الرئيسية » تقارير » معهد واشنطن: الانقطاع مع قطر والكويت بشأن تمويل الإرهاب

معهد واشنطن: الانقطاع مع قطر والكويت بشأن تمويل الإرهاب

في 30 نيسان/أبريل لاحظت وزارة الخارجية الأمريكية أن التبرعات الخاصة التي تصدر عن دول الخليج العربي تشكل “مصدر تمويل كبير للجماعات الإرهابية السنية، ولا سيما … في سوريا”، واعتبرت هذه المشكلة واحدةً من أهم القضايا المتعلقة بمكافحة الإرهاب التي شهدها العام المنصرم. إذ يُعتقد أن مجموعاتٍ على غرار «جبهة النصرة» – الحركة السورية التابعة لـ تنظيم «القاعدة» – وجماعة «الدولة الإسلامية في العراق والشام»، المعروفة سابقاً باسم تنظيم «القاعدة في العراق»، تتلقى باستمرار بعض من مئات ملايين الدولارات التي يتبرع بها المواطنون الأثرياء وغيرهم من أبناء شبه الجزيرة العربية خلال النزاع السوري.

 

ولطالما استاءت واشنطن من شركائها الخليجيين بسبب امتناعهم عن اتخاذ إجراءات أكثر صرامة لإيقاف تدفق الأموال الخاصة إلى الإرهابيين. وفي السنوات الماضية تم تصنيف قطر والكويت بشكل خاص كنقاط للتمويل الإرهابي. كما أن أحدث التقارير السنوية عن “البلدان الخاصة بالإرهاب” لعام 2013 الصادرة عن وزارة الخارجية الأمريكية أشارت إلى “تقارير متزايدة” عن إقدام أفراد مقيمين في الكويت على تمويل المتطرفين في سوريا، وكذلك لفتت إلى “خطر التمويل الإرهابي الكبير” الناشئ عن جامعي التبرعات في قطر. إلا أن هذه اللغة الدبلوماسية تقلل من شأن الفكرة الشائعة بين صفوف الخبراء الأمريكيين والقائلة إن الكويت هي “بؤرةٌ لجمع الأموال للجماعات الإرهابية في سوريا” وإنّ قطر هي “بيئة متساهلة مع التمويل الإرهابي”، كما جاء على لسان ديفيد كوهين، مساعد وزير الخزانة الأمريكية لشؤون الإرهاب والاستخبارات المالية، في خطاب ألقاه في الرابع من آذار/مارس.

 

وينبع الانقطاع الأساسي بين واشنطن وهاتين الدولين حول مسألة التمويل الإرهابي من دينامياتهما السياسية الفريدة وحساباتهما الأمنية التي تدفع كلتيهما إلى السماح بوجود بعض القنوات المحلية المعنية بجمع الأموال لصالح الجماعات المتطرفة الأجنبية وغيرها من الجماعات. وكذلك تحدد هذه الديناميات مدى تعاون الكويت وقطر مع أجندة الولايات المتحدة لمكافحة تمويل الإرهاب. ومن هذا المنطلق، لا يجدر بواشنطن أن تتوقع تغييرات جوهرية في نهج هاتين الدولتين لعمليات تمويل الإرهاب ما لم يحدث تحولٌ في إحدى نواحي هذه الحسابات الأساسية.

 

التعاون

 

تُعتبر كل من الكويت وقطر شريكاً استراتيجياً مهماً في عدد من القضايا الإقليمية. وغالباً ما يشير المسؤولون الأمريكيون في تصريحاتهم العلنية إلى التعاون الوثيق [مع الدولتين] في قضايا مكافحة الإرهاب، ومن ضمنها تمويل الإرهاب. فعلى سبيل المثال، كثيراً ما أبرزت واشنطن تنسيق الدوحة مع وزارة الخزانة الأمريكية في فرض العقوبات على “بنك سورية الدولي الإسلامي” في أيار/مايو 2012. أما بالنسبة للكويت فقد هنّأت الولايات المتحدة حليفتها علناً على الخطوات التي اتخذتها خلال العام الماضي لمكافحة التمويل غير المشروع.

 

وبالإضافة إلى ذلك، عمدت كلتا الدولتين الخليجيتين إلى إقرار قانون ينص على تحقيقات ومقاضاة أكثر فعالية للأطراف الممولة للإرهاب، وذلك بتشجيع وضغط من واشنطن وأطراف دولية أخرى. فالقانون الكويتي الصادر في عام 2013 يجرّم تمويل الإرهاب ويجيز تجميد الأصول الإرهابية على الفور كما أنه ينصّ على تشكيل “وحدة استخبارات مالية” هي عبارة عن مكتب يتم تأسيسه في الإدارات الحكومية في جميع أنحاء العالم ليكون مركزاً للتقارير والتحقيقات المتعلقة بتمويل الإرهاب وتبييض الأموال. كما أقرت قطر من جهتها قانونها الخاص لمكافحة هذه المشاكل في عام 2010، ويستوجب هذا القانون، من بين أمور أخرى، تجميد الأموال التابعة للمنظمات المدرجة على لائحة الأمم المتحدة للمنظمات الإرهابية.

