“رامي مخلوف” من أعلى قمة الهرم الاقتصادي في سوريا إلى “زاوية الحطب”
وطن– لم تكن لحية “رامي مخلوف” ابن خال رأس النظام السوري أكثر بياضاً من قبل، مثلما بدا عليه الأمر في السنتين الأخيرتين اللتين أعقبتا تجريده من جزء كبير من ثروته وفرض الإقامة الجبرية عليه بعد أن كان يشع بالثروة والقوة والنفوذ ويملك المليارات بطرق لا يعلمها أحد بسبب السرية التامة وحالة الغموض التي أحاط بها نفسه هو وعائلته، بينما يعيش أكثر من 10 مليون سوري لا يملكون أدنى مستوى من المعيشة فوفق منظمة الأمم المتحدة يعيش 80 % من السوريين تحت خط الفقر.
كان مخلوف الأب يبني الأساس لابنه لتولي المسؤولية ومواصلة إرث العائلة
ورامي مخلوف هو الابن البكر لمحمد مخلوف. ولد في بستان الباشا، جبلة عام 1966 ترتيبه في العائلة الابن البكر ويأتي بعده حافظ مخلوف، ضابط في ادارة أمن الدولة ولديه شقيقان آخران هما إيهاب وإياد. وتزوج من رزان ابنة محافظ درعا وليد عثمان عام 2007.
وكان مخلوف الأب يبني الأساس لابنه لتولي المسؤولية ومواصلة إرث العائلة. إذ تخرج رامي من جامعة دمشق عام 1993 بدرجة البكالوريوس في الهندسة المدنية، ونشأ على أوهام وعقلية أنهم جزء لا يتجزأ من حكم سوريا وفي القمة.
وتعمق هذا التحالف بين عائلتي الأسد ومخلوف مع صعود بشار إلى السلطة ، وأصبحت عائلة مخلوف راسخة بشكل متزايد في النظام حتى أصبحوا ركيزته الاقتصادية. وفيما كان بيت الأسد الذراع السياسي للنظام، بات آل مخلوف الذراع الاقتصادية والمالية قبل أن يتهاوى جبل الجليد.
ثروة مخلوف الأب
أما علاقة والد رامي “محمد مخلوف” فتعمقت منذ أن استولى حافظ الأسد على السلطة في تشرين الثاني (نوفمبر) 1970 حيث عين حافظ شقيق زوجته رئيساً للمؤسسة العامة السورية للتبغ علم 1972 ومنحه الحق الحصري في شراء التبغ من المزارعين عبر شرطة “غوتا” التي أصبحت الشركة الأولى المصدرة للتبغ الخام والمستورد الوحيد للسجائر والحصول على عمولات من الموردين والمستوردين على حد سواء، ونمت ثروة مخلوف الأب أكثر عندما تم تهريب ماركات السجائر الأجنبية إلى السوق السورية عبر لبنان وكان يحصل على عملات منها وبطريقة غير قانونية وبعد أن ترك مخلوف الشركة بأسبوعين سجن خليفته ” محمد كفا” لأن زوجته تحدثت عن فساد مخلوف. وكان محمد مخلوف قد بدأ مأسسة الفساد في سوريا ، والفساد الذي أشرف عليه كان من المفترض أن يوفر لحافظ الدعم المالي الذي يحتاجه نظامه كما سيتكرر السيناريو فيما بعد مع رامي مخلوف.
وفي الثمانينيات، شهدت سوريا طفرة في البناء. وفي عام 1985 عاد محمد مخلوف ليصبح رئيسًا للبنك العقاري في عهد حافظ الأسد أيضاً وكانت مهمته تقديم قروض لمشاريع البناء. وكان على جميع الجمعيات السكنية المرور من خلاله للحصول على قروض. وكان معروفا باسم “السيد 10 بالمائة “- إذ لا يوافق أبدًا على قرض ما لم يحصل على تخفيض بنسبة 10 بالمائة واحتفظ بالمنصب حتى عام 2004.
رامي فايف
ولأن “فرخ البط عوام” كما يُقال حقق رامي مخلوف خلال فترة لا تزيد عن 20 عاماً ثروة فلكية بالنصب والإحتيال حيناً وبالصفقات المشبوهة في مجال النفط والبناء أحياناً أخرى لكن مصدر أمواله الرئيسي كان من خلال سيطرته على أكبر شبكات الهاتف المحمول في سوريا شركة “إم تي إن” لينال بدوره لقب “رامي فايف ” كناية عن فرضه نسبة 5% عن كل صفقة يكون له دور فيها مستفيداً من صلة القرابة بعائلة الأسد. ويقول المحللون إن الشركات الأجنبية لم تكن تستطيع الدخول في أي معاملات بسوريا دون موافقته الشخصية والكثير من رجال الأعمال والمستثمرين العرب الكبار هربوا من الاستثمار في سوريا لذات السبب.
