وطن- هذه مرتّبات سنوية وشهرية للزعماء العرب، والتي كانت تدفعها بريطانيا من أجل “مهمات” خاصة، وعدم التدخل والسكوت، ومن أجل الحفاظ على رعاياهم “المتطرفة”، حتى لا يعتدوا على راحة الجنود البريطانيين والذي كانوا يخوضون حرباً شعواء من أجل السيطرة على العالم العربي وفلسطين فيما بعد، والتي سلّمتها لاحقاً للحركة الصهيونية.
منها ما كانت تدفعه بريطانيا عبر شركة الهند الشرقية في وقت مبكر يصل حتى عام ١٨٦٠، وربما قبل ذلك، ومنها ما دفعته الحكومة البريطانية مباشرة فيما بعد.
فمن الزعامات التي قبضت مرتبات من البريطانيين في وقت مبكر، كانوا حكام الكويت والبحرين والساحل المتصالح ومسقط والشحر والمكلا وسقطرى ومحمية عدن، واليمن وعسير والحجاز و نجد وغيرها (مرفق وثيقة من الأرشيف البريطاني محفوظة في مكتبة قطر الرقمية تبين هذه الدول وتاريخ بداية الدفع لحكامها)
في ١٩٢٠/١٢/٧ أكد مكتب الخارجية البريطاني على هذه المرتبات، والتي توصي باستمراريتها، ومنها:
سلطان مسقط: ١٨٦٤٠٠ روبية سنويا.
سلطان الشحر والمكلا ٧٢٠ روبية سنويا.
فهد الهذال شيخ قبيلة عنزة: ٢٠٤ آلاف روبية سنويا.
زعماء محمية عدن: ٧٠ الف روبية سنويا.
ابن سعود: ٦٠ الف روبية.
(لاحظوا معي أن راتب شيخ القبيلة (فهد الهذال) آنذاك أكثر بخمسة أضعاف من راتب ابن سعود).
المؤلم هنا أن أكثر شخصية أكرمتها الدولة العثمانية هو فهد الهذال، فمنحته لقب بيك وعينته كقائم مقام وأكرمته مادياً بلا حدود، إلا أنه كان يعمل لصالح الإنجليز ويقبض منهم من وراء السلطات العثمانية؛ بل حاربها لاحقاً بدعم من بريطانيا.
فيما بعدُ تم رفع مرتب أمير نجد عبدالعزيز آل سعود إلى مئة ألف جنيه إسترليني وتقسم له شهرياً، تمّت زيادته لاحقاً بعد أن ساعدته في السيطرة على الحجاز.
كما كانت تدفع له بريطانيا جزءاً من عائدات الحج عبر مكتب الهند التابع لشركة الهند الشرقية (٧٥ ألف روبية هندية شهرياً). والعجيب أن هذا المبلغ كان يدفع له قبل سيطرته على الحجاز، أبلغ في عام ١٩٢٣ بأنّ مرتبه سيتم إيقافه من بعد عام ١٩٢٤، لكن لم يتمّ ذلك؛ بل ازداد، ففي مراسلات أنتوني أيدن مع تشرشل يتبين أنه في الأربعينات من القرن الماضي كانت بريطانيا تدفع ٥ آلاف جنيه إسترليني لابن سعود، ومثلها بدأت بدفعها أمريكا عام منذ ١٩٤٤. حاولت بريطانيا مع أمريكا خفض المرتب للنصف، بسبب مدخول النفط، إلا أنّ أمريكا لم توافق.
يخبر عبدالله السليمان وزير مالية ابن سعود البريطانيين أنه إن لم يكن الاستلام بالذهب فإن ابن سعود سيقوم بضربه شخصياً.
الشريف حسين بن علي بلغ راتبه مئة وثمانين ألف جنيه أسترليني سنوياً غير مصروفات أخرى، هدّد القائد العسكري اللنبي بأنه إن تم خفض المرتب سيستقيل من منصبه.
الأمير محمد علي الأدريسي حاكم عسير: 200 جنيه إسترليني شهرياً، في عام ١٩٢٣ أضيف على الراتب مبلغ ٣٠ ألف جنيه إسترليني مقابل تسليم الحديدة للبريطانيين. (عند دفع راتبه اشترطوا عليه إخلاء الأجانب من منطقته عام ١٩٢١).
إمام اليمن: يحيى حميد الدين 200 جنيه إسترليني شهرياً.
الأمير عبدالله بن الحسين توصية بوضع راتبه 5000 جنيه إسترليني مع كافة المصروفات لبلده الوليد شرق الاردن.
حاكم دبي: سعيد بن مكتوم 30 ألف روبية سنوياً.
حاكم عجمان: راشد النعيمي ١٠ آلاف روبية سنوياً.
حاكم أبو ظبي: شخبوط بن سلطان ٧ آلاف روبية كمقدم، و٣ آلاف روبية شهرياً.
الشيخ سلطان القاسمي حاكم الشارقة: ٥٠٠ روبية شهرياً وخمس روبيات عن كل طائرة بريطانية تهبط في الشارقة.
شيخ الكويت مبارك الصباح: ٦٠ ألف روبية سنويا مع قوارب واسلحة وقطع غيار مع تأجير بندر الشويخ للبريطانيين.
ومن خلال هذا الراتب يستسلم الحاكم كاملاً للسلطات البريطانية في كل ما يطلب منه، وإلا فالمصير سيكون وخيماً، فعلى سبيل المثال، إمارة كلباء كانت إمارة مثلها مثل دبي وأبو ظبي؛ بل في زمن البرتغاليين كانت أهم إمارات الساحل، ولكن بعد أن استلم حاكمها حمد القاسمي مرتباً من الإنجليز عام ١٩٣٩، تردّد فيما بعد ابنه راشد بالسماح لهم بإنشاء قاعدة طيران عسكرية للهبوط الاضطراري، ما نتج عنه دمار الأسرة الحاكمة فيها من خلال عمليات القتل والثار وبتشجيع بريطاني، مما أدى في النهاية الى ضم الإمارة للشارقة، وكما حدث أيضاً مع شخبوط بن سلطان في أبو ظبي حين أهان ضباط البحرية الإنجليز ورفض الاعتذار، كما طلب المزيد من المال على أمور تمّ الاتفاق عليها سابقاً، وأيضاً سعيد بن تيمور، حيث رتبت بريطانيا انقلاباً عليهما من داخل الأسرة، وقبلهم ما جرى للشريف حسين بن علي معروف.
في إحدى جلسات مجلس اللوردات البريطاني المغلقة، سأل اللورد جورج لامبرينت، وزير المستعمرات تشرشل عام 1922: كيف تدفعون مبلغاً بهذا الحجم للحكام العرب، “وماذا يفعلون بـ150 ألف باوند سنوياً في هذه الصحراء؛ إجابه تشرشل: بعد دفعنا لهم سحبنا 50 كتيبة عسكرية من العالم العربي، كل واحدة كانت تكلفنا أكثر من 150 ألف باوند سنوياً.
وسأله لورد آخر: كيف تدفعونها لهم بالعملة النقدية أم بالذهب؟، فردّ تشرشل: يحبذونها بالذهب لذا تدفع لهم بالذهب.