الرئيسية » الهدهد » تقرير يكشف خفايا الصراع في شرق السودان وقصة خطاب العنصرية وفلول نظام البشير

تقرير يكشف خفايا الصراع في شرق السودان وقصة خطاب العنصرية وفلول نظام البشير

لم تكن البداية الحقيقية لأزمة شرق السودان عندما انطلقت الاشتباكات العرقية في ولاية القضارف قبل أكثر من عامين.

ولم يكن هذا الصراع بالمؤثر الرئيس على الأزمة التي تطاول أمدها واتسعت رقعتها لتشمل لاحقا مدينتين أخريين هما بورتسودان وكسلا في ذات الإقليم المثقل بالجروح التي لم تجد من يضمدها ويعالجها بصورة نهائية.

نحاول هنا أن نبين حقيقة الأزمة في الإقليم بعيدا عن الأزمة المتخيلة في أذهان مجموعة غير مؤثرة تحاول جاهدة أن تعظم شأن قدر كبير من الأخطاء والمغالطات وتجعل منها “قضية” و”مشروعا”.

هذه المجموعة ليست كيانا سياسيا بالضرورة، وليست أيضا مجموعة عرقية، بل هي مجموعة تمثل كل من تبنى هذا النهج “العنصري” وسعى لتمريره.

إقليم شرق السودان

منذ أكثر من عامين وإقليم شرق السودان يعاني من أزمة لم تعرف لها حلول ولم تجتهد الجهات المسؤولة لمعالجتها بشكل نهائي يضمن إيقاف شلال الدم وتعزيز السلم المجتمعي بين أبناء الإقليم الذين عانوا الأمرين جراء صراع لم يألفوه من قبل.

اقرأ أيضاً: “ترويج للزندقة”.. “شاهد” كيف انتفض الداعية السوداني محمد الأمين اسماعيل ضد رفع راية العلمانية

بدأت الأزمة في القضارف ومنها إلى بورتسودان وكسلا وهما المدينتان اللتان بات وصف “الصراع” مقرونا بذكرهما عوضا عن صورة سابقة كانت قد تشكلت المجتمع السوداني بأنهما قبلة للقاصي والداني ومدخل للتعرف على إقليم الشرق وتقاليده المتعددة.

أزمة الاقتتال القبلي في كسلا وبورتسودان ما كانت لتشكل خطرا حقيقيا يهدد وحدة الإقليم، ولكن اقترانها بخطاب “الكراهية” و”العنصرية” أدى لإطالة أمدها.

تسبب ذلك في مقتل العشرات من السودانيين، الذين أضحت حياتهم عالقة بين فكي كماشة الانفلات الأمني والخطاب العنصري الذي يقوده فلول نظام المخلوع عمر البشير.

دور واسع وجده القادة القبليون في المرحلة الحالية وباتوا شركاء في العملية السياسية بشكل يتعارض مع مهامهم التي ليس من بينها التدخل في الشأن السياسي.

مدخل أول: صراع الهوية

وحسب تقارير سابق، ذكرت في تقرير سابق وصفا للأزمة الحالية في شرق السودان يبين كيفية اتجاه فلول نظام المخلوع عمر البشير لاستنساخ “محرقة دارفور” في الشرق عبر اللعب على أوتار الهوية والتاريخ والأصل.

وهذه مفردات لا تأثير لها في المجتمع المدني الحديث الذي لا يأبه كثيرا بأصلك وهويتك بقدر ما تتحكم فيه المنجزات الآنية الشخصية.

اقرأ أيضاً: القبيلة والسياسة في السودان.. سنوات السطوة والنفوذ!

كما أنها المعيار الحقيقي لتقييم الأشخاص وكذاك المعيار الوحيد لتوزيع الفرص في شتى المناحي والخدمة المدنية جزء منها بطبيعة الحال.

نظام عمر البشير ومسميات جديدة

استحدث فلول نظام المخلوع مسميات جديدة حاولوا من خلالها خلق نفوذ جديد لهم بعد أن نزعت الثورة منهم السلطة، إنشاء ما عرفت بـ “المجالس القبلية” كان النهج الأكثر وضوحا لفلول نظام البشير في الفترة السابقة.

وبرزت هذه الخطوات بشكل واضح في إقليم شرق السودان إذ نشأ تنظيم جديد عرف باسم “مجلس نظارات البجا” ويخيل للوهلة الأولى إلى قارئ هذا المسمى أن هذا المجلس يعبر عن “البجا” وهذه أولى المغالطات التي سنبين نقيضها في هذا التقرير

هذا المجلس لا يعبر بصورة حقيقية عن إقليم البجا الذي يضم عددا من القبائل التي لم ينخرط زعماؤها في هذا المجلس الذي لا يضم إلا “ناظرا” واحدا هو “محمد الأمين ترك” ناظر الهدندوة.

وهم بالطبع جزء من الإقليم وليسوا كل الإقليم، هذا المجلس أقرب لكونه مجلسا سياسيا يمثل ترك وتوجهاته السياسية.

وليس هذا عيبا فمن حقه أن يعبر عن آرائه وأفكاره ما لم يكن فيها تعد على حقوق أو استهداف عنصري.

لكنه اختار أن يتبنى خطابا ينشر عبره مشروعا يخدم أجندة نظام المخلوع وعبر هذا المجلس عن هذا الخط السياسي أكثر من مرة.

برز هذا المخطط بصورة واضحة في الحشد العنصري الذي أقامه قادة هذا المجلس في مدينة سنكات والذي عرف ب”مؤتمر سنكات”.

وهو الحشد الذي عرضت فيه جملة من المطالب “العنصرية” التي تعزز التفرقة ولا تخدم مصالح الإقليم وتمعن في تعميق أزمته.

فلول نظام المخلوع … سياسيون حول “الناظر”

انخرط فلول نظام المخلوع عمر في العمل على إذكاء نار الفتنة في الإقليم عبر بوابات متعددة.

ومنذ تأسس ما يعرف ب”مجلس نظارات البجا” عمد فلول نظام البشير إلى المشاركة فيه والاستقواء ب”عباءة الناظر” وسعوا لتمرير أجندتهم السياسية عبره.

وهو ما كان واضحا في بيانات “مجلس الناظر ترك وأتباعه” وهي التي وصفت بأنها ترجمة لمطالب هؤلاء السياسيين وخدمة لأجندتهم فالناظر لا يفقه في السياسة التي لا ينبغي عليه أن ينخرط فيها.

والإشارة إلى دور السياسيين في الأزمة لا تعني اعفاء الناظر من دوره فهو من سمح لهم بالانخراط في كيانه والتعبير عنه في الوقت الذي كان لزاما عليه أن يسعى للتوحيد بين أبناء الإقليم على اختلافهم، لا أن يكون هو الممسك بسلاح العنصرية.

اقرأ أيضاً: الأمين العام لحزب المؤتمر السوداني يفتح لـ”وطن” صندوق أسرار الثورة السودانية وملف التطبيع

انخرط في المجلس سياسيون كثر من فلول نظام البشير أبرزهم مساعد البشير السابق “موسى محمد أحمد” والقيادي السابق في حزب المؤتمر الوطني المنحل “سيد أبو آمنة” والقيادي الآخر في حكومة البحر الأحمر “عبد الله أوبشار” وغيرهم كثير من رجالات الإنقاذ الذين وجدوا ضالتهم عند “ترك” الذي بات معبرا عن مصالح “الكيزان”.

أداة فلول نظام عمر البشير

بات “ترك” أداة يحركها الفلول لخلق توترات بين فترة وأخرى في شرق السودان وهو الأمر الذي أكده عدد من زعماء القبائل في شرق السودان بينهم ناظر “الأمرأر” علي محمود الذي اتهم فلول النظام السابق بالسعي لزعزعة الشرق والعبث به.

وهذه الرواية هي الأقرب للصحة خاصة وأن ممارسات “ترك” ومجلسه “العنصري” تحظى بدعم واسع بين أطياف الفلول على اختلافهم فهم يحاولون بجهد أن يوهموا الرأي العام السوداني بأن هذا الناظر هو الممثل “الشرعي” للبجا وللشرق.

والوقائع تبين حقيقة معاكسة تماما، أما الشق العسكري فقد بدى صامتا أمام ممارسات ترك التي بدأت بإغلاق الطرق القومية وانتهت بتعطيل عمل الموانئ غير مرة خلال الأشهر المنصرمة.

هذا الصمت فسره مراقبون بأنه دعم غير مباشر من قبل “العسكر” لترك ومجلسه يمكن أن يوصف بأنه رد جميل لترك الذي بادر بتقديم فروض الطاعة والولاء للمجلس العسكري عقب تسلمه السلطة في 11 أبريل 2019.

إذ ذهب ترك إلى العاصمة معلنا دعمه للمجلس ومانحا إياه -باسم قبائل الهدندوة- التفويض الكامل لحكم البلاد وإدارتها، هذا التