الرئيسية » تقارير » إعلان «حزب الله» للحرب في سوريا: التداعيات العسكرية

إعلان «حزب الله» للحرب في سوريا: التداعيات العسكرية

في 25 مايو/أيار، قام الأمين العام لـ «حزب الله» حسن نصر الله بما يرقى إلى إعلان الحرب ضد الثورة السورية. وتعهد بقيام جماعته بدحر التمرد والإبقاء على نظام بشار الأسد، معلناً أن "سوريا هي ظهر المقاومة وسندها، والمقاومة لا تستطيع ان تقف مكتوفة الأيدي وتسمح للتكفيريين [السنة المتطرفين] بكسر عمودها الفقري". ولا يمكن لأحد أن يتهمه بعدم الوضوح؛ فلم يكن خطابه ملفوفاً بالغموض بأي حال. وعلى افتراض أنه سيمضي في تنفيذ تعهده لحماية نظام الأسد، فإن كلاً من الخطاب وتحركات «حزب الله» الكائنة بالفعل على الأرض في سوريا يمكنها أن تؤثر في تعميق المسيرة العسكرية للحرب، فضلاً عن الموقف الأمني في لبنان، والصراع العسكري للجماعة مع إسرائيل.
 
التدخل المباشر وغير المباشر
 
يمثل تورط «حزب الله» في القتال الدائر حالياً حول القُصير في محافظة حمص أكثر التحركات بروزاً في سوريا حتى الآن، لكنه لا يعدو أن يكون سوى مجرد جانب واحد من الصورة. فلقد انخرطت الجماعة في التدخل العسكري المباشر في دمشق لبعض الوقت، بزعم الدفاع عن أحد مزارات الشيعة الرئيسية وهو قبر السيدة زينب بالتعاون مع الميليشيات الشيعية المحلية من لواء أبو الفضل العباس. ووفقاً لمصادر من بين الثوار، فإن أعضاء «حزب الله» اشتركوا في هجمات النظام في محافظة درعا وفي الغوطة الشرقية في ريف دمشق — وهي مناطق تظهر فيها الحكومة قدرات هجومية مجددة. وقد لعب «حزب الله» دوراً رئيسياً أيضاً في تطوير النظام لقوات غير نظامية مؤثرة. ووفقاً للتقارير، فقد وفرت الجماعة التدريب والنصائح لجماعات الميليشيات المحلية وعناصر اللجنة الشعبية و"جيش الدفاع الوطني"، وجميعها تلعب دوراً متزايداً في الدفاع عن النظام.
 
مما لا شك فيه أن قوات «حزب الله»، حتى وحدات النخبة، ليسوا أفراداً خارقين —  فحتى مع تلقيهم الدعم من جانب سلاح الجو وقوات المدرعات والمدفعية والصواريخ التابعة للنظام، كان أداؤهم ضد الثوار السوريين دون حد الإذهال. كما أن عناصر «حزب الله» الذين يقاتلون حول القصير يدفعون ثمناً باهظاً، ويحققون تقدماً بطيئاً على الأرض لكنهم يفشلون في فرض سطوتهم على قوات الثوار. إذ لا تزال معركة السيطرة على مدينة القصير دائرة منذ عشرة أيام، فيما تستمر عمليات الجماعة في المنطقة المحيطة منذ سبعة أسابيع على الأقل. إنها ليست حرب خاطفة إذاً، كما أنها تكلّف «حزب الله» خسائر كثيرة، تشمل قادة ومقاتلين من أفضل الوحدات لديه. ومع ذلك، فقد غيّرت جهود الجماعة من توازن القوى المحلية في المنطقة. وعلى الأرجح، سوف تؤدي مساهمة «حزب الله»، بالاشتراك مع عناصر نظامية وغير نظامية تابعة للنظام، إلى هزيمة الثوار هناك في نهاية الأمر؛ ولا يسع النظام خسارة هذه المعركة، وسيعمل على توفير القوات اللازمة للفوز فيها.
 
