وطن- “لماذا يريد محمد السادس الاقتراب من الجزائر الآن؟” سؤال أجاب عنه الصحفي الإسباني “خوسيه ماريا بالستر إسكيفياس” في تحليله لخطاب عيد العرش الذي ألقاه العاهل المغربي قبل أيام.
وعبر صحيفة “eldebate” الإسبانية العريقة (تأسست عام 1910)، أوضح إسكيفاس أن “الهجمات الجزائرية المضادة على إنجازات المغرب الجيوستراتيجية- الصحراء الغربية وإسرائيل وغيرها – بدأت تؤتي ثمارها”.
في خطاب عيد العرش، السبت، استغل محمد السادس للسنة الثالثة على التوالي خطابه التقليدي على مسمع ومرأى المغاربة والعالم جميعاً، للمطالبة بتطبيع العلاقات مع الجزائر.
لماذا يُطالب محمد السادس بالمصالحة مع الجزائر؟
يرصد الصحفي الإسباني أن هذه بالفعل، المرة الثالثة التي يدعو عاهل المغرب لمصالحة مع جارته الشرقية، حيث افتتح الثلاثية في يوليو 2021، قبل ثلاثة أسابيع من انقطاع العلاقات الدبلوماسية، والتي تسارعت، من بين أسباب أخرى، بزيارة يائير لابيد إلى الرباط، في ذلك الوقت.
يذكر أن وزير الخارجية الإسرائيلي، استغل وجوده هناك (11 آب 2021) لافتتاح البعثة الدبلوماسية الإسرائيلية في الرباط وترسيخ مسار التطبيع الذي لم يكن قد مرّ عليه عام (10 ديسمبر 2020)، ناهيك عن موائمة موثق تل أبيب مع المواقف المغربية في نزاع الصحراء الغربية وهو ما تجسد بشكل قاطع في الرسالة التي أرسلها بنيامين نتنياهو قبل ذلك في 17 يوليو الماضي، إلى محمد السادس.
خلال تلك الفترة حيث كانت المملكة خارجة لتوها مع تطبيع رسمي للعلاقات مع إسرائيل، احتلت المغرب موقعًا مريحًا ليس فقط بفضل التقارب مع إسرائيل – فقد تم فتح السفارات المتبادل في نهاية عام 2020 وتم الاحتفال بعقد أسلحة مثير – ولكن أيضًا بسبب تقوية علاقاتها مع الولايات المتحدة التي اعترفت، بتدخل من دونالد ترامب، أيضًا بالسيادة المغربية على الصحراء الغربية وما يترتب على ذلك من عواقب أعمق من اللفتة الإسرائيلية.
ولم يتبق للمغرب، من أجل بلوغ ذروتها تفوقها الديبلوماسي، أن تفعل إسبانيا الشيء نفسه، وهو بالفعل ماحدث حين استوفى بيدرو سانشيز المطالبة المغربية في ربيع عام 2022.
الجزائر تردّ على التطبيع المغربي
إن الخط الدبلوماسي الاستثنائي للرباط لا يمكن أن يمر دون إجابة من الجزائر، يؤكد خوسيه ماريا بالستر إسكيفياس في تحليله.
حيث أوضح أنه تحت قيادة عبد المجيد تبون – الذي اختار التوجه نحو سياسية خارجية قوية بعد فترة الوَهَن مع عبد العزيز بوتفليقة في السنوات الأخيرة – تصدت القوة العظمى الأخرى في المنطقة المغاربية للمغرب في السنوات الثلاث الماضية.
وقد أثبت واقع الأحداث، فعالية تلك السياسة الجزائرية في التعامل مع التفوق الذي أحرزته الديبلوماسية المغربية.
في أولى خطواته، عزّز تبّون تحالفه القديم مع روسيا، والذي بدأ في أيام الاتحاد السوفيتي واحتفل به بزيارة دولة قبل شهر ونصف، وقام برحلات إلى دول على خلاف واضح مع الغرب الديمقراطي مثل الصين وتركيا.
بالإضافة إلى ذلك، قرّر تبون توجيه دفته السياسية صوب قطر، وهي منافسة لبقية دول الخليج العربي- الحليفة قوية للولايات المتحدة وإسرائيل والمغرب- ومعها وقع في كل مرحلة اتفاقيات تعاون استراتيجي واقتصادي.
لكن هذا التطرف في المواقف على المستوى الدبلوماسي البحت، حسب الصحفي الإسباني، ترافق مع حركات خفية للغاية أبدتها الجزائر العاصمة عندما حاولت الاستفادة من سلاح الطاقة.
ودون أن تذهب بعيداً، بدأت الجزائر من حيث انتهت آخر مرّة. حيث قامت بتوجيه ضربة (اقتصادية) لإسبانيا – لدورها في مسألة الصحراء الغربية – أما نصيب الأسد (من أزمة الطاقة التي ضربت أوروبا) فقد أخذته إيطاليا بقيادة جيورجيا ميلوني، الدولة الأوروبية التي استفادت في الآونة الأخيرة من الكرم الجزائري.
نتائج الديبلوماسية الجزائرية بدأت في الظهور
كتب بينوا دلماس، الخبير المتخصص في شؤون المنطقة المغاربية، الأسبوع الماضي في لوبوان، “بينما أصبحت السياسة الواقعية مرة أخرى ضرورة للبلدان المحرومة من المواد الخام والمعتمدة على حسن نية مورد أو آخر، بالنسبة للجزائر العاصمة كانت الرغبة في أن تكون ضمن الدول المحورية في تلك الأزمة (الطاقة) موجودة، لتكو في موقع متقدم في القارة الأوروبية”.
وبالفعل، النتائج بدأت في الظهور، كما يؤكد الصحفي الإسباني. حيث أنه على الرغم من الصعوبات الاقتصادية الهيكلية لاقتصادها، يمكن للجزائر أن تتباهى بميزان تجاري سليم، مع فائض قدره 3.5 مليار دولار بين يناير وأبريل 2023، حيث تمثل الهيدروكربونات 93٪ من الصادرات.
وفي الرباط، صناع القرار على دراية بكل من هذه المتغيّرات و هم على بيّنة بضرورة استعادة الأرض الدبلوماسية المفقودة التي استحوذت عليها الجزائر العاصمة.