 

التحديات

 

مما يؤسف له، أن التزام قطر والكويت بهذه القوانين كان وما يزال متقلباً على أبعد تقدير. فالنسخة الأخيرة من “تقارير البلدان الخاصة بالإرهاب” الصادرة عن وزارة الخارجية الأمريكية وصفت منهجية الدوحة لرصد المساهمات المحلية في المنظمات الأجنبية بأنها “غير متوافقة”، واعتبرت آليتها العامة لتطبيق وتنفيذ قانونها المتعلق بمكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب “شائبة” وتشكو من “ثغرات كبيرة”. وفي غضون ذلك لم يتم بعد تفعيل “وحدة الاستخبارات المالية” في الكويت. صحيحٌ أن مكافحة النواحي غير الشرعية من المساعدات الخليجية الخاصة للمنظمات الأجنبية تطرح تحديات لوجستية، إلا أنّ هذه التحديات لا تبرر بالكامل التأخير في آليات التنفيذ الكويتية والقطرية. حتى أن أجندة واشنطن لمكافحة تمويل الإرهاب تنافس في بعض الأحيان، لا بل تتعارض مع ما يعتبره شركاؤها الخليجيون كمصالحهم الأمنية الخاصة. ويساعد هذا الانقسام على تفسير التأخير في تطبيق [القوانين] وتنفيذها من قبل قطر والكويت.

 

وفي هذا السياق، تقضي الاستراتيجية الأمنية للدوحة بدعم عددٍ واسع من الأطراف الفاعلة على المستويين الإقليمي والدولي بهدف حماية قطر من عددٍ مماثل من التهديدات المحتملة. وقد شملت هذه الاستراتيجية تقديم الدعم السخي للإسلاميين، لا سيما «الإخوان المسلمين»، ولكن أيضاً لمنظمات أخرى أمثال حركة طالبان. إنّ فتح المجال أمام جمع الأموال المحلية للجماعات الإسلامية المتطرفة في الخارج هو جزء من هذا النهج. فالدوحة، شأنها شأن العديد من الحكومات الخليجية، تعتبر أن الحفاظ على القنوات التنظيمية لدعم الجماعات الإسلامية الأجنبية يساعد هو أيضاً على حمايتها من النشاط السياسي الإسلامي على أرضها. وباختصار، فإن إعاقة هذه القنوات المحلية قد يضرّ بمقاربة الدوحة الأساسية لأمنها الخاص.

 

أما الكويت فتتمتع بزخم سياسي أكبر وبتقلب أكثر من قطر. ويتمثل أحد مكامن قلقها الرئيسية في أن يتسبب تضييق الخناق على عمليات جمع الأموال المحلية لصالح الجماعات المتطرفة في سوريا بإثارة سخط السياسيين ورجال الدين السلفيين المتنفذين، علماً بأن هؤلاء يقفون في مقدمة الساحة المحلية الكويتية لجمع التبرعات. كما أن العديد من بين الغالبية السنية في الكويت قد انتقد الحكومة على تقصيرها في تزويد المعارضة السورية بالدعم العسكري اقتداءً بالمملكة العربية السعوية وقطر. وتم الإعراب عن هذه الشكاوى على خلفية التوترات المحلية القائمة منذ مدة طويلة – فلفترة دامت عدة سنوات، ابتلت الكويت بحل البرلمان، ومقاطعة الانتخابات، وقيام احتجاجات عامة، وإثارة استياء رئيسي من حكم غير فعال؛ وقد يخشى البعض أن اتخاذ إجراءات قوية إضافية ضد ممولين يتمتعون بشعبية يمكن أن يكون فاتحة لفترة من الاضطرابات لم يسبق لها مثيل.

 

وفي الوقت نفسه، هناك دلائل تشير إلى إمكانية تغيير الرغبة العامة في الكويت بتمويل الجماعات السورية، حيث خاب أمل الجهات المانحة المحلية من الاقتتال الشديد في صفوف الجهاديين. ويبقى أن نرى إلى أي مدى سيغيّر هذا الأمر من حسابات الحكومة بشأن اتخاذ إجراءات ضد تمويل الإرهاب.

 

وعند النظر إلى الصورة الكبرى، يبدو أحياناً أن الولايات المتحدة وشركاءها الخليجيين ليسوا على الموجة نفسها عندما يتعلق الأمر بدعم الإرهاب. ففي الخطاب الذي ألقاه مساعد وزير الخزانة كوهين في آذار/مارس، على سبيل المثال، ذكّر جمهوره بأن قطر قد موّلت علناً ولسنواتٍ عديدة حركة «حماس» التي صنفتها الولايات المتحدة على قائمة الجماعات الإرهابية. ومن الصعب تخيّل توافق واسع بين أجندات الولايات المتحدة ودول الخليج حول هذه المواضيع في غياب اتفاق كامل على تعريف من هو إرهابي.

 

التداعيات للسياسة الأمريكية

 

هناك عوائق كبيرة تحول دون حدوث فرض وتطبيق أكثر صرامة لقوانين مكافحة تمويل الإرهاب في الكويت وقطر. وحتى أدنى تغيير في الحسابات السياسية لهذين البلدين قد يمنح واشنطن الفرص لدعم أي إجراءات إيجابية تتخذها هناك. فعلى سبيل المثال، قد تُرسّخ الحكومات الخليجية عزمها على إغلاق بعض قنوات التمويل إذا ما شعرت بتهديد مباشر من الجماعات القائمة في سوريا والمدعومة من الجهات المانحة المحلية، أو إذا ما رأت أن الجهاديين الذين يعودون إلى وطنهم من ساحة النزاع السوري يشكلون تهديداً على أرض الوطن. ولا بد كذلك للمسؤولين الأمريكيين أن ينتبهوا إلى العلامات الأخيرة التي تدل على تراجع اهتمام المانح الكويتي في الجماعات المتمردة في سوريا بسبب اقتتال الجهاديين الداخلي – وهذا تطور يفتح أمام واشنطن مجالاً واسعاً لتجديد حثها على اتخاذ إجراءات أكثر صرامة لمكافحة تمويل الإرهاب من جانب حليفٍ خليجي بارز.

 

 

 

لوري بلوتكين بوغارت هي زميلة أبحاث في برنامج سياسة الخليج في معهد واشنطن.

قد يعجبك أيضاً

أضف تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.