التداعيات على سوريا
 
ربما كان الالتزام التام من جانب «حزب الله» هو التطور الوحيد الأبرز في الحرب حتى الآن، وسيكون له تأثير عميق على مسارها. فالتدخل العسكري الجوهري من جانب «حزب الله» يعطي النظام قدرات جديدة، كما يعيد قدرته على تنفيذ عمليات هجومية خطيرة. وفي القُصير، على سبيل المثال، بإمكان النظام الاستعانة بمقاتلي الجماعة كقوة مشاة محل ثقة بجانب أسلحته الثقيلة وقواته الجوية. فقوات «حزب الله» تتمتع بالتدريب والخبرة لتنفيذ الهجمات بمهارة وتصميم، وقد أبدى أفرادها، حتى الآن على الأقل، استعدادهم لقبول الخسائر الضرورية في سبيل تحقيق أهدافهم — وهو أمر غائب بدرجة معينة بين صفوف قوات النظام. كذلك، فإن انخراط الحزب في القتال يوفر للنظام أيضاً قوات مشاة جديرة بالثقة للذود عن المناطق المحورية.
 
وعلاوة على ذلك، فإن التدخل من جانب «حزب الله» يقلص من العبء الملقى على عاتق قوات النظام التي أصابها النصَب جرّاء الحرب الدائرة على مدار أكثر من عامين. ومع مرور الوقت، يمكن لهذا الأمر أن يتيح للأسد متنفساً كي يعيد نشر بعض من قواته لتنفيذ عمليات في مكان آخر في سوريا، بما في ذلك جهود إعادة الاستيلاء على مناطق معينة في قبضة الثوار.
 
ولعل الأمر الأكثر أهمية، هو أن قرار «حزب الله» قد يحرم الثوار من الفرصة لتحقيق نصر شامل. وفي الوقت الحالي، تواجه المعارضة المسلحة، التي تخوض غمار تحدي هزيمة قوات النظام بالفعل، احتمال لزوم هزيمة قوات «حزب الله» أيضاً، وهو أمر ربما يثقل الكاهل وينطوي على الكثير من المتاعب.
 
التداعيات على لبنان
 
لقد أظهر نصر الله مرة أخرى أنه خلال الأوقات العصيبة، سيضع «حزب الله» مصالحه الخاصة فوق مصلحة لبنان. إذ أن تعهده الأخير قد وضع استقرار البلاد ومصير منظمته على المحك. بيد أن الحرب السورية كانت تتسرب فعلاً إلى داخل لبنان حتى قبل خطابه، ويعود ذلك بشكل كبير إلى المشاركة المتزايدة من جانب «حزب الله» عبر الحدود. وهذا ما أدى بالثوار إلى تنفيذ هجمات بالمدفعية داخل لبنان، فضلاً عن حشد المقاتلين اللبنانيين السنة للقتال في مدينة القصير، واشتباكات بين السنة والشيعة داخل لبنان. إن مشاكل كهذه من المرجح أن تزداد سوءاً في أعقاب بيان نصر الله.
 
وتكشف حملة «حزب الله» في سوريا أيضاً عن بعض الأوهام المتواجدة منذ فترة طويلة بشأن الجماعة في لبنان والخارج. أولها، أن صورة الجماعة كزعيمة "المقاومة" ضد إسرائيل قد اهتزت. فعلى الرغم من أن نصر الله حاول أن يصبغ قراره بصبغة النضال الأوسع ضد إسرائيل والولايات المتحدة، ظهر الأثر الواضح لتحركات «حزب الله» في قتل السنة الذي يقاومون حكومة بلادهم. وثانيها، أن "القوات المسلحة اللبنانية" بدت كحامية لظهير «حزب الله»، حيث من المتوقع أن يبقي افرادها الطرق مفتوحة أثناء نقل الجماعة للمقاتلين إلى داخل سوريا في أي وقت شاؤوا. وثالثها، أن القتال حول مدينة القصير تضر باسطورة «حزب الله» القائلة بأنه لا يُقهر والتي لطالما حافظ عليها الحزب بحرص بالغ. وفي حين تتحدث وسائل إعلامه عن الانتصارات في سوريا، إلا أنه من الصعب تجاهل النعوش العديدة للأفراد التابعين لـ «حزب الله» ممن يتم إعادتهم مجدداً إلى وطنهم. وسوف يستمر أصدقاء الجماعة وخصومها في مراقبة أدائها في سوريا وثمن دورها هناك.
 
