الرئيسية » أرشيف - فضاء واسع » حرام على إيران.. حلال على الصهاينة؟

حرام على إيران.. حلال على الصهاينة؟

 

إيران دولة جوار وإسرائيل كيان عدو لنا مغتصب للأرض قاتل للبشر، هل في ذلك أدنى خروج على قواعد التاريخ والجغرافيا؟
 
الشاهد أننا بتنا نعيش عصرا من إحراق المسلمات والبديهيات والعبث في أصول الأشياء وعقول البشر باختراع أوهام والتعامل معها باعتبارها حقائق يقينية.
 
ومن هذه الأوهام تلك المناحة المشتعلة بشأن السياحة الإيرانية إلى مصر، ومحاولات تصوير الأمر على أنه غزو فارسي شيعي يريد استعمار مصر سياسيا ومذهبيا، وكأننا بصدد اكتشاف دولة جديدة على الخارطة اسمها إيران، لم يكن بيننا وبينها علاقات سياسية وثقافية في السابق، حتى إنك تتخيل من فرط حالة الصراخ الهستيري من خطر المد الشيعي أن أساطيل الفرس تقف في عرض البحر في طريقها لاجتياحنا.
 
لتهنأ إسرائيل إذن بهؤلاء الذين يحولون دفة العداء من الصهاينة المحتلين القتلة إلى مجموعات السياح الإيرانيين المسلمين القادمين إلى مصر.. وليفرح الصهاينة بأن الذين صرحوا للإذاعة الإسرائيلية فى أواخر 2011 بأنهم يرحبون بسياح المستعمرين الصهاينة يقودون الآن معركة المقاومة ضد سياح قادمين من بلد مسلم وإن كان على مذهب آخر.
 
ولعلك تذكر تلك الضجة التي أثيرت في ديسمبر 2011 على خلفية حوار أجراه المتحدث باسم حزب النور السلفي في ذلك الوقت مع الإذاعة العبرية، حيث قال فيه كلاما لينا عن احترام المعاهدات والترحيب بكل سياح العالم في مصر بمن فيهم السياح الإسرائيليون.
 
وهذه الليونة في القول تقابلها شراسة وعدائية صريحة فيما يخص المواقف من استقبال السياح الإيرانيين الآن، على الرغم من أن التاريخ لا يذكر أن طهران حركت جيوشها لمحاربة مصر وابتلاع فلسطين واستعمار القدس وإهانة المقدسات وقتل عشرات الآلاف من الفلسطينيين والمصريين والعرب فى خمس حروب شاملة، تخللتها مغامرات عسكرية لجيش الاحتلال على فترات متقطعة.
 
ومن بؤس الدنيا علينا أن نضطر لمخاطبة هؤلاء الرافضين لتطبيع العلاقات مع طهران، بينما لا يمانعون في التطبيع مع تل أبيب بالقول: "اعتبرهم صهاينة يا أخي"، علما بأنه لم يثبت أن الإيرانيين يستغلون السياحة في إغراق البلاد بالمخدرات والمسرطنات.
 
ويثير الدهشة أن المذعورين من إقامة علاقات سياسية واقتصادية طبيعية مع إيران بزعم الخوف على الوطن العربي يغضون الطرف عن أن طهران ترتبط بعلاقات تجارية حجمها أكثر من 30 مليار دولار سنويا مع دول الخليج العربي وحدها، ولم نسمع أن شعوب هذه الدول طالبت بقطع العلاقات بحجة وقف الزحف الشيعي الفارسي، كما لم يصل إلى علمنا أن تشييعا حدث في مجتمعات الخليج المرتبطة بعلاقات مع الإيرانيين.
 
والأجدر بهؤلاء المصابين بفوبيا طهران أن يوفروا جزءا من طاقة الحناجر والأدمغة للتفكير في وسائل تستعيد الحقوق العربية المغتصبة على يد الكيان الصهيوني الذي تتساقط في حجره هدايا المفزوعين العرب كل يوم، من معاداة حماس ــ رمز المقاومة ــ إلى معاداة إيران الإسلامية.
 
غير أن الغريب في الأمر أن إعلان الجهاد ضد السياحة الإيرانية يتجاوز أولئك المسكونين بنوازع الخصومة المذهبية مع «الفرس الرافضة» ليصل إلى بعض أصوات صدعتنا بالكلام الكبير عن الدولة المدنية، لا لشيء إلا لأنها تجد في الموضوع ثغرة توجه من خلالها حرابها إلى رئيس الجمهورية، دون أن تستشعر تناقضا بين خطابها الرافض للتمييز الديني والمذهبي وبين مواقفها التي تكرس الطائفية والمذهبية عمليا.
 
وما هذا بغريب على أشخاص أهانوا ثورتهم وقيمها وشهداءها من باب المكايدة والمناكفة وأحلام إسقاط رئيس جاء بالانتخاب.
 
وائل قنديل / كاتب صحفي ومدير تحرير جريدة الشروق المصرية

قد يعجبك أيضاً

أضف تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.