نعش النظام الاقتصادي
ورغم ولائه الشديد لنظام الأسد ودفاعه عنه حتى آخر رمق بات من الواضح خلال السنوات الأخيرة أن بشار الأسد كان يسعى وراء ثروة ابن خاله التجارية التي تبلغ قيمتها عدة مليارات من الدولارات وليس مبلغًا ضئيلًا نسبيًا في الضرائب المتأخرة وخصوصاً بعد أن وجد هذا النظام نفسه محاصراً من دول العالم.
خلاف الأسد مع مخلوف نسائي بامتياز
وزاد من وطأة هذا الحصار قانون قيصر الذي كان المسمار الأخير في نعش النظام الاقتصادي ووضع بشار الأسد “رامي مخلوف” رهن الإقامة الجبرية في دمشق كجزء من ابتزاز رجال الأعمال الأثرياء متجاهلاً خدماته الطويلة وقرابته بالدرجة الأولى .
كما انتشرت تكهنات بأن اعتقال مخلوف كان نتيجة اقتتال داخلي داخل عائلة الأسد وأنه مستهدف من قبل زوجة الرئيس السوري أسماء الأسد التي لا يخالف بشار لها أمراً.
ومنذ عام 2019 برز خلاف النظام مع رامي مخلوف إلى العلن عبر قرار حجز احتياطي ومطالبات بدفع غرامات مستحقة ليتدحرج الخلاف عبر سلسلة من الوقائع تمخضت عن استيلاء أسماء الأسد على جمعية البستان الخيرية التابعة لرامي مخلوف وتغيير اسمها إلى “جمعية العرين” واستيلائها على كل من شركتي “سيريتل”-و” إم تي إن” المملوكتين لمخلوف، بالإضافة إلى حل شركة شام القابضة التابعة له وتصفيتها وتصفية أو تجميد العديد من الشركات الخاصة به أيضاً.
أثرياء الحرب الجدد
وبحسب تقرير لمركز “حرمون للدراسات المعاصرة” بعنوان “أثرياء الحرب الجدد محل قدامى رجال الأعمال في سورية” “خضعت الشركة الأبرز لرامي مخلوف بعد وضعها في الحراسة القضائية للعديد من عمليات نقل الأسهم المتسلسلة لتمتلك شركة الأجنحة المساهمة المغفلة الخاصة ويمثلها ” طارق خباز ” غير المعروف 40 % من أسهم سيريتل وتتخلى عنها لاحقاً ، لتنخفض حصتها إلى أقل من %1 دون معرفة المالك الجديد، وبالمثل تم نقل 18% من الأسهم لحسين ابراهيم( والد يسار ابراهيم) الذي مررها لمالكين جدد لم يُفصح عن أسماءهم.
وهكذا سقى بشار الأسد رجل أعماله السابق “رامي مخلوف” من تلك الكأس التي طالما سقى رامي منها الآخرين”.
وكانت العلاقة بين رامي مخلوف الملقب بـ”سلطان المال” في سوريا وبشار الأسد، قد تدهورت منذ ديسمبر 2020، بعد أن ذاب جبل الجليد ليخرج مخلوف بعدها في عدة إطلالات مصورة عبر حسابه على “فيسبوك”. موجها انتقادات للنظام، وبعض رؤوس الفساد في دمشق، متحدياً بشار الأسد وقوته بمصادرة أملاكه أو منعها كما قال عن مستحقيها.
يد خفية
وظهر الخمسيني الأشيب في أول الفيديوهات وهو يرتدي سترة جلدية بنية اللون وباهظة الثمن في زاوية من منزله فيما شوهد خلفه كومة من خشب الزيتون المكدسة ببراعة جاهزة للشتاء القادم ليتحدث عن زلزال سيضرب الظالمين لدرجة أن الآتي سيذهل به المعنيون بذلك، حسب وصفه، فيما ألمح رجل الأعمال السوري الأقوى في سوريا إلى وجود ما وصفه بـ”يد خفية” ذات قوة خارقة سمحت لبعض الأشخاص «لم يسمهم» بالتجرؤ على ملكيته الخاصة، والاعتماد على التهديد.