التداعيات على إسرائيل
 
بالنسبة لإسرائيل، يمكن أن ينطوي تحول «حزب الله» إلى سوريا على بعض النتائج الإيجابية. ووفقاً لما ذكرنا أعلاه، فإن الجماعة تتكبد بالفعل خسائر كبيرة، مع سقوط عشرات القتلى من صفوفها في ساحات المعارك وسقوط الجرحى بعدد أكبر. ومع تعمّق مشاركة «حزب الله» في القتال، تكون الخسائر مرشحة للزيادة فيما بعد، بما في ذلك الخسائر في صفوف كبار القادة والأشخاص ذوي الخبرة الكبيرة. وهذا ما سيُضعف «حزب الله»، على الأقل في المدى القصير.
 
كذلك، فإن قرار نصر الله من شأنه أيضاً أن يصرف اهتمام «حزب الله» عن الصراع مع إسرائيل. ومع انجذاب قوات الجماعة ومواردها إلى القتال في سوريا، تتقلص قدرتها واستعدادها لمواجهة إسرائيل. فالحزب ليس في وضع يتيح له القتال على جبهتين.
 
التداعيات الأوسع نطاقاً
 
إن دخول «حزب الله»علناً في الحرب يضيف حتى هذه اللحظة سجلاً آخر للحرب — حيث يشمل التوسع التدريجي للمقاتلين في سوريا مقاتلين من عدة بلدان وفصائل. فالمسلحون العراقيون يشاركون على كلا الجانبين، بعضهم يساند الثوار والآخر يقال إنه يلعب دوراً أساسياً في بعض عمليات النظام. كما انخرط السنة من لبنان في القتال ضد النظام في القُصير، وتفيد مصادر الثوار أيضاً بتواجد عناصر إيرانية مقاتلة في عدة معارك على الرغم من الإنكار من جانب طهران. وفي الواقع، تعمل هذه الحرب على إيجاد "سوق حرة" لأطراف فاعلة خارجية وجهات فاعلة من غير الدول ممن لها مصلحة في النتيجة والموارد اللازمة، ولن يُسهم هؤلاء المشاركين الجدد إلا في جانب تنشيط الصراع فحسب.
 
إن تعهد «حزب الله» على وجه الخصوص سوف يغير من المعادلة في ساحات المعارك التي تشارك فيها الجماعة أينما كانت، حيث تمنح النظام قدرات هجومية ودفاعية متجددة وموارد أكبر. كما أن هذا التعهد سوف يرفع أيضاً من المعنويات بين قوات ومؤيدي النظام، بما يشجع الأسد على البقاء في مساره والقضاء على الثوار. ونتيجة لذلك، سوف يكون النظام أقل ميلاً إلى التفاوض بشأن انتقال حقيقي للسلطة، الأمر الذي يقلّص من آمال أولئك الذي يضغطون من أجل التوصل إلى حل دبلوماسي. فالنظام الذي لا يُبدي أي ميل نحو التفاوض عند خسارته للحرب، سوف يسعى بالكاد إلى تسوية فيما إذا رأى أن ثمة تحسن في الأفق.
 
ويتناقض التحرك الجريء من جانب «حزب الله» بشكل تام مع الاستجابة الواهنة من جانب المساندين للمعارضة السورية. وبدون ترقية قدرات الثوار بشكل جوهري — إما من مواردهم الخاصة، أو المساعدة الخارجية، أو كلاهما معاً– قد يكون إعلان نصر الله حاسماً في نتيجة هذه الحرب.
 
 
جيفري وايت
جيفري وايت هو زميل للشؤون الدفاعية في معهد واشنطن وضابط كبير سابق لشؤون الاستخبارات الدفاعية.

قد يعجبك أيضاً

أضف تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.