الرئيسية » أرشيف - تقارير » ملك السعودية يدير صراع الأجنحة منفرداً

ملك السعودية يدير صراع الأجنحة منفرداً

يقضي التقليد السائد منذ أيام الملك عبد العزيز، مؤسس المملكة السعودية، باستحداث منصب «نائب ثانٍ» عنه. سنة 1941، أصدر أمراً ملكياً بتعيين نجله سعود ولياً للعهد ومن بعده فيصل. سرى التقليد في العهود السابقة، فكان خالد بن عبد العزيز نائباً ثانياً للملك سعود. لكن بعد تولي فيصل العرش وإنشاء مجلس الوزراء، بات منصب النائب الثاني ينطبق على ولاية العهد ومجلس الوزراء، منذ توحيد منصب الملك ورئاسة مجلس الوزراء في عهد الملك فيصل سنة 1964، فكان الملك فهد أول نائب ثانٍ لرئيس مجلس الوزراء.

 

بقي منصب النائب الثاني في عهد الملك عبد الله شاغراً لأربع سنوات. كان السبب واضحاً، إذ لم يشأ الملك تولي شخصية من الجناح السديري، بما يمكّنه من بسط سيطرته على مفاصل الدولة في المرحلة المقبلة، بما يشكل تهديداً مستقبلياً لجناحه، بعد موته.

وتُطلق تسمية «السُّدَيرِيّون» على سبعة من أبناء الملك عبد العزيز، من زوجته حصة بنت أحمد السديري، وهم (الملك) فهد (متوفى) وسلطان (متوفى) وعبد الرحمن وتركي ونايف (متوفى) وسلمان (ولي العهد الحالي) وأحمد.

توصل مستشارو الملك إلى فكرة ذكية تحمل بشارة إلى الأجنحة الأخرى المهمّشة داخل العائلة المالكة، وهي إعلان تشكيل هيئة البيعة في 20 تشرين الأول (أكتوبر) 2006 برئاسة الأمير مشعل بن عبد العزيز، وأريد منها تأجيل بتّ مسألة تعيين النائب الثاني، وتفويض اختياره إلى الهيئة، ولكن بعد موت الملك. وفكرة الهيئة تقوم على بناء تحالف داخل العائلة المالكة ضد الجناح السديري وإشراك الأطراف الأخرى التي كانت مهمّشة أو التي قررت بمحض إرادتها وبسبب تبدّل قواعد اللعبة في العائلة المالكة إلا أن تخوض صراعات السلطة بأن تعود إلى الحلبة وأن تشارك على الأقل في دعم هذا الجناح أو ذاك.

صدر الأمر الملكي في 10 كانون الأول (ديسمبر) 2007 بتكوين هيئة البيعة من أبناء عبد العزيز وأحفاده وعددهم 35 أميراً، وبرئاسة الأمير مشعل بن عبد العزيز. وأوضح البيان الصادر عن الديوان الملكي الخاص بالأمر الملكي أن نظام هيئة البيعة لا يسري على الملك وولي العهد الحاليين.

وبحسب اللائحة التنفيذية التي تحدّد آليات تطبيق نظام هيئة البيعة بعد عام من إصداره، فإن مدة عضوية الأمراء المعيّنين أربع سنوات غير قابلة للتجديد إلا إذا اتفق إخوة العضو المنتهية ولايته على ذلك، وبموافقة الملك.

وبحسب اللائحة، يقترح الملك على هيئة البيعة، اسماً أو اسمين أو ثلاثة أسماء لمنصب ولي العهد. ويمكن اللجنة أن ترفض هذه الأسماء وتعيّن مرشّحاً لم يقترحه الملك. وإن لم يحظ مرشح الهيئة بموافقة الملك، تحسم «هيئة البيعة» الأمر بأغلبية الأصوات بعملية تصويت يشارك فيها مرشحها ومرشح يعينه الملك، وذلك في غضون شهر.

