ما هو التفسير العلمي لهذه الزلازل المتكررة أم أن نظريات المؤامرة صحيحة؟

وطن– كان للزلزال المدمّر الذي ضرب مدينة “كهرمان مرعش” على غرار مناطق واسعة في تركيا وسوريا في السادس من الشهر الجاري، وخلّف وراءه آلاف القتلى ومآسيَ إنسانية ودماراً كبيراً، دورٌ كبير في إذكاء نظريات المؤامرة رغم أن العلم قال كلمته منذ عقود.

أضواء زرقاء لحظة حدوث زلازل تركيا وسوريا

تم تداول صور وفيديوهات كثيرة تدعم نظرية المؤامرة، وتتهم الولايات المتحدة أو إسرائيل أو حتى دولاً أوروبية وروسيا، بالوقوف وراء الزلزال المدمّر الذي ضرب سوريا وتركيا.

ووجد بعضهم في بيانات سفارات أوروبية صدرت قبيل وقوع الزلزال في تركيا، طلبت فيها من رعاياها مغادرة هذا البلد وتوخّي الحيطة والحذر، مادةً دسمة لتأكيد صحة هذه المزاعم.

علامة أخرى تعزز ما سبق ذكره، شاهدها كثيرون على الأرجح منذ حدوث الزلزال، وهي تلك الأضواء الزرقاء الساطعة في سماء المدن التركية التي ضربها الزلزال، ناهيك بالأصوات الغريبة التي تتزامن مع بعض الهزات الارتدادية.

أثارت تلك الأضواء والأصوات حيرة المشاهدين وتضاربت الآراء والتفسيرات حولها، بين كونها مجرد عاصفة رعدية، خاصة أن المنطقة كانت تعيش منخفضاً جوياً وعاصفة ثلجية، أو أنها انفجارات في خطوط الكهرباء.

أسلحة يمكنها صنع الزلازل

في السياق أيضاً، تداول ناشطون مقطع فيديو قديماً لمدير وكالة الفضاء التركية سردار حسين، يتحدث فيه عن قدرة بعض الأسلحة التي تُجرى عليها الأبحاث على إحداث زلازل بقوة كبيرة.

كل ما سبق من طروحات متعددة، خلقت نوعاً من السردية المُحكمة غير القابلة للنقض ظاهرياً مفادها بأن “قوة ما خارقة من صنع الإنسان”، هي من يقف وراء ما حدث في تركيا وتضررت منه سوريا بشكل كبير.

فزعم بعضهم أن الزلزال مفتعل بواسطة البرنامج التابع لحلف شمال الأطلسي (ناتو) المعروف بـ”برنامج الشفق القطبي النشط العالي التردد” (High-frequency Active Auroral Research Program) المعروف اختصاراً بـ”هارب” (H.A.A.R.P)، وأن الأضواء الساطعة هي دليل ذلك.

وزاد من سطوع تلك الادعاءات على سطح السوشيال ميديا المليء بالآراء والمعتقدات الزائفة وغير الدقيقة، الدعاية الروسية ضد الولايات المتحدة الأمريكية خاصة والغرب عامة.

حيث شارك رواد مواقع التواصل الاجتماعي في المنطقة العربية مؤخراً، شهادات لعلماء روس متخصصين في الجيولوجيا وعلماء الزلازل أكدوا قدرة مشروع “هارب” على صنع الزلازل والتحكم في المناخ حول العالم.

ويبقى السؤال قائماً: ما تفسير العلم لزلزال تركيا وسوريا؟

متخصصون في دراسة الزلزال لفت انتباههم النظريات المستجدة حول إمكانية حدوث زلزال تركيا وسوريا عبر تدخل بشري.

ذكر بعضهم أن الأضواء الساطعة التي ظهرت في أثناء الزلزال كان مصدرها الأرض وليس السماء، ومن ثم فإن افتراض أن الضوء مجرد برق مصاحب للعاصفة الثلجية افتراض غير صحيح، حيث إن مصدر الضوء هو الأرض ثم انعكس على غيوم السماء، ويظهر بوضوح أن اتجاه الضوء الساطع من أسفل إلى أعلى وليس العكس.

أما افتراض أن هذه الأضواء سببها هو برنامج “هارب”، فهي فرضية لا يوجد عليها أي دليل علمي، إذ إنه برنامج يستخدم جهاز إرسال عالي الطاقة وعالي التردد لدراسة خصائص وسلوك الأيونوسفير، ولا يمكن أن يكون مسؤولاً عن الزلزال في تركيا أو في أي مكان، لأنه لا يملك مثل تلك القدرات، بحسب ما ذكره موقع التحقق من المعلومات التابع لوكالة أنباء رويترز.

ووفقاً لقسم الأسئلة الشائعة بموقع هارب، فإن البرنامج لا يمكنه التحكم في الطقس أو التلاعب به، وقالت جيسيكا ماثيوز، مديرة برنامج هارب في جامعة “ألاسكا فيربانكس” (University of Alaska Fairbanks) لوكالة “رويترز”، إن “معدات في موقع هارب لا يمكن أن تخلق أو تضخم الكوارث الطبيعية”.

فهو جهاز إرسال لاسلكي أكبر من معظم أجهزة الإرسال اللاسلكية الأخرى، وفقاً لديفيد هايسل أستاذ الهندسة في “جامعة كورنيل” (Cornell University)، وليس من الممكن نظرياً لجهاز “هارب أن يخلق زلازل”.

اللافت في هذا السياق، من الطرح أيضاً أن اقتران الأضواء الساطعة في السماء مع حدوث الزلازل في الأرض ليس بالأمر الجديد، أي إنه لم يحدث فقط خلال الزلزال المدمّر الذي ضرب جنوبي تركيا وشمال غربي سوريا.

ففي عام 2014، قام فريدمان فرويند، أستاذ الفيزياء المساعد في جامعة “ولاية سان خوسيه” (San Jose State University)، والباحث الأول في مركز أبحاث “أميس” (Ames Research Center) التابع لوكالة الفضاء الأميركة “ناسا” (NASA)، بنشر نتائج بحثية توصل إليها هو وزملاؤه في دورية “سيزمولوجيكال ريسيرتش ليترز” (Seismological Research Letters)، تفيد بأنه عند تحليل 65 حادثاً ضوئياً للزلازل، افترض فرويند وزملاؤه أنها ناتجة عن الشحنات الكهربائية التي يتم تنشيطها في أنواع معينة من الصخور في أثناء النشاط الزلزالي.

ويذكر المقال أن صخور البازلت والغابرو، على سبيل المثال، تحتوي على شوائب صغيرة في بلوراتها يمكن أن تطلق شحنات كهربائية في الهواء، وقد قدّر العلماء أن الظروف التي أدت لنشوء الأضواء موجودة في أقل من 0.5% فقط من الزلازل في جميع أنحاء العالم.

وهو ما يفسّر سبب ندرة هذه الزلازل نسبياً، كما أشاروا إلى أن أضواء الزلزال تظهر بشكل أكثر شيوعاً قبل الزلازل أو في أثنائها، وليس بعدها.

وبالعودة إلى برنامج “هارب” الأمريكي، فقد أكد علماء أمريكيين وحول العالم مراراً أن المشروع متصل بالأساس بدراسة طبقات الغلاف الجوي وتأثيراتها على عمليات الاتصالات، خاصة بالأقمار الاصطناعية، إلى جانب دراسة تأثيرات الانفجارات الشمسية على إشارات الراديو والموجات المختلفة.

وأكد العلماء أنه لا يوجد دليل علمي واحد يربط بين التلاعب بالطقس وطبقات الجو بحدوث زلازل على الأرض.

حتى أن خبير الزلازل الهولندي “فرانك هوغربيتس” الذي توقع حدوث الزلزال، نفى وجود أي علاقة بين التغيرات في الغلاف الجوي ومناطق وقوع الزلازل.

كيف تحدث الزلازل؟.. “تفسير علمي”

يقول الدكتور بدوي رهبان، مدير قسم الحد من الكوارث الطبيعية في اليونسكو وخبير في الزلازل، في لقاء مع قناة “دوتشه فيله” الألمانية في نسختها العربية: “نحن نعرف أن تركيا معرضة للزلازل دائماً بسبب الفوالق التكتونية الموجودة سواء فالق الأناضول الشمالي أو فالق الأناضول الشرقي”.

مشيراً إلى أنه “في بعض الحالات وفي بعض الدول قد تحدث أنشطة إنسانية على الأرض لكنها أبداً لا تكون السبب الرئيسي للزلزال”.

ولفت الباحث اللبناني إلى أن الأنشطة البشرية قد تتسبب أحياناً في أنواع من الهزات الأرضية، لكنها تكون ضئيلة للغاية على مقياس ريختر ولا تسبب أضراراً هائلة مثل التي تُحدِثُها الزلازل الطبيعية الناتجة عن احتكاك أو تحرك الصفائح التكتونية.

ويؤكد العالم اللبناني أن “أسباب وقوع الزلازل معروفة علمياً ومحددة”، وأشار إلى أن “سبب الزلزال الأخير هو تحركات الفوالق التكتونية الموجودة في تركيا وسوريا، وهذا أمر معروف علمياً أن الفوالق أو الصدوع الجيولوجية تولد بسبب تصادم الصفائح التكتونية، هذه الفوالق هي التي تسبب الزلازل في أي مكان في العالم”.

وأضاف رهبان أن “الحديث عن تأثير السدود أو تسرب المياه أو وجود أنشطة إنسانية في منطقة معينة هو أمر يمكن وضعه في خانة التكهنات .. فالقوة الهائلة التي أحدثت الزلزال (7.8 و 7.5 على مقياس ريختر) لا يمكن أن نشرحها ونحللها عبر هذه الخلاصات السريعة غير المدروسة”.

زلزال تركيا وسوريا المدمّر “قضاء الله وقدره”.

اليوم نحن على بُعد ما يزيد عن أسبوعين من الزلزال المدمر الذي ضرب جنوبي تركيا وشمال غربي سوريا، وإلى اللحظة ما زالت تداعياته المباشرة وغير المباشرة تتصدر المشهد الإعلامي وتثير الجدل لدى الرأي العام حول العالم، بتساؤلات كثيرة لم تنقطع حول أسبابه ومن يقف وراءه.

بأكثر من 47 ألف قتيل وأضعافهم من الجرحى، ناهيك عن المفقودين وملايين المشردين دون مأوى في سوريا وتركيا، اعتبر كثيرون أن زلزال تركيا وسوريا هو “قضاء الله وقدره”.

وعلق نشطاء بأن “الزلزال أو أي طارئ في حياة الإنسان تركيا كان أو سوريا يندرج ضمن تقدير الله تعالى للأشياء منذ الأزل، وعلمه سبحانه أنها ستقع في أوقات معلومة عنده، وعلى صفات مخصوصة وكتابته سبحانه لذلك ومشيئته لها ووقوعها على حسب ما قدرها جلّ وعلا و خلقه لها”.

وفي الأثناء تُواصل تركيا وسوريا جهود الإغاثة لملايين المنكوبين من الزلزال المدمر، على غرار الهزات الجديدة التي لم تُفارق المنطقة منذ السادس من الشهر الجاري.

وكان آخرها الذي ضرب مدينة كهرمان مرعش مساء أمس، الاثنين، بقوة 6.8 درجات على مقياس ريختر.

قد يهمك أيضاً

تعليقات

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

تابعنا

الأحدث