الرئيسية » تقارير » فرنسا تعلن انتهاء عملية برخان في الساحل الإفريقي.. فهل يتكرر السيناريو الأفغاني في مالي ؟!

فرنسا تعلن انتهاء عملية برخان في الساحل الإفريقي.. فهل يتكرر السيناريو الأفغاني في مالي ؟!

وطن- في خضم تكاثف العمليات الجهادية، التي أودت بحياة أكثر من 2300 شخص هذا العام، أعلنت فرنسا عن انتهاء عملية برخان، التي أطلقتها عام 2014، بهدف التصدي للهجمات الجهادية ومكافحة التمرد في منطقة الساحل الإفريقي.

وحسب القرار الفرنسي فإن باريس ستستغني عن 40% من جنودها الموجودين في منطقة الساحل الإفريقي- وفق التقرير الذي نشرته صحيفة “البايس” الإسبانية- البالغ عددهم بالأساس 5100 جنديا اعتبارًا من عام 2022.

هذا الإجراء سيؤدي لا محالة، إلى بث القلق والفوضى في هذه المنطقة الإفريقية، التي تغلغل فيها النظام الجهادي، خاصة بعد مقتل أكثر من 2300 جندي، هذا العام وفقًا لبيانات منظمة Acled غير الحكومية.

عملية برخان

عملية برخان هي عملية جارية لمكافحة التمرد في منطقة الساحل الأفريقي، بدأت في 1 أغسطس 2014، وتتألف من 3000 إلى 4500 جندي فرنسي واتخذت في نجامينا عاصمة تشاد مقراً دائما لها.

وقد تم تشكيل العملية مع خمسة بلدان، والمستعمرات الفرنسية السابقة، التي تمتد في منطقة الساحل الأفريقي: (بوركينا فاسو, تشاد, مالي, موريتانيا و النيجر) هذه البلدان المشار إليها إجمالا باسم “جي 5 الساحل.” وفق ويكبيديا.

وعلى الرغم من أن هذا الإجراء، إلا أنه لا يعد انسحابًا تاما، كما أن فرنسا، مازالت مستمرة في لعب دور مهم في مكافحة الإرهاب في منطقة الساحل- تقول المجلة الاسبانية- لكن يبقى  هناك تخوف من أن الجماعات المسلحة المرتبطة بكل من القاعدة والدولة الإسلامية (داعش)، يمكن أن تصبح أكثر فاعلية من خلال الاستفادة من تراجع الوجود العسكري الفرنسي، في مالي وبوركينا فاسو والنيجر، حيث سيَمكنها هذا الانسحاب، من ترتيب صفوفها للسيطرة على المنطقة. حسب التقرير الذي ترجمته “وطن”.

الاستغناء عن عملية برخان

على الرغم من أن التفاصيل الخاصة بنهاية عملية برخان، ليست واضحة تمامًا، إلا أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، أعطى بعض المؤشرات في مؤتمر صحفي في منتصف يوليو الماضي، وأكد أنه سيتم سحب جزء من القوات الفرنسية، وسيقع تخفيضها من 5 آلاف جندي إلى 2500 او 3 آلاف جندي، كما سيتم إغلاق مقر عملية برخان، الذي يقع في إنجامينا، عاصمة تشاد، لكن ستُبقِى فرنسا، على فرق المعلومات والقوات الخاصة.

وفي هذا السياق قال ماكرون، ” ليست لدينا نية البقاء إلى الأبد في منطقة الساحل الإفريقي”.

هناك عوامل متعددة وراء هذا التخفيض في القوات الفرنسية، منها  استنزاف وإنهاك الجنود، بعد ثماني سنوات من الانتشار، الذي أسفر عن مقتل 55 جنديا فرنسيا، بالإضافة إلى أنه لم يكن هناك قدرة، على تحقيق إنجازات واضحة ضد تقدم الأطراف الجهادية، التي تسببت في ظهور فوضى وعنف شديد في المنطقة.

في المقابل، إذا كان جزء من الرأي العام والطبقة السياسية الفرنسية، يشككون بشكل متزايد في وجود القوات الفرنسية في الساحل الإفريقي، التي تعتبر قضية رئيسية، خاصة مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية، فإن المشاعر المعادية لفرنسا تتزايد شيئا فشيئا في دول الساحل الإفريقي. في الأشهر الأخيرة، أدى حدثان إلى تسريع خطط الانسحاب، وهما الانقلاب المزدوج في مالي ومقتل الرئيس التشادي إدريس ديبي، أحد آخر حلفائها في المنطقة، وفي الحقيقة، لا يساعد عدم الاستقرار وانعدام الشرعية في كلا النظامين، على البقاء.

عملية تاكوبا تدخل على الخط

في محاولة لطمأنة شركائه الأفارقة، سيسافر رئيس أركان الجيش الفرنسي، الجنرال تييري بوركارد، إلى تشاد والنيجر ومالي، في نهاية هذا الأسبوع، كرسالة غير مباشرة على استمرار الالتزام العسكري الفرنسي في المنطقة.

ولسد الفراغ، الذي سينشأ بعد خفض القوات في عملية برخان، أكد المتحدث باسم القوات المسلحة الفرنسية، أنه سيتم استبدالها بعملية تاكوبا، وهي قوة دعم أوروبية تم إنشاؤها عام 2020، بمشاركة أكبر الجيوش الوطنية.

في هذا السياق، يقول مارك أندريه بوافار، المتخصص في الشؤون العسكرية في منطقة الساحل، “لقد كانت عملية برخان أساسية في الحرب ضد الإرهاب، كما أنها أثبتت مدى قدرتها على محاربة الأطراف الإرهابية في المنطقة، وسيترك انسحاب بعض من قواتها فراغًا كبيرا”.

وفي الحقيقة، يثير رفض دول مثل ألمانيا و إسبانيا، المساهمة بقوات عسكرية  في عملية تاكوبا، والتي تقلص عددها حاليا إلى  700 جندي، نصفهم فرنسيين والبقية، تعود إلى قوات من السويد وإيطاليا وإستونيا والتشيك، حالة من عدم اليقين، حول قدرتها الفعلية في محاربة الإرهاب. ووفقًا لـبوافار، “في الوقت الحالي،لا يمكن استبدال عملية برخان بعملية تاكوبا”.

على خطى أفغانستان

هل السيناريو الأفغاني ممكن؟ بالنسبة لأورنيلا موديران، الخبيرة في معهد الدراسات الأمنية (ISS)،” لن يكون هناك انسحاب تام للقوات الفرنسية، ولن تغادر فرنسا منطقة الساحل، إنها تقوم فقط بتقليص حجم وجودها. بالإضافة إلى أن هناك تطور منطقي تنتهجه فرنسا، شبيه بالانتقال من عملية سرفال إلى برخان في عام 2014. وحتى لو قررت فرنسا الانسحاب تمامًا، فستفعل ذلك بشكل تدريجي وعلى المدى الطويل جدًا “.

من جهته، أوضح بوافار، أنه لا يمكن مقارنة الجماعات المسلحة في منطقة الساحل بحركة طالبان. وقال “لقد ظلت طالبان  في السلطة لعدة سنوات وهي حركة متماسكة جدا، بينما هنا لا يوجد تفاهم أو تواصل بين الفصائل المختلفة”.

في سياق متصل، يعتقد باكاري سامبي، مدير معهد تمبكتو، أن الأحداث في أفغانستان سابقة خطيرة. كما أن نيران الحرب الغربية، سوف تهدأ قريبا ضد الحركة الجهادية. كما أضاف أنه “على الرغم من مرور سنوات عديدة،  تضافرت فيها الجهود للقضاء على الإرهاب، إلا أن الجميع الآن يتساءل عن الغرض، التي كانت الولايات المتحدة موجودة لأجله في المنطقة. والأسوأ من ذلك، هناك مسألة مصداقية مطروحة على الطاولة”.

كما أفاد أنه ” على الرغم من أن فرنسا تعارض بصفة جذرية، فكرة الحوار مع الجهاديين في منطقة الساحل، إلا أنها الآن تتفاوض وتتحاور مع طالبان، التي جعلت من سيطرتها على أفغانستان، بمثابة تعزيز نفسي، يثبت أن إقامة  الدولة الإسلامية، في مالي أمر ممكن”.

في الحقيقة، يتفق جميع الخبراء على ضعف الجيوش الوطنية في مواجهة التحدي الجهادي،  خاصة مع انعدام الدعم العسكري الخارجي. في هذا الشأن أورد بوافار، “لقد أحرز الجيش المالي تقدما ضئيلا، لكن هناك الكثير من العمل الذي يتعين القيام به”.

وتُعزى بعض هذه التطورات، إلى بعثة التدريب الأوروبية، الموجودة منذ عام  2013 في المنطقة والتي تلعب فيها إسبانيا دورًا حاسمًا، ولكن لطالما كان هناك شكوك حول فعاليتها.

من جهتها، نوهت موديران، أنها تخشى أن ترتكب عملية تاكوبا نفس الأخطاء. وقالت في هذا الصدد، “لكل دولة أوروبية، عقيدة عسكرية مختلفة، وهذا هو أحد التفسيرات لفشل بعثة الاتحاد الأوروبي، في إصلاح جيش لا يعمل بطريقة متماسكة”. أما بالنسبة إلى بوافار، سيستغرق الأمر وقتًا أطول حتى تكون التغييرات مرئية وشاملة بما يكفي. والجدير ذكره أن بعثة الاتحاد الأوروبي التدريبية في جمهورية أفريقيا الوسطى، تُخطط للتوسع في النيجر وبوركينا فاسو.

لقد أعطت القوات المسلحة في بوركينا فاسو، التي لم تتغلب تمامًا على جرح الانقسام العميق لانتفاضة 2014، الفرصة لظهور الجهاديين بصفة كبيرة، ويبدو أن الجيش النيجيري، هو الوحيد الذي أبدى استعداده لمقاومة لهَجماتهم. وخلصت موديران إلى أنه “حتى في هذه الحالة، فإن التحديات التي تواجهها هذه المنطقة هائلة، لأن التهديدات تتضاعف عبر جميع حدودها”.

كما أن جهود التنسيق بين هذه البلدان الثلاثة بالتعاون مع تشاد وموريتانيا، والتي أسفرت عن إنشاء مجموعة دول الساحل الخمس، لم تسفر أيضا عن النتائج المتوقعة. في الأسبوع الماضي، اجتمع وزراء دفاع هذه الهيئة في نيامي، لمراجعة استراتيجياتهم الخاصة بنهاية عملية برخان، وقرروا تكثيف العمليات المشتركة، والتركيز على منطقة الحدود الثلاثية، بين بوركينا فاسو والنيجر ومالي.

وعلى الرغم من ذلك، مازالت هناك مشكلة، حيث يبدو أن النظام العسكري في مالي، الذي وعد بإجراء انتخابات رئاسية في فبراير 2022، لإعادة السلطة إلى المدنيين، غير قادر على الوفاء بهذا الالتزام.

في الأثناء، سيزور الوسيط الإقليمي غودلاك جوناثان، باماكو هذا الأسبوع، للضغط على قادة الانقلاب بقيادة أسيمي غويتا. لكن في حين أن افتقار النظام المَالي للشرعية، يقوض الاستجابة المشتركة للجهادية، فإن الإرهابيين يُظْهِرُونَ أسبوعًا بعد أسبوع، قُدرتَهم على القتل بهجمات مستمرة على الوحدات العسكرية والسكان المدنيين.

ختاما، إن نهاية عملية برخان، التي تمثل  القوة العسكرية الوحيدة، التي تمكنت من تحقيق أهداف محدودة نوعا ما في هذه المعركة، تفتح سيناريو مليء بالمجهول في منطقة الساحل الإفريقي.

قد يعجبك أيضاً

أضف تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.