 

وصف الأمر الملكي حينذاك بأنه استجابة لتحديات تطوير نظام الحكم السعودي، وحماية للوحدة الوطنية، وأن نظام هيئة البيعة يأتي ليستكمل الأنظمة الثلاثة: نظام الحكم، نظام مجلس الشورى، نظام مجلس المناطق. وأمام توصيفات من هذا القبيل، يصبح الكلام على صراع على السلطة، أو نزوع نحو استبعاد جناح من معادلة الحكم في المستقبل أمراً غير وارد، ما دامت الأهداف السامية هي المحرّك الرئيسي وراء تشكيل الهيئة! والحال، أن الطرفين المتصارعين: الملك والجناح السديري يعلمان علم اليقين أن الهيئة لم تتشكل إلا لتفادي وصول عضو سديري إلى ولاية العهد، وبذلك تصبح الدولة سديرية بامتياز.

بقي منصب النائب الثاني شاغراً من بعد تأسيس الهيئة لنحو سنتين. وفي حقيقة الأمر، أن الاحتفالية التي رافقت إعلان هيئة البيعة كانت مفتعلة، شعر بذلك أولئك الذين انغمسوا في تلك الاحتفالية مدحاً وإطراءً بصورة مبالغة لقرار تشكيل هيئة البيعة ثم وجدوا أنفسهم مضطرين لأن يستخدموا الأسلوب ذاته في المديح والإطراء لقرار يتناقض مع بنود الهيئة بتعيين الأمير نايف نائباً ثانياً للملك، فيما ظهر لاحقاً أن صفقة تجري في الخفاء بين الملك عبد الله والأمير نايف.

وجد أعضاء هيئة البيعة أنفسهم إما في وضعية شهود زور أو في وضعية التقاعد المبكر، فقد فقدت الهيئة وظيفتها في مرحلة مبكرة، وبدا أنها لم تتأسس على قناعة من الملك أو من أي من الأمراء الكبار، بل كانت أداة لمهمة معيّنة ولمدة محدّدة، وقد تبقى كذلك كلما اندلع نزاع داخل العائلة المالكة، فتكون بمثابة بديل عن مجلس العائلة الذي لم يكتسب صفة قانونية، ما يجعل الهيئة بديلاً عن المجلس ويتحوّل إلى ما يشبه هيئة لفض المنازعات داخل العائلة المالكة.

مهما يكن، فإن أول ضربة وجهها الملك عبد الله إلى هيئة البيعة كان في 27 آذار (مارس) 2009، بإصداره أمراً ملكياً بتعيين الأمير نايف بن عبد العزيز نائباً ثانياً لرئيس مجلس الوزراء، واحتفاظه بمنصبه وزيراً للداخلية. كانت الخطوة هذه كافية لأن تضع نهاية للدور المنوط والمعلن بهيئة البيعة، لأن مجرد تعيين نائب ثانٍ للملك يعني لا دور منتظر من الهيئة بتعيين ولي العهد في حال موت الملك، فقد تثبّت مكان ولي العهد المقبل، وهذا ما حصل لاحقاً. لم يكن تعيين نايف في هذا المنصب دون مقابل، فقد عقد الملك ونايف صفقة تقوم على تقاسم المناصب بين أبنائهما، وفي الوقت نفسه نزع بعض المناصب من الجناح السديري، كما سيظهر ذلك في وقت لاحق.

لا بد من الإشارة هنا إلى أن الصفقة لم تتم إلا بعد أن بات معلوماً لدى الملك والجناح السديري أن ولي العهد آنذاك، أي الأمير سلطان، يقضي أيامه الأخيرة بعد أن تمكّن السرطان من جسده، وصار منغمساً في رحلات العلاج والاستجمام طوال تلك الفترة، ما أبعده عن شؤون السلطة بصورة شبه كاملة.

