الرئيسية » تقارير » تسريبات خطيرة عن حرب استخبارات سرية بين المغرب وفرنسا.. من يقف وراءها؟

تسريبات خطيرة عن حرب استخبارات سرية بين المغرب وفرنسا.. من يقف وراءها؟

وطن – كشفت آلاف الوثائق المغربية المُسربة من قبل “مصدر مجهول” عن وجود “حرب استخبارات سرية بين المغرب وفرنسا”، انطلقت قبل عقد من الزمن تقريبا وما زالت مُتواصلة إلى اليوم بعيدا عن الأضواء والتقارير الإعلامية التقليدية.

موقع “بوليتكس توداي” الأمريكي تحدث في تقرير مُطول رصدته “وطن” استنادا إلى تلك الوثائق عما وصفه بـ “حقيقة حرب الاستخبارات السرية بين المغرب وفرنسا”، مشيرا إلى أن تلك الحرب تدور فصولها بالفعل وتتوالى وقائعها منذ أكثر من عقد بعيدًا عن الأنظار ووسائل الإعلام.

تسريب آلاف الوثائق تابعة للمخابرات ووزارة الخارجية في المغرب

وتساءل الموقع عمن يقف وراء تسريب آلاف الوثائق المغربية السرية التي كُشف عنها النقاب من قِبل مصدر مجهول منذ 2014. مشيرا إلى أن هذه التسريبات، التي وقع تسليط الضوء على العديد منها في الصحافة الدولية مؤخرا، تتزامن مع تهم الفساد التي وجهها نواب حاليون وسابقون في البرلمان الأوروبي إلى المغرب.

وتطرق الموقع إلى ما وصفها بـ “الحادثة الغامضة” وقعت في عام 2014؛ حيث نشر “مُخترق Hacker” ادّعى أن اسمه “كريس كولمان” آلاف المستندات على منصة تويتر وباقي منصات التواصل الإجتماعي تم تصنيف العديد منها ما بين “سرية” و”سرية للغاية”.

تهم فساد وجهها نواب حاليون وسابقون في البرلمان الأوروبي إلى المغرب

كشفت تلك الوثائق التي تضمنت آلاف المراسلات ورسائل البريد الإلكتروني والأرشيفات من جميع الأنواع النقاب عن تفاصيل كثيرة تخص الطريقة التي عملت بها وكالة المخابرات الخارجية المغربية ووزارة الشؤون الخارجية المغربية.

وفي هذا السياق، يقول تقرير “بوليتكس توداي” أن تلك الوثائق تناولت كل شيء وكل شخص إلى جانب دراسات ومراسلات وطلبات للحصول على تعليمات، والأهم أسماء المتعاونين المنتظمين في وكالة المخابرات الخارجية المغربية.

إلا أنها لم تحتوي على معلومات تخص المتعاونين مع جهاز الشرطة المعتادين، بل احتوت على أعضاء بارزين في المجتمع، مغاربة وأجانب، من الصحفيين والسياسيين والخبراء وكبار المسؤولين وأعضاء في المجتمع المدني.

علاقة التسريبات مع قضية الفساد الموجهة للمغرب في البرلمان الأوروبي

اللافت في هذه المستندات أنها تطرقت إلى أسماء على علاقة بقضية “ماروك غيت” مثل بيير أنطونيو بانزيري، النائب الإيطالي السابق، ومساعده فرانشيسكو جيورجي، وكلاهما مسجونان حاليًا في بروكسل بسبب قضية “قطر غايت” و”ماروك غايت”.

جمعية مكافحة الإفلات من العقاب، وهي الجمعية التي أنشأها بانزيري في بروكسل، والتي أصبحت الآن في قلب الفضيحة، والتي تم الكشف عنها باعتبارها من بنات أفكار “منور عالم”، السفير المغربي الراحل لدى الاتحاد الأوروبي، ظهرت هي الأخرى في تقرير سري أرسل إلى وزارة الخارجية المغربية عام 2012، خلال هذه التسريبات.

عام 2014، مع نشر تلك الوثائق، اتهم عدد من الأشخاص كريس كولمان بكونه مُزوِرًا وسخروا من مذكراته التي أطلق عليها اسم “تسريبات المغرب” أو “+”(Marocleaks) قبل أن يتراجعوا عن موقفهم بسبب ما جاء فيها من معطيات حساسة.

وفي الأثناء، التزمت الحكومة المغربية الصمت حيال هذه التسريبات الهائلة ولم تسعَ للتأكد من مدى صحتها، في حين اتهمت بعض وسائل الإعلام الجزائر بالوقوف وراءها.

من “كريس كولمان” الذي يقف وراء “ماروكليكس”؟

تباينت المعطيات حول هوية “كريس كولمان” الحقيقية، الرجل الذي يقف وراء هذه العبقرية الحاسوبية الذي تمكن من ضخ ما يقرب من خمسة غيغابايت من البيانات من خوادم جهاز المخابرات الخارجية المغربية على الويب.

البعض على مواقع التواصل الإجتماعي ادّعى أنه كان بالفعل “قرصانًا”، بينما زعم آخرون أنه مسؤول سابق رفيع المستوى لدى جهاز المخابرات المغربي يسعى لتشويه سمعة المؤسسة الاستخباراتية، التي يرأسها منذ 2005 صديق الملك محمد السادس محمد ياسين المنصوري.

بالنسبة لـ بوليتكس توداي، يبدو أن الشخص الذي اختار اسم “كريس كولمان” ـ اسم لاعب كرة القدم الدولي الويلزي السابق ـ من مشجعي كرة القدم، وأن الجزائر التي يكرهها بعض المغاربة ليست متورطة إطلاقا في هذه القضية كما حاول البعض توجيه أصابع الاتهام لها.

ورجح ذات التقرير أن وكالة الاستخبارات الخارجية الفرنسية هي من تقف وراء قضية “كريس كولمان” الذي كشف عن نظام التجسس وأساليب اشتغال الدبلوماسية المغربية. وأكدت، أسابيع من التحري والمراجعة أن حربًا سرية وغير ودية للغاية تدور رحاها منذ عقد، وربما أكثر، بين وكالتي الاستخبارات الفرنسية والمغربية.

البداية.. فرنسا “تُهين” الحموشي والمغرب “يكشف هوية عميل مخابرات فرنسي

يقول تقرير الموقع الأمريكي أنّ كل شيء بدأ في 24 أيار/ مايو 2014 بمقال ظهر على الموقع المغربي “لو 360” بعنوان “استدعاء السفير الفرنسي: تكشّفات جديدة” كتبه الصحفي السابق في مكتب وكالة فرانس برس في الرباط محمد شاكر العلوي، والذي لم يكن معروفًا في عالم الصحافة المغربية في ذلك الوقت ولم يُعرف عنه سابقا أنه تحدث في أي قضية حساسة.

لكن وعلى النقيض من ذلك، قدم العلوي في ذلك المقال معلومة من شأنها وضع العالم على صفيح ساخن، حيث كتب أن “أغنيس فيلين، السكرتيرة الثانية في السفارة الفرنسية بالرباط، هي من يترأس عُملاء وكالة الاستخبارات الفرنسية في المغرب”.

وبسبب تلك المعلومات “الحساسة”، “صُعقت” السفارة الفرنسية في الرباط والمديرية العامة للأمن الداخلي في باريس. وتساءل الدبلوماسيون والجواسيس الفرنسيون كيف عرف الصحفي الذي لم يكن خبيرًا في العالم المتشابك للاستخبارات، أن فيلين كانت بالفعل “رئيسة جهاز الاستخبارات الفرنسية في الرباط”، لاسيما أن الكشف عن الوظيفة الحقيقية لـفيلين كان قد يُعريضها لخطر شديد.

يقول التقرير الأمريكي أنه سرعان ما توصل جهاز المخابرات الفرنسية إلى استنتاج مفاده أن المخابرات المغربية هي من أطلعت العلوي على هذه المعلومات السرية، لأنها الوحيدة التي تعرف الوضع الحقيقي لفيلين.

وتابع ذات المصدر، أن تمكُّن موقع “لو360” من الكشف عن الوظيفة الحقيقية للجاسوسة الفرنسية، يُعزى إلى أن أجهزة المخابرات المغربية كانت تسعى للانتقام من الإذلال الرهيب الذي تعرضت له قبل بضعة أشهر من قبل رئيس المديرية العامة للأمن الإقليمي.

ففي فبراير/شباط من عام 2014 سعت الشرطة الفرنسية إلى اعتقال رئيس المديرية العامة لمراقبة التراب الوطني “عبد اللطيف حموشي” في مقر السفير المغربي لدى فرنسا في منطقة “نويي سور سين”، على إثر شكاوى تعذيب في المغرب كان قد قدّمها العديد من المواطنين الفرنسيين، بمن فيهم بطل العالم السابق في الكيك بوكسينغ “زكريا المومني”، واضطر حموشي إلى مغادرة فرنسا على عجل، دون المرور عبر المطارات الباريسية، وكانت تلك الحادثة بمثابة إهانة كبيرة لرئيس المخابرات المغربية (الحموشي).

سعت فرنسا إلى اعتقال رئيس المديرية العامة لمراقبة التراب الوطني “عبد اللطيف حموشي” على إثر شكاوى تعذيب في المغرب

إلى ذلك فقد اعتبر “بوليتكس توداي” أن الكشف عن هوية المكلف بعملاء المخابرات الفرنسية في الرباط بواسطة موقع “لو360” كان بمثابة عمل انتقامي ورد اعتبار؛ حيث تم ترحيل فيلين من المغرب في غضون 48 ساعة، ومنذ ذلك الحين منحتها وكالة الاستخبارات الفرنسية هوية جديدة.

مشيرا إلى أنه “في عالم الاستخبارات، لا يتم الكشف عن اسم جاسوس بإيصال اسمه للصحافة، خاصة إذا كان مسؤولاً بدولة صديقة وحليفة للمغرب، كما أن الانتقام هو طبق تقليدي يُفضل تقديمه باردًا، ولكن هنا، لم يصمد الجواسيس الفرنسيون طويلاً”.

فرنسا ترد “الضربة” المغربية

يُواصل الموقع الأمريكي التطرق إلى ما وصفته الوثائق المسربة بـ “حرب المخابرات الفرنسية المغربية”، ويشير إلى أنه بعد خمسة أشهر من حادثة الجاسوسة الفرنسية في الرباط، أي في تشرين أول/ أكتوبر من عام 2014، ظهرت وثائق (كريس كولمان) على تويتر وبدأ حسابه في ضخ تلك التسريبات الهائلة.

ورغم عدم ذكر التقرير أن “كولمان” هو في الواقع “شخصية مجهولة من صنع المخابرات الفرنسية” إلا أنه أشار إلى ذلك قائلا “غالبًا ما كانت التغريدات مكتوبة بالفرنسية، ولكنها أيضًا كانت مكتوبة بلغات أخرى أحيانًا مثل اللغة العربية أو البرتغالية”.

مضيفا “يُثبت ذلك أن الجواسيس الفرنسيين كانوا يقضون وقتًا ممتعًا، خاصةً عندما كان “كريس كولمان” سعيدًا جدًا بالتظاهر كمدافع عن جبهة البوليساريو التي هي في نزاع مع المغرب على الصحراء الغربية”.

وتابع الموقع بقوله إن الجهود المبذولة لتعليق الحساب الذي كان يكشف أسرار الدولة المغربية لم تؤتِ ثمارها، وواصل “كولمان” طيلة أسابيع نشر عشرات الوثائق، حتى إختفى ذات يوم من نفس السنة في غياهب الشبكة العنكبوتية.

بحسب مصادر التقرير الأمريكي، فإنه (عقب حادثة كشف الجاسوسة الفرنسية بالرباط” تمّ اتخاذ قرار “معاقبة” جهاز الاستخبارات المغربية من قِبل أعلى السلطات في فرنسا، وتمّ اتخاذ قرار بشأن مشروع الرد من قبل إدارة المديرية العامة للأمن الخارجي، التي قدمته إلى الوزير المشرف عليها في ذلك الوقت، رئيس حقيبة الدفاع جان إيف لودريان، الذي أوصله بدوره إلى رئيس الوزراء مانويل فالس قبل أن يُمنح الأخير الضوء الأخضر من قِبل رئيس الجمهورية في تلك المرحلة “فرانسوا هولاند”.

ما مدى صحة هذه الوثائق؟

حصل خبير في العلاقات الفرنسية المغربية على تأكيد لهذه الحادثة قبل بضع سنوات من أعلى سلطات الدولة الفرنسية ولا بد من القول إن المخابرات المغربية عرفت دائمًا من يقف وراء “كريس كولمان” يقول الموقع.

مضيفا أنه عندما تم توجيه الاتهام إلى “برنار باجولي” قبل بضعة أسابيع في فرنسا بتهمة “التواطؤ في محاولة ابتزاز” و”الانتهاك التعسفي للحرية الشخصية من قبل شخص في السلطة” في قضية غامضة تتعلق بنهب الأموال، أبدت الصحافة المغربية اهتمامًا هائلًا وغريبًا بهذه القضية رغم أنها لا علاقة لها بالمغرب.

واختتم الموقع التقرير بالقول إن باجولي كان هو المدير العام للأمن الخارجي الفرنسي بين عامي 2013 و 2017. مشيرا أنه ادعى في عام 2018 في كتابه “الشمس لم تعد تشرق من الشرق: مذكرات الشرق من سفير غير دبلوماسي” أن عبد اللطيف حموشي، الذي فر من فرنسا في 2014، لا يستحق وسام جوقة الشرف، أعلى وسام فرنسي، الذي منحه إياه رئيس فرنسا فرانسوا هولاند.

قد يعجبك أيضاً

أضف تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.