولنترك قواتنا على أهبة الاستعداد في وضع المتفرج لمواجهة أي طارئ يهدد أمننا القومي.

 

القتال وطبيعته
طبيعة القتال الدائر حاليًا هو من نوعية حرب الشوارع التي تصبح فيها المدفعية والضربات الجوية بلا جدوى، فدخول قوات تنظيم الدولة الإسلامية إلى داخل المدينة جعل الكلمة العليا للأسلحة الخفيفة والمتوسطة، وحد من خطورة الضربات الجوية التي يقوم بها التحالف الدولي ضد تنظيم الدولة.

تأثر مقاتلو التنظيم معنويًا بالضربات الجوية للتحالف حاليًا يعتبر في أدنى حدٍّ له؛ نتيجة التكتيك المتعمد الذي اتبعوه في أرض الميدان. يأتي هذا على الرغم من أن الضربات الجوية في بداياتها شجعت العديد من المقاتلين الأكراد على العبور من تركيا باتجاه المدينة للدفاع عنها.

في بداية الضربات الجوية للتحالف ضد مقاتلي تنظيم الدولة كانت جبهة المعركة ممتدة على مسافة 180 كيلومترٍ حول المدينة، مما ساعد على استهداف بعض المدفعية الثقيلة من نوع “هاوترز” الموجودة مع مقاتلي التنظيم عبر الضربات الجوية، لكن دخول المقاتلين للمدينة أضعف بشكل ملحوظ من الفائدة العسكرية لهذه الضربات في معركة مدينة عين العرب – كوباني.

يعتمد مقاتلو التنظيم على فرق مقاتلةٍ صغيرةٍ مكونةٍ من 10 – 15 مقاتلٍ من مقاتلي النخبة يتقدمون من عدة محاورٍ مع استقلاليةٍ تامة لقائد كل مجموعة في إدارة المعركة، هذا الأمر يعطي المقاتلين حرية حركةٍ ومرونة وسرعة في التقدم، وسيؤثر القضاء على أي مجموعة منها بشكل محدود في سير العمليات العسكرية، حتى الدبابات لن يكون لها فائدة استراتيجية ضد هؤلاء المقاتلين.

المشكلة الرئيسية التي تواجه الأكراد في عين العرب – كوباني رغم صمودهم اللافت في وجه الحصار الخانق من قبل مقاتلي الدولة الإسلامية من الشرق والغرب والجنوب، هو عدم الحصول على الإمدادات بالشكل اللازم نتيجة موقع المدينة الجغرافيّ المعزول بين المناطق العربية.

علاء الدين السيد

قد يعجبك أيضاً

أضف تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.