الرئيسية » تقارير » لصوص الوثائق السرية: سمت أصيل في عرف رؤساء أمريكا من جورج واشنطن وحتى جو بايدن

لصوص الوثائق السرية: سمت أصيل في عرف رؤساء أمريكا من جورج واشنطن وحتى جو بايدن

وطن- بعد العثور على حزمة أخرى من الوثائق السرية في مرآب منزل الرئيس الأمريكي جو بايدن في ديلاوير، طبعاً بعد حزمة أخرى سبق وأن عثر عليها في أثناء نقل صناديق من مكاتب مركز الأبحاث التابع له في واشنطن، بدأت الصحافة وعامة الشعب الأمريكي يسألون: ما الفرق بينه وبين الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترمب، الذي قامت الدنيا عليه بعد أن ارتكب نفس الفعل حين نقل ملفات سرية في أثناء مغادرته البيت الأبيض إلى منتجعه في فلوريدا، والأعجب أن أشد من أقام الدنيا عليه لم يكن سوى جو بايدن نفسه.

بل وذهبت صحيفة التليغراف إلى أن فضيحة جو بايدن في سرقة الوثائق أسوأ من فضيحة دونالد ترمب، لخطورة الملفات التي كانت بحوزة جو بايدن.

لكنّ السؤال الأكثر حرجاً لبايدن، هو سؤال ترمب حين سأل: “متى سيقوم مكتب التحقيقات الفيدرالي بمداهمة العديد من منازل جو بايدن، وربما حتى البيت الأبيض؟”. في إشارة إلى تعامل مكتب التحقيقات معه في حين لم يفعلها مع بايدن.

ولكن هل ترامب وبايدن أول لصوص الوثائق السرية؟

حتماً سبقتهما إدارات عديدة قامت بنفس الفعل بل وأسوأ، فهناك من دمّر وأخفى وعطّل نقل وثائق للأرشيف، وهناك من قام بإنشاء حتى دوائر خلفية من وراء الدوائر الرسمية لا تخضع للمساءلة فيما تملكه من وثائق، وهناك رؤساء أمريكيون أوكلوا المهمة لرؤساء المخابرات الأمريكية أو لشخصيات مقربة منهم للقيام بمهمة الإخفاء والتدمير أو تعطيل النقل للأرشيف الأمريكي، وهناك مَن “سرق” سيرفر إيميلات بأكمله مثل هيلاري كلنتون.

ومع كل هذا، نحن نتحدث عن الوثائق التي من نوع “خاص” أو “سري” أو “سري جداً”، فثمة وثائق لا تصل الأرشيف مطلقاً.. منها ما يدمر قانوناً بعد الاطلاع، ومنها ما ينقل صوتاً دون تفريغ، ومنها ما يكون مختصاً لمسؤول بعينه، منها ما لا يسجل على الورق مطلقاً، وأكثر من اتبعه هنري كسنجر في زمننا هذا.

وقد يصدم القارئ حين يعلم أن ١٧٠ مليون قدم مكعب من الوثائق التي تراكمت ما بين عام ١٧٨٩ وحتى عام ١٩٨٥، لم يتبقَّ منها سوى ٤٠ مليون قدم مكعب من الوثائق، أي إن ١٣٠ مليون قدم مكعب تم تدميرها؛ حيث تم تدمير أكثرها عند إنشاء الأرشيف الأمريكي عام ١٩٤٩، بعد أن تمت دراستها وتبيين إلى أي مدى تصل خطورتها.

بالطبع يوجد بينها ما قد تلف أو فقد قيمته بفعل الزمن أو تعرض لحوادث حرائق عرضية، بل منها ما قد نهب أو بيع كمعلومات خطيرة، ومنها ما بيع لمصانع الورق، ولكن أن يصل مجموع ما فُقد ودُمّر إلى ٧٥% من وثائق الحكومات الأمريكية المتعاقبة، فهنا يكون الشك، فحتماً لن يكون للنية الحسنة مكان هنا حين نجد اختفاء الوثائق المتعلقة بمجزار الأمريكيين ضد الأمريكيين الأصليين والمتعلقة بحروب النهب والتوسع ومعظم وثائق الحرب الأهلية وحتى الحرب العالمية الأولى والثانية والحروب التي تلتها.

