الرئيسية » تقارير » تقرير لوفيغارو: هل تتغير قواعد الردع النووي؟

تقرير لوفيغارو: هل تتغير قواعد الردع النووي؟

وطن– في حين بدأت روسيا في انتهاج سياسة التهديد النووي، ضاعفت الصين من ترسانتها العسكرية، وأيّدت الولايات المتحدة نظام “الردع المدمج”، فنظريات العالم اليوم تخضع لنظام عالمي جديد، لا سيما بعد الحرب الروسية في أوكرانيا.

كان البيان المشترك الصادر في كانون الثاني (يناير) 2022، الصادر عن خمس دول “مسلّحة نوويًا”، بما في ذلك روسيا، التي أشارت إلى أن “الحرب النووية لا يمكن كسبها ولا يجب خوضها أبدًا”، وعدًا مطمئنًا، حتى لو لم توقّع الهند وباكستان وإسرائيل وكوريا الشمالية على هذا البيان.

لكن بحسب تقرير لصحيفة “لوفيغارو” الفرنسية، يبدو أن العالم يصطدم اليوم بحقيقة أخرى، حيث أصبح الردع النووي مرة أخرى أداة لتوازن القوى، سواء بالنسبة لروسيا التي تهدّد بشنّ الحرب النووية، أو الصين التي ضاعفت من ترسانتها العسكرية.

“سوخوي57”: المقاتلة الروسية الأكثر فتكاً تدخل أوكرانيا .. جنون بوتين وصل ذروته! (شاهد)

وهكذا، يمكن أن تنمو ترسانة بكين من 700 قنبلة نووية في عام 2027 إلى 1000، في عام 2030. فجميع الدول التي تمتلك أسلحة نووية تزيد أو تحسّن ترساناتها، والعديد منها يشحذ الخطاب النووي، ويشدّد على دور الأسلحة النووية في إستراتيجياتها العسكرية، ما أثار قلق معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام في تقرير له، نُشر في يونيو الماضي.

فهل ستتطور طرقُ الردع التي تملي شروط استخدام الطاقة النووية؟

ما أسس الحوار الاستراتيجي؟

بالنسبة لجميع الدول التي تمتلك أسلحة نووية، فإن الردع هو فن يجمع بين “الشفافية” و “الغموض”، على حدّ تعبير الباحث برونو ترترايس من مؤسسة الأبحاث الاستراتيجية. تتركّز الشفافية على القدرات، لكي تكون هناك مصداقية، والغموض يتمثّل في طريقة استخدام الأسلحة النووية، للحفاظ على عامل الشك عند الخصم، حيث يمكن أن يتخذ الصراع بين الأعداء بُعدًا نوويًا.

بالنسبة لجميع الدول التي تمتلك أسلحة نووية، فإن الردع هو فن يجمع بين "الشفافية" و "الغموض"
بالنسبة لجميع الدول التي تمتلك أسلحة نووية، فإن الردع هو فن يجمع بين “الشفافية” و “الغموض”

وفقًا لما ترجمته “وطن“، تحدّد كل دولة قواعدها مع الحفاظ على الغموض بشأن التعريف الدقيق لـ “المصالح الحيوية” التي يغطيها الردع. وهذا يجب أن يثبط عزيمة أي خصم، تحت طائلة المخاطرة بردِّ فعل مدمّر والتعرض لـ “ضرر غير مقبول على الإطلاق”، حسبما تقوله العقيدة الفرنسية.

كما يمكن أن تغطي هذه القواعد أيضًا التهديدَ باستخدام ما يسمى الضربات “التكتيكية”، أي ذات النطاق المحدود. ولا يُقصد بالأسلحة التكتيكية إطلاق رد شامل، ولكن لتوسيع قائمة الخيارات العسكرية أو حتى السماح بمنطق “التصعيد من أجل التهدئة”. في ذات السياق، تتوخى العقيدة الروسية منذ عدة سنوات استخدام الأسلحة النووية للرد على التهديدات التقليدية.

حلم “بوتين” يتبخر.. استسلام جماعي للقوات الروسية وسط تقدم إستراتيجي للجيش الأوكراني

يعتمد الردع المتبادل على العقلانية للسيطرة على التصعيد، وتحتوي “قواعد الردع” على رموز؛ يعرف الخبراء كيفية فكّها، سواء كانت تدريبات عسكرية أو وضع القوات النووية في حالة تأهب. علاوة على ذلك، فإن القدرات التقنية للقوات الإستراتيجية (القدرة على تسليح القنابل وتنفيذ الغارات أو الدوريات تحت الماء) تدعم مصداقية الردع. فمنذ بداية الحرب في أوكرانيا، تم احترام هذه القواعد دون تجاوز أي حدود.