وفي 22 تشرين الأول (أكتوبر) 2011 أعلن الديوان الملكي وفاة الأمير سلطان، ولي العهد ووزير الدفاع، وصدر أمر ملكي بعد إشعار من رئيس وأعضاء هيئة البيعة باختيار الأمير نايف ولياً للعهد وتعيينه نائباً لرئيس مجلس الوزراء ووزيراً للداخلية. واستند البيان الصادر عن الديوان الملكي إلى النظام الأساسي للحكم ونظام هيئة البيعة، ثم أعقب ذلك: وبعد أن أشعرنا سمو رئيس وأعضاء هيئة البيعة، فقد اخترنا صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبد العزيز ولياً للعهد وأمرنا بتعيين سموه نائباً لرئيس مجلس الوزراء وزيراً للداخلية .

ثم وجّه الملك الأمراء بمبايعة نايف ولياً للعهد، فيما أدّى الأمير عبد الله بن فيصل بن تركي الأول بن عبد العزيز والأمير بندر بن مساعد بن عبد العزيز القسم عضوين جديدين في هيئة البيعة. وكان في ذلك لفتة إلى ضرورة حشد أكبر عدد من الأصوات الداعمة لقرار الملك عبر هيئة البيعة. ربما كان الأمير طلال بن عبد العزيز، الصوت النافر في الهيئة وأيضاً في العائلة المالكة، إذ بقي يجهر بمعارضته بالاستمرار في أن يكون مجرد أداة في صراع الأجنحة أو ختم للتصديق على قرارات الملك، فقدّم استقالته في 16 تشرين الثاني (نوفمبر) 2011، أي بعد مرور ثلاثة أسابيع على تعيين نايف ولياً للعهد. وكان طلال قد اعترض على تعيين نايف نائباً ثانياً في عام 2009 وقال إنه كان ينبغي استشارة الهيئة قبل اتخاذ هذا القرار، وقال في بيان أرسله بالفاكس لوكالة رويترز في 2009 إنه يدعو الديوان الملكي إلى توضيح ماذا يعني بهذا التعيين وإنه لا يعني أن الأمير نايف سيصبح ولي العهد.

لكن بعد تعيين الأمير نايف ولياً للعهد، ما يحسبه الأمير طلال تجاوزاً آخر لدور الهيئة، قرر المجاهرة باعتراضه من طريق تقديم استقالته بصورة علنية. وذكرت هيئة البيعة في موقعها على الإنترنت أن الأمير طلال استقال من الهيئة.

كان من الواضح أن صفقة جرت بين الملك عبد الله والأمير نايف تقضي بتقاسم المناصب بينهما ونقل بعضها إلى الأبناء. وسنجد كيف أن الملك حصل على امتيازات له ولجناحه في مقابل تنازلات كبرى قدّمها الجناح السديري كثمن حصول نايف على ولاية العهد.

فمن جانب الأمير نايف، صدر أمر ملكي في 3 تموز (يوليو) 2011 بتعيين نجله سعود مستشاراً له بمرتبة وزير. وصدر أمر ملكي آخر في 6 تشرين الثاني (نوفمبر) 2011 بتعيينه رئيساً لديوان ولي العهد ومستشاراً خاصاً له بمرتبة وزير. وفي المقابل، أُعلن في اليوم نفسه سلسلة أوامر ملكية بإسناد رئاسة عدد من المجالس واللجان إلى رئاسة مجلس الوزراء، أي الملك، ونيابة ولي العهد، أي نايف.

ومن بين الأوامر الملكية، إعفاء الأمير عبد الرحمن بن عبد العزيز من منصبه نائباً لوزير الدفاع، وهو أحد أعضاء العصبة السديرية السبعة، وتعيين الأمير سلمان وزيراً للدفاع والأمير خالد بن سلطان نائباً له.

في حقيقة الأمر، إن الأوامر الملكية هذه تشي بعملية تفتيت للصلاحيات التي كانت منوطة بالجناح السديري والتي كان يتولاها في مرحلة سابقة سلطان ونايف، حيث جرى توزيعها بين الملك وولي العهد السابق نايف ووزير الدفاع سلمان. وقد لعب الملك عبد الله بذكاء حين أدرج تلك المهمات كافة ضمن التراتبية الإدارية من الملك، نزولاً إلى من سواه.

 * باحث وناشط سياسي من السعودية

(الأخبار) اللبنانية

قد يعجبك أيضاً

أضف تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.