الرئيسية » تقارير » “وطن” في بيت أيمن محيسن.. تنبأ باستشهاده والتقط الصورة الأخيرة ثم رحل برصاصتين

“وطن” في بيت أيمن محيسن.. تنبأ باستشهاده والتقط الصورة الأخيرة ثم رحل برصاصتين

وطن – بعد انتهاء حفل تخرج ميرال من الروضة، دعا أيمن زوجته وأطفاله الثلاثة لالتقاط صورة تذكارية لهم، رفضت زوجته في البداية لكنه أصر عليها قائلا لها: “ما بتكتمل الصورة إلا فيكِ، هاي الصورة بدي أكبرها ونعلقها في الدار”، وكأنه كان يعلم أنها الصورة العائلية الأخيرة التي سيقف أمامها أطفاله يستذكرون والدهم الذي قرر قناص إسرائيلي إنهاء حياته.

ميرال الابنة الكبرى للشهيد أيمن محيسن

أيمن محيسن (29 عاما) شهيد فلسطيني آخر وليس أخير، يسقط في حواري مخيم الدهيشة جنوب شرق بيت لحم جنوب الضفة الغربية، بعد إصابته برصاصتين دخلتا من نفس المدخل، واحدة أصابت الرئتين والأخرى أصابت القلب بشكل مباشر، كما أكدت مصادر طبية في مستشفى الحسين بمدينة بيت لحم.

وطن التقت عائلته المهجرة من قرية عرتوف غربي القدس عام 1948، وتحدثوا عن أيمن.. صفاته ودماثة خلقه وغيره، حيث يجمع والده أحمد محيسن (68 عاما) ووالدته سميحة محيسن (60 عاما) على طيب قلبه ونقائه، فلم يعادي أحدا في حياته، وكان قريبا من القلب “يزيل الهم من النفس” بنكاته وروحه الجميلة.

أحمد وسميحة محيسن والدا الشهيد أيمن

وأيمن كغيره من شباب الضفة الغربية لم يسلم من الاعتقال في سجون الاحتلال الاسرائيلي، فاعتقل مرتان، الأولى عند عمر 15 عاما وأطلق سراحه بعد 20 شهرا، ولم يمضِ شهران حتى أعيد اعتقاله ليقضي حكما بالسجن مدة 15 شهرا.

أيمن المقدام الذي لم يهب السجن والسجان، خضع لتحقيق قاسٍ مدة 41 يوما، ومن شدة التعذيب نقل إلى المستشفى بعد إصابته بفيروس في الدم، ومياه على الرئتين، وتشنجات عصبية، كما أكد شقيقه أيسر محيسن (31 عاما).

تزوج أيمن من زوجته فاطمة محيسن (26 عاما) التي ما بدأت الحديث عنه وعن صفاته الطيبة حتى اختنقت عبراتها حزنا وكمدا واشتياقا. فتصف سنين عمرها معه: “9 سنوات عشتهم معه على الحلوة والمرة.. مش رح أقدر أنسى ولا ذكرى.. اللي يقدرني على تربية الأولاد زي ما وصاني”.

ميرال وبراء وإيلان.. أطفال الشهيد أيمن

سكن أيمن وفاطمة في بيتٍ ملاصق لمنزل والديه، لكنه كان دائم التردد على أبيه وأمه، لا يحلو له فنجان القهوة صباحا إلا معهما، لا يهنأ بالطعام إلا إذا نقله من بيته إلى بيت والديه وتناولوه معا، حيث تصف أمه عطفه وحنانه قائلة: “يجي علي من الصبح يقبل رأسي وراس أبوه ويشرب القهوة معنا، يساعدني في أعمال البيت والطبخ، كان الصغير المدلل الأقرب إلى قلبي”.

لم يقوَ أيمن على الأعمال الشاقة لإصابته بجلطة قلبية قبل عام ونصف من استشهاده، لذا قرر أن يعمل مع شقيقه أيسر في كشك صغير لبيع المشروبات الساخنة عند مدخل مخيم الدهيشة.

بعد إصابته بالجلطة، كثيرا ما كان يحدث زوجته وأهله ويقول: “الحمدلله انني لم أمت بالجلطة، أنا أطمح لموت شريف”.

أوصى أيمن زوجته وعائلته بأطفاله الثلاثة ميرال (6 سنوات)، براء (5 سنوات)، إيلان (عامين)، مستشعرا قرب استشهاده، قائلا لأخيه أيسر: “والله اني شايفها قدامي” يقصد الشهادة، “بوصيك على الأولاد يخوي”.

وكان دائم يقول لوالدته: “يما انت رح تصيري أم الشهيد لا تبكي بدي تزغردي يوم يجيبوني الك بالنعش”.

وعن صورته في النعش مرتديا بدلته العسكرية قالت زوجته: “قبل استشهاده بيوم طلب مني إخراج البدلة العسكرية من خزانة الملابس وقال لي: “هاي البدلة لبسوني اياها لما استشهد.. انت رح تصيري زوجة الشهيدة، بدي اياكِ تضلي رافعة راسك”.

تشييع الشهيد أيمن محيسن

فجر يوم الخميس 2/6/2022 اقتحمت قوات الاحتلال الإسرائيلي مخيم الدهيشة للاجئين لاعتقال مطلوبين حسب وصفها، فيما جرت مواجهات كالعادة بين الشبان الذين خرجوا للتصدي لاقتحام المخيم، في تلك الأثناء كان أيمن يقف بالقرب من أحد نوافذ بيته ليتفاجأ بأحد الجنود خارج منزله يطلب منه إغلاق النافذة، ليتحداه أيمن قائلا: “أنا واقف جوا بيتي .. انت روح من هون”!

بعد ذلك انسحبت قوات الاحتلال إلى أطراف المخيم، ليخرج أيمن وغيره من الشبان إلى الشارع رغم محاولة منع زوجته له من الخروج، وما هي إلا لحظات حتى أصيب أيمن برصاصتين قاتلتين أطلقها اتجاهه أحد القناصة الاسرائيليين، ليصيبه في مقتل، ويرتقي شهيدا على أرض مخيمه الذي أحبه.

شيع أيمن الآلاف في جنازة مهيبة جابت شوارع مخيم الدهيشة، ودفن في مقبرة الشهداء في بيت لحم.

في ساحة المنزل يقف طفله الصغير إيلان بجانب صورة والده يدق عليها بشدة، أما براء وميرال فيقولون إن والدهم صار في الجنة، وستبقى لهم الصورة العائلية الأخيرة في حفل تخرج ميرال.

اقرأ ايضا:

قد يعجبك أيضاً

أضف تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.