هل الحرب في أوكرانيا تختبر فنّيات الردع؟

قد تكون عتبة استخدام الأسلحة النووية، قد تطوّرت بمرور الوقت اعتمادًا على السياق أو القدرات التقليدية. فالخطاب العدواني لفلاديمير بوتين لا يعني -في حد ذاته- تغيير الموقف. كما تشرح هيذر ويليامز، مديرة برنامج القضايا النووية في المعهد الأمريكي CSIS: “تبيّن هذه التصريحات هيبة روسيا، وللتذكير فهي قوة نووية”.

وتتابع قائلة: “إنها أيضًا رسالة إلى الغرب لإظهار أن الروس أكثر قدرة على المخاطرة ممّا يظهره الغرب”.

خطاب فلاديمير بوتين عدواني
خطاب فلاديمير بوتين عدواني

وأوردت: “من جهة أخرى، لا أحد يعرف الحدّ الذي وضعه بوتين في حربه: هل مناطق القرم أو دونباس تندرج ضمن المصالح الحيوية لروسيا؟ ومتى يصبح الدعم الغربي لأوكرانيا تهديدًا لموسكو؟ وإذا لم يكن لدى الغرب الإجابات، فهل يجب أن تتكيف قدرتها مع أسلوب الردع الروسي”.

الأزمة الأوكرانية الروسية.. ما يجب معرفته بشأن الخوف المتزايد من الحرب

من جانبها، حذّرت واشنطن من أن التصعيد الروسي لن يمر دون رد. وأشار الناتو في مفهومه الإستراتيجي للردع الذي تم تبنّيه في يونيو/حزيران، إلى أنه كان أيضًا “تحالفًا نوويًا”، لكن هذا الردع الموسع لا يعني أوكرانيا في حد ذاتها، لأن هذا التحالف النووي لا يمنع عملية الابتزاز التي تقوم بها روسيا، لضمان استمرار الحرب الروسية، وهذا ما يشكل صعوبة لمنطق الردع المدمج.

وأضافت هيذر ويليامز: “خلال الحرب الباردة، كان يُنظر إلى التصعيد على أنه نتيجة لسوء الفهم بين القوى”. وقالت “في المستقبل قد نواجه خصومًا قد يسعون للتصعيد”. وتقول إن الغرب بحاجة إلى العمل على حسن إدارة التصعيد.

وطبقًا لها، هذا قد يعني قبول بعض المخاطر. وتحذّر من أن أعظم رصيد للغرب ضد بوتين هو وحدة المعسكر الغربي. أي أن مناقشة المخاطر المقبولة يمكن أن تفتح ثغرات، ففي الغرب، ازداد الضغط أيضًا لنزع الشرعية عن استخدام الطاقة النووية مع حشد مؤيدي معاهدة حظر الأسلحة النووية، وهكذا يخاطر الغرب بـقبول عملية الردع الروسية والخضوع لها أو بعبارة أخرى “ردع نفسه”.

كيف ترد الولايات المتحدة على التهديد المزدوج الروسي والصيني؟

قي سياق متصل، تظهر الولايات المتحدة أنها حريصة على التحكم في حوارها الاستراتيجي. حيث أعادت واشنطن جدولة إطلاق صاروخ نووي Minuteman III مرتين، وكان كالآتي: أولاً تم إطلاقه في مارس حتى لا تؤجج التوترات مع روسيا، ثم في أغسطس لاسترضاء الصين بعد زيارة نانسي بيلوسي إلى تايوان.

خلال الحرب الباردة، كان الردع الأمريكي “مصمّمًا خصيصًا” لمواجهة روسيا. لكن اليوم هناك خصمان متساويان في القوة. في ذات الصدد، كرّست الصين حتى الآن في عقيدتها مبدأَ “عدم المبادرة بالاستخدام النووي”. بيدَ أنه عملية تحديث ترسانتها، من خلال تقديم المزيد من الخيارات، يزيد من الضغط للتشكيك في تطبيقها للمبدأ، كما أشار نيكولا ليفرينغهاوس، في بيان للمعهد الفرنسي للعلاقات الدولية المنشور في أغسطس. كما قد يؤدي احتمال حدوث أزمة كبرى حول تايوان إلى قيام بكين بمراجعة عقيدتها، وبالتالي عقيدة الولايات المتحدة.

خلال الحرب الباردة، كان الردع الأمريكي "مصممًا خصيصًا" لمواجهة روسيا.
خلال الحرب الباردة، كان الردع الأمريكي “مصممًا خصيصًا” لمواجهة روسيا.

