الرئيسية » حياتنا » الايرانيون في مشهدهم المختلف: منفتحون جنسياً.. وضد زواج المتعة

الايرانيون في مشهدهم المختلف: منفتحون جنسياً.. وضد زواج المتعة

في حوار مفتوح مع طلاب جامعة كولومبيا في نيويورك يعود إلى عام 2007، قال الرئيس الايراني محمود أحمدي نجاد عبارة جعلت القاعة تضج بالضحك. فالرئيس المحافظ بدا شديد التقين والحزم حين أعلن أن المثلية الجنسية "ظاهرة" غير موجودة في إيران.
 
كان أحمدي نجاد يعكس في تصريحه ذاك طموحا تنشده المؤسسة الحاكمة في طهران بإنشاء مجتمع مثالي لا مكان فيه لأي حرية فردية تعتبرها من الشوائب، من المثلية الجنسية وخيار ارتداء الحجاب أو عدمه، وصولا بالطبع إلى العلاقات بين الجنسين.
 
الوجه الآخر لإيرانالوجه الآخر لإيران
وفي المجتمع الخيالي الذي لا وجود فيه لمثليين، يمكن أن نتوقع الصورة التي يريد النظام أن يرسمها للإيرانيين: شعب محافظ شديد التدين، لا يحيد عن الطريق القويم الذي أرسته الجمهورية الإسلامية منذ قيامها عام 1979.
غير أن الإيرانيين ليسوا كما يحلم لهم النظام الحاكم بأن يكونوا.
 
 
 
الانفتاح الجنسي احتجاجا
نال مقال نشرته مجلة فورين بولسي بعنوان "جمهورية إيران الايروتيكية" نسبة قراءة واهتمام مرتفعة. والكاتب الذي تنبأ بثورة جنسية قال إن لندن باتت تبدو مدينة محافظة مقارنة بطهران.
من لا يعرف المجتمع الإيراني، الذي يعاني تضييقاً اعلامياً بطبيعة الحال، قد يستغرب المشهد كما ينقله المقال. لكن من يعرفون هذا المجتمع، وعايشوه عن كثب، لا يستغربون هذا المشهد.
 
يعرف الصحافي حسن فحص الإيراني بأنه "شخص ذو شخصيتين". وفحص عمل مراسلا لعدد من الصحف اللبنانية والخليجية واذاعة الشرق الباريسية من ايران، ثم مديرا لمكتب الفضائية اللبنانية وبعدها مديرا لمكتب جريدة الحياة ومديرا لمكتب قناة العربية في ايران حتى العام 2008 عندما قررت السلطات الايرانية طرده من ايران بسبب انتقاده لسياسات ايران الاقليمية. وهو  متخصص بالادب الفارسي.
 
 
ايرانية تجادل ضابطاً من دورية مهمتها القبض على المخالفات في الشكلايرانية تجادل ضابطاً من دورية مهمتها القبض على المخالفات في الشكل
ويقول فحص لموقع قناة "الحرة" إن "الرجل الذي تراه محافظاً في الشارع قد يكون أكثر تهتكا من أي شخص آخر حين يصير خلف أسوار بيته. وهذا يعني أن الإيراني يمارس ويعيش شخصيتين في الوقت نفسه، واحدة خاصة تظهر داخل مجتمعه الخاص، وشخصية يقدمها إلى المجتمع الأوسع".
 
وتقع الحرية الجنسية في قلب هذا الإنفتاح، ولم تستطع ثلاثة عقود ونيف من الحكم الديني المتشدد في إيران قمعها، بل إن التضييق الديني لعب دوراً غير مباشر في تأجيجها كحالة اعتراض.
 
تقول صحافية على اطلاع واسع بالشأن الإيراني رفضت ذكر اسمها لموقع "الحرة" إن "لدى الإيرانيين عقدة من النظام، وكل ما يقوله هذا النظام وإن كان معقولا يتصرفون بعكسه، وكل ما يرفضه النظام يفعلونه نكاية به، فقد ضاقوا ذرعا من تنميط أساليب عيشهم".
 
على أن المجتمع الإيراني، شأنه شان كل المجتمعات ليس موحداً في سلوكه الاجتماعي. وكما في معظم المجتمعات، تتقدم الطبقة الوسطى لتكون الأكثر انفتاحاً على المفاهيم التي تتعلق بحرية الفرد.
 
والصحافية التي عاشت سنوات طويلة في إيران واتقنت اللغة الفارسية وتعرفت بعمق على المجتمع الإيراني ترى  إن "الطبقة الوسطى التي تشكل الشريحة الأكبر في المجتمع، تتعامل مع الجنس باعتباره حرية فردية ولا تقيم وزنا لمفهوم العذرية، فأغلب فتيات هذه الطبقة لديهن علاقات جنسية ومغامرات عاطفية عابرة، إضافة إلى أن نساء هذه الطبقة هن الحاكمات الفعليات لإيران، لأنهن يسيطرن على الإدارات والشركات والوظائف المتقدمة وهن موجودات في كل مكان".
 
 
المرأة الايرانية فاعلة في كل مرافق المجتمع من السياسة الى الرياضةالمرأة الايرانية فاعلة في كل مرافق المجتمع من السياسة الى الرياضة
والدولة التي تطبق الأحكام الإسلامية وفق المذهب الشيعي قوننت العلاقات الجنسية خارج الزواج عبر الزواج المؤقت أو ما يعرف بزواج "المتعة" الذي يشرعه الدستور.
 
لكن غير المتدينين لا يكترثون بهذا العقد الذي يجعل الجنس "شرعياً" أمام الله والشرطة. بل إن المعترضين على نمط الحياة المفروض على إيران ذهبوا إلى ردة فعل ضد الزواج لأنه جزء من "ثقافة" الحاكم – رجل الدين.
 
ويشير فحص إلى أن "حالة فرض الشعائر الدينية بالقوة أو الترهيب، او كما يسميها بعض الايرانيين "ادخال الناس الى الجنة بالعصا وغصبا عن ارادتهم"، دفعت بشريحة واسعة من الايرانيين الباحثين عن العلاقات الجنسية الى اللجوء الى الخفاء، فولدت ظاهرة "الحياة تحت الارض"، والتي حرصت على بناء أنماط حياتها مستفيدة في بعض الاحيان من غطاء رجال الشرطة الفاسدين إن كان بالمشاركة أو بالرشوة المالية. فانتشرت الحفلات الخاصة التي وصلت أشكال السهر فيها إلى أبعد مما يمكن تخيله في جمهورية إسلامية".
 
 
البغاء والمفاهيم المغلوطة للحرية
لكن ظواهر أخرى تنتج عن اختناق الناس اجتماعيا واقتصادياً. وهي ظواهر تشق طريقها إلى الطبقات الأقل حظاً إن كان ذلك بالتعليم أو بالعمل او بالقدرة على تحصيل القوت اليومي. البغاء ظاهرة تصل بالتوازي مع المخدرات إلى أن تشكل آفة كبيرة. ويصير التعتيم الرسمي عليها سبباً اضافياً في انتشارها.
 
تقول باحثة تلقت تخصصها الجامعي العالي في إيران، لديها دراسات عديدة في الشأن الإيراني إن "الدراسات تشير إلى الإرتفاع المستمر في أعداد ضحايا البغاء. وكشف بحث أجري في مدينة طهران أن الدعارة وبعدما كانت منتشرة بين غير المتزوجات أصبحت منتشرة بين المتزوجات، كما أن سن البدء بالبغاء انخفض ليصل إلى 15 عاما، في حين كان السن في العقدين الثامن والتاسع من القرن العشرين 30 عاما فما فوق". 
 
ايرانيات في مهرجان في طهرانايرانيات في مهرجان في طهران
وتضيء الباحثة في حديثها إلى موقع "الحرة" على تناقض كبير بين ما قامت عليه الجمهورية الاسلامية من أحلام وأفكار، وبين ما وصلت إليه. فتشرح عن "دراسة لم تنشر أعدتها وزارة الصحة الإيرانية  وجرى تسريب  نتائجها أشارت إلى شيوع الممارسة الجنسية في أوساط الشباب وبين طلاب المدارس من المرحلتين الاعدادية والثانوية، وتقول نتائج الدراسة التي اجريت في جنوب العاصمة طهران إلى أن 50 في المئة من الشباب من الفئات العمرية 15 عاما وأكثر اقروا باقامة علاقات جنسية".
 
وهي نسبة تدل إلى مشكلة حقيقية في فهم الجنس نفسه، وفي فهم معنى الحرية برمته، وهي بالطبع تدل إلى أزمة لدى النظام بعد عقود من محاولاته فرض ما يراه ملائماً من قيمه واخلاقياته على المجتمع كله.
 