في عام ١٨٨٠، وفي أثناء مناقشة الكونجرس الأمريكي طلباً من الحكومة الأمريكية بتدمير وثائق في فترات سابقة، فجأة اندلع حريق في مبنى هذه الوثائق بالذات، فيبدو أن مناقشة الكونجرس طالت أكثر من اللازم، فقد كانت تتعلق أكثر الوثائق بما سلم وتبقى من وثائق الحرب الأهلية الأمريكية وعمليات التهجير القسري للأمريكيين الأصليين.

بالطبع لا نلومهم، فمن يرتضي إبقاء تاريخ الخزي الأمريكي، لتطلع عليه الأجيال التي لُقّنت أن دولتهم قامت على أسس الحضارة والتقدم العلمي والثقافي والديني.

فتخيل أن يقرأ هؤلاء في أرشيفاتهم كيف كان المتحضرون البيض يُلقون البطانيات الموبوءة بالطاعون على قرى الأمريكيين الأصليين، أو كيف يأمر قادتهم جنودهم بسلخ جلود الأمريكيين الأصليين لصناعة أحذية منها، أو كيف كانوا يقايضون جمجمة الأمريكي الأصلي بخمسة دولارات، أو كيف كانت الحكومة الأمريكية تقوم بإعقام نساء الأمريكيين الأصليين، وتخيل أن نقرأ “طريق الدموع” من تقارير الفاعلين لا من الشهود كما رووها، وجرائم أخرى لا تحصى.

من أجل هذا نجد اختفاء بعض الملفات السرية عند مغادرة رؤساء أمريكا البيت الأبيض، إما عبر هؤلاء الرؤساء شخصياً، أو عبر العاملين معهم والموثوق بهم.

فقد سبقهم بيل كلينتون، ومدير المخابرات المركزية الأميركية “سي آي إيه”، ديفيد بتريوس، حسب قول إدوارد سنودن، الموظف السابق في وكالة الأمن القومي الأميركية.

فلم يكتفِ بيل كلينتون بالاحتفاظ بوثائق سرية؛ بل غيّرت إدارته مسميات بعض الوثائق إلى شخصية، كما طلب من الأرشيف وثائق حساسة عن جمهوريين وسياسيين عملوا في إدارات سابقة دون داعٍ قانوني، لأن من طلب ملفاتهم الحساسة لم يكن لهم أي علاقة عمل بالبيت الأبيض في أثناء فترة حكمه، الشرط الذي يستوجب طلب هذه الملفات.

وفضيحة ووترغيت التي كان بطلها الرئيس الأمريكي نيكسون، بدأت أول فصولها بمحاولة سرقة وثائق من مبنى الحزب الديمقراطي عام ١٩٧٢، والتي انتهت باستقالته.

وقتها، قام رئيس المخابرات الأمريكية ريتشارد هيلمز، خوفاً من كشف فضائح المخابرات الأمريكية كما حدث مع نيكسون في فضيحة ووترغيت، بإحراق جميع الوثائق المتعلقة عن برامج وتجارب المخابرات الأمريكية البيولوجية وأساليب التعذيب والتي جربت على أطباء وعاملين في المخابرات الأمريكية ووكالات أخرى، وجربت على مرضى ومساجين وعاهرات، ولم يتبقَّ سوى القليل الذي لم يستطع تدميره، وليتخيل القارئ معي أن وثيقة تتحدث عن إعطاء مادة كيميائية لطبيب أمريكي يدعى فرانك أولسن كان يعمل مع المخابرات الأمريكية؛ حيث تطوّع أن يكون “فأر تجارب”، وهي من الموادّ المعدّ لتقديمها لضحايا المخابرات الأمريكية في أثناء التحقيق معهم وتعذيبهم، ولكن ما إن تناول هذا الطبيب هذه المادة حتى أصيب بتشنجات وقفز من الطابق العاشر في أحد المباني ليلقى حتفه.

وفي الثمانينات من القرن الماضي، أنكرت المخابرات الأمريكية بعض عملياتها الفاشلة، ودمرت الوثائق المتعلقة بها، حتى أنّ من تورطوا بها حوكموا بقضايا جنائية، لأنهم لم يستطيعوا إثبات أنهم ارتكبوا هذه الجرائم بناءً على أوامر من المخابرات الأمريكية، أحدهم سُجن ٢٤ عاماً، وآخرون هربوا وطلبوا اللجوء في بلدان أخرى دون أن تتدخل المخابرات الأمريكية في إنقاذ أي منهم.

قد يعجبك أيضاً

أضف تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.