من جانبها، أوضحت تيفين دي شامبشينيل، المتخصصة في معهد البحوث الإستراتيجية للمدرسة العسكرية: “لقد بدأت تطورات العقيدة منذ عدة سنوات”. بالإضافة إلى ذلك، فإن عملية مراجعة الموقف النووي لعام 2018، التي أمر بها الرئيس دونالد ترامب، مفادها إرسال إشارة إلى روسيا والصين، بأنه لن يكون هناك استخدام للأسلحة النووية التكتيكية دون عقاب.

لكن الأسئلة حول مفهوم “الردع المُدمج”، الذي تم إدخاله في الوثائق الأمريكية الرسمية، لم تتلق إجابات بعد. وفقًا لتفسيرات مختلفة، فهي محاولة لمواءمة جميع الأدوات “العسكرية أو الدبلوماسية أو الاقتصادية” التي يمكن أن تساهم في ردع الخصم. ويهدف هذا الدفاع المتكامل أيضًا إلى ترابط حلفاء الولايات المتحدة.

لماذا تخشى اليابان التهديدات الروسية؟

هل تتكيف القوى الأخرى؟

في سياق آخر، دعت أخصائية الدفاع كلوديا ميجور، خلال مؤتمر المجلس الألماني للعلاقات الخارجية DGAP في برلين: “في حين أن الصين تقوم بتسليح نفسها وتعتمد روسيا أكثر على قدراتها النووية، لا يمكن للغرب أن يخضع لأساليب التهديد بسهولة”. وهذا بدأ  قبل الحرب في أوكرانيا، ففي ألمانيا، تتولى الحكومة الآن النقاش حول المشاركة في ردع الحلفاء، وقررت المملكة المتحدة العام الماضي رفعَ سقف تسليحها. وفرنسا تتبع عقيدة “الاكتفاء الصارم”. ولكن، من خلال عدم الاندماج في حلف الناتو، فإنه يفترض “تعقيد حسابات الخصم”.

لا شك في أن استخدام السلاح النووي، يهدّد كل منطقة من مناطق العالم تقريبًا. وأعلنت كوريا الشمالية الشهر الماضي أنها مستعدة “لضربات استباقية” ضد أعدائها. أما على الصعيد الإيراني، فطهران على وشك امتلاك القنبلة، وتهدد بزعزعة التوازن ضد إسرائيل. وفي خضم كل هذا، يخاطر الخطاب الروسي بإنشاء سابقة خطيرة.

هل هناك سبيل للحد من التسلح؟

آليات الحد من التسلح غير مجدية، حيث فشل مؤتمر مراجعة معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية الذي انتهى في أغسطس/آب، في التوصل إلى توافق في الآراء. كما رفضت روسيا تبنّي نصٍّ يذكر غزوها لأوكرانيا.

ومع ذلك، يجب التنبيه إلى أن هذا الفشل دبلوماسيًا، وهذا هو منظوره الصحيح، حيث تتيح المؤتمرات الاستعراضية متابعة التزامات الدول الموقعة فحسب. ناهيك بأن عدم وجود إجماع نهائي لا يمكن أن يكون دليلاً على نجاح محتوى المناقشات.

أعلنت كوريا الشمالية الشهر الماضي أنها مستعدة "لضربات استباقية" ضد أعدائها
أعلنت كوريا الشمالية الشهر الماضي أنها مستعدة “لضربات استباقية” ضد أعدائها

من ناحية أخرى، تم إضعاف السيطرة على الأسلحة، حيث إنه في أغسطس/آب، علّقت روسيا فرص تفتيش المواقع النووية بموجب معاهدة “نيو ستارت”، المعاهدة الوحيدة المتبقية للحد من الأسلحة بين روسيا والولايات المتحدة.

وزعمت موسكو أن هناك خلل، فالعقوبات تعيق تحركات المفتشين الروس. بالإضافة إلى ذلك، تحدّد المعاهدة حدّاً أقصى للترسانات الروسية والأمريكية، يبلغ 1550 رأسًا حربيًا منتشرًا لكل منهما، وعدد قاذفات وقاذفات القنابل الثقيلة إلى 800 وحدة. وهي تفرض جهدًا للشفافية، فضلاً عن ذلك، تم تمديد المعاهدة حتى عام 2026.

وختمت الصحيفة بالقول -نقلاً عن هيذر ويليامز من مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية- إن مستقبل الحد من التسلح يعتمد على نتيجة الحرب في أوكرانيا.

هنري كيسنجر يكشف 3 سيناريوهات لانتهاء الحرب الروسية الأوكرانية أحدها صادم

قد يعجبك أيضاً

أضف تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.