يرى فحص أن "مسألة الانفتاح الجنسي كانت أهم مقومات صراع المؤسسة الحاكمة مع النظام الملكي السابق، عندما ركزت دعايتها ضد مظاهر التغريب والانحلال الخلقي التي عمل النظام الملكي على نشرها داخل المجتمع الايراني المسلم".
 
 لكن التضييق أدى إلى "الانفجار الجنسي" الذي وقع في ظل الحكومة الاسلامية، اذ تتحدث الاحصاءات الرسمية التي تعود الى عام 2007 عن أن سن الدعارة في طهران العاصمة وصل الى سن (13) بين الفتيات، وفي عام 2004 تم رصد اكثر من 50 الف بيت دعارة سري في هذه المدينة".
 
 
البحث الافتراضي عن الحرية
ليس الجنس هو ما يبحث عنه الإيرانيون. هم أكثر من ذلك، يبحثون عن الاتصال. ليس تفصيلاً ان أكثر من نصف مليون إيراني يتقدمون سنوياً إلى قرعة البطاقة الخضراء التي تجريها الولايات المتحدة الاميركية، "عدو" الايرانيين،حسب اللغة الرسمية للدولة.
 
يشير فحص إلى أنه "على الرغم من العداء السياسي الذي يبدو مستحكما بين إيران وأميركا، فان غالبية المجتمع الإيراني الذي لا تقنعه الأدلجة التي يحاول النظام اضفاءها على هذا الصراع يرى في المجتمع الاميركي نموذجا يمكن أن يلبي تطلعاته التي يرغب فيها من حرية شخصية واجتماعية وحتى سياسية.
 
إنها تلك الحرب الباردة نفسها بين "ايديولوجيا" الإتحاد السوفياتي و"برغر" أميركا والتي انتهت إلى ما يعرفه الكوكب ويعيشه.
واذا كانت إيران في صراع حضاري وثقافي مع الغرب، فهو يبدو الطرف الأقوى، الغرب يتسلل مرة أخرى وإن ليتعرف على الايراني العادي المختلف وليس ليعرفه على شطيرة الطعام الايقونية.
تقول الصحافية لموقع "الحرة" إن "الإيراني يعبد مواقع التواصل الاجتماعي كلها، لأنها بابه الوحيد على العالم. هي لم تغير نظرته إلى نفسه، وهو واثق من نفسه أصلا، لكنها أتاحت له إيصال صوته إلى العالم وتغيير نظرة العالم إليه بمعنى أنه لم يعد يقتصر على رجل دين معمم أو جندي في الحرس الثوري فقط".
 
ايرانيات يحتفين بفوز حسن روحاني برئاسة الجمهوريةايرانيات يحتفين بفوز حسن روحاني برئاسة الجمهورية
هذه المواقع لم تغير في علاقته مع الجنس الآخر، فهو لا يحتاج إلى فضاء افتراضي كي يستمتع بحريته الجنسية بل يبتدع اساليبه الخاصة ويتصرف ضمنها بحرية لا يمكن تقييدها".
 
هي الحرية التي يبحث عنها الإيرانيون بكل ما اوتوا من وسائل، حتى ولو كانت ملاعق يحفرون بها أسواراً عالية تحيط بهم. هل سيثورون من أجل حريتهم الجنسية؟
 
تشير الصحافية إلى أن هذا المطلب ليس سبباً كافيا للثورة.  هي ترى أن "المجتمع الايراني محافظ، يميل إلى الانفتاح، لذلك هو يستطيع أن يستمتع بحرياته الشخصية والجنسية منها ويمارسها دون أن يحدث ضجيجا. لكن لديه لائحة مطالب طويلة تستحق الثورة والتغيير كحرية الرأي والصحافة والتعبير ونزع فرض الحجاب بالقوة والمساواة بين الجنسين وحقوق الأقليات، وتغيير نظام الحكم وأشياء أخرى كثيرة".
 
لديهم أسباب أخرى للثورة وطرق مختلفة للتعبير عنها، كأن تحتفل الشابة بفوز الرئيس الإصلاحي حسن روحاني بالرئاسة، فقط بأن تسدل شعرها الأسود من نافذة السيارة، فيكاد لطوله يلمس الإسفلت.
 
 
جهاد بزي
سوا

قد يعجبك أيضاً

أضف تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.