وفي فيديو لاحق اعتذر مخلوف لموظفيه الذين تم اعتقال ما لا يقل عن 28 منهم من قبل الأجهزة الأمنية السورية، وقال: إن “معظم الأمور القانونية ما زالت معلقة دون أي تقدم ، خاصة فيما يتعلق بالمعتقلين من قبل أشخاص غامضين” مع قناعته الضمنية بأنهم ليسوا غامضين بالنسبة له إذ كان شقيقه “حافظ مخلوف” يترأس مديرية المخابرات العامة وهي أهم جهاز يتعامل مع التهديدات الداخلية للنظام قبل أن يخرج من سوريا بالتوازي مع وفاة عمته والدة بشار “أنيسة مخلوف”.
يأتي ذلك في وقت تغاضى فيه رامي مخلوف عن موظف لديه تم اعتقاله ولم يعرف مصيره إلى الآن، فذات ظهيرة من عام 2012 اقتحم عناصر من فرع الجوية فرع شركة “سيرياتل” المملوكة لـ”رامي مخلوف” في مدينة “صحنايا”، وطلبوا من أحد موظفيها المهندس “يامن البيج” الخروج معهم لشأن خاص ليتم اعتقاله على الفور دون أسباب معروفة ودون توجيه أي تهمة له أو معرفة مصيره حتى الآن.
ولم يطالب “رامي مخلوف” بإطلاق سراحه حتى الآن وهو الذي ظهر متباكياً على اعتقال موظفيه في “سيرياتل” على يد أجهزة مخابرات النظام، ذاتها والتي اعترف للمفارقة بأن شركته كانت أفضل داعم وخادم وممول لها”.
وورد اسم “البيج” في قوائم أكثر من 200 ألف معتقل لدى النظام السوري التي نشرها موقع “زمان الوصل” السوري المعارض عام 2016 وجاء فيها اسمه الثلاثي “يامن سمير البيج” 33 سنة الوضع العائلي خاطب- المهنة مهندس اتصالات في شركة اتصالات سيرياتل اعتقلته قوات النظام من مقر عمله في الشركة في “صحنايا” وهو محتجز في المخابرات الجوية بالمزة.
ووفق نشطاء فإن شركة “سيرياتل” ذاتها هي من أبلغت عن “يامن” إذ كان هناك داخل فرع الشركة في “صحنايا”، كما في غيره من الفروع ضابط أمن على ارتباط بالمخابرات يلاحق الموظفين ممن يشك في ولائهم للثورة أو معارضتهم للنظام، وتم اعتقال أكثر من موظف فيها وتسليمهم للأمن.
وشركة “سيريتل” المملوكة لمخلوف هي أكبر شركة اتصالات في سوريا ، ويبلغ عدد المشتركين فيها 11 مليون مشترك.
فيراري بـ 300 ألف دولار
وتناقص ظهور رامي مخلوف الأشعث والمتعب في مقاطع الفيديو خلال الأشهر الأخيرة في الوقت الذي استمر ابناؤه المقيمين في الخارج بنشر صور وفيديوهات لهم توحي بالثراء الفاحش على مواقع التواصل الاجتماعي من خلال الإحتفالات أو قيادة السيارات الرياضية باهظة الثمن.
ففي أكتوبر 2021 ظهر نجل رامي مخلوف البكر “علي” في سيارة فيراري رفقة عارضة أزياء إسرائيلية في شوارع لوس انجلوس وتداولت وسائل إعلام محلية تسجيلا مصورا يظهر مخلوف الابن وبجانبه عارضة الأزياء إسرائيلية ميشيل عيدان التي تبلغ من العمر 21 عاما في لوس أنجلوس غربي كاليفورنيا.
وأثار الفيديو الذي ظهر فيه علي مخلوف جدلًا بسبب غلاء السيارة التي يقودها في أمريكا، والبالغ سعرها نحو 300 ألف دولار أمريكي، وفي المقطع الذي نشره صانع المحتوى “دانيال ماك”، الذي يستعرض قصورا ويخوتا وسيارات فارهة مع أسعارها سأل “علي رامي مخلوف” “ماذا تعمل لكسب عيشك؟ فكان جواب الثاني: “أنا أعمل” فقط”، ليسأل ماك عن تفاصيل العمل “ما المنصب؟”، وكان رد علي “أنا أخضع لتدريب”.
ومن غير الواضح بالضبط كيف تمكن علي مخلوف من زيارة الولايات المتحدة وكيف حصل على الأموال. قبل إقالته من مجلس إدارة شركة الاتصالات القيمة سيريتل حيث عين رامي مخلوف علي نائبًا للرئيس التنفيذي للمجموعة.
علماً أن الولايات المتحدة الأمريكية فرضت عقوبات على رامي مخلوف وعائلته لأول مرة عام 2008 لاستخدام علاقاته الوثيقة مع حكومة الأسد لتعزيز مصالحه التجارية وترهيب الشركات الأخرى.