نظام المهداوي يكتب: قصتي مع المخرج السوري مصطفى العقاد

وطن – التفت المخرج السوري مصطفى العقاد، صاحب فيلمي “الرسالة” و”عمر المختار”، إلى صحيفة (وطن) التي أصدرتها في أمريكا مبكرًا.

كان معجبًا بها لأنها جريئة في نقد النظام السعودي وبقية الأنظمة العربية، وكان رحمه الله يكن كرهًا شديدًا لعائلة آل سعود، الذين حظروا فيلمه “الرسالة” رغم أن العديد من الأمريكيين اعتنقوا الإسلام بعد مشاهدته.

جمعتنا حوارات كثيرة حول وضع الوطن العربي. كان الرجل مشغولًا كثيرًا بإيجاد ممول لفيلمه الذي ظل يحلم به “صلاح الدين الأيوبي”، وكان يتكلم بأسى المحبط من كل الجهات والدول التي رفضت تمويل الفيلم.

وكان يقول إن كل زعيم عربي اتصلت به أو زرته، عرض أن يعطيني الميزانية التي أريدها لو جسدت فيلمًا عنه.

كان “العقاد” يريد إبراز صورا أخرى عن حياة صلاح الدين وتحريره للقدس لم يتطرق إليها أحد من قبله، وكان متحمسًا بأن فيلمه سيزيل كل لبس لدى الغرب فيما يتعلق بقضية فلسطين.

حين ظهر تنظيم “داعش” التقيت به، وبدأت حديثي بوصفهم بالإرهابيين. لم أتوقع ردة فعله الغاضبة برفضه تمامًا هذه التسمية. وقال: “هم متطرفون، وكل دين لديه متطرفون.“

وصار يتحدث عن متطرفي الدين المسيحي واليهودي واحتد النقاش، وكانت وجهة نظره أنها لعبة أمريكا والصهيونية الاستخباراتية، وأن هذه التنظيمات مخترقة، حتى يصل الأمر بنا أن نكون دائمًا متهمين بالدفاع عن إسلامنا والتشكيك فيه وإظهار حسن نوايانا، والشعور بالذنب لكي نتنازل شيئًا فشيئًا ثم نفقد أخلاقنا وقيمنا وديننا.

بعد أسبوع من حديثي معه، وبعد أن أبلغني “العقاد” بأنه ذاهب إلى الأردن لزيارة ابنته، حيث ممنوع عليه زيارة بلده سوريا، كنت في عملي في قناة “الجزيرة” حين جاء الخبر عبر وكالات الأنباء: “مقتل المخرج العالمي مصطفى العقاد في انفجار إرهابي بالأردن.“

قلت: “سبحان الله.. لم يرد أن يصفهم بالإرهابيين، لكنه قتل بتفجيراتهم.”

كنت أدرك عبقرية مصطفى العقاد، المخرج صاحب الثقافة الواسعة والعروبي من رأسه حتى أخمص قدميه والمعتز بإسلامه، أفضل من كل الشيوخ الذين أفتوا وقتها بتحريم فيلمه “الرسالة” قبل أن يتخلوا متأخرين بأوامر السلطات بعد رحيله عن هذه الفتوى.

تعلمت من “العقاد” أن أكبر لعبة تنطلي على العرب والمسلمين هي لعبة إلصاق الإرهاب بالإسلام وكل إسلامي. وهي تهمة أراحت الأنظمة العربية من مساءلات حول حقوق الإنسان لديها، لأن كل معارض سياسي صار يُوصم بالإرهابي.

تكفي أن تطلق لحيتك، فأنت إرهابي. ويكفي أن تعتقد أن الرجوع لتعاليم الدين هو الحل للمشاكل المجتمعية حتى تصبح إرهابيًا، وإن فكرت بالعودة إلى الخلافة، فأنت متخلف ومن عصور انقرضت.

أعيش في أمريكا وأعرف الكثير من الجماعات المسيحية المسلحة والمتطرفة دينيًا والمرخصة، وينطبق على بعضها ما ينطبق على منظمات مسلمة، لكنها لا تُصنف بالإرهاب.

رحم الله “العقاد”، أتذكره وأنا أرى الكثيرين يُروجون بقصد أو غير قصد للدعاية الصهيونية والإمبريالية، ويساعدون على وصف الإسلام والإسلاميين بالإرهاب من باب التحضر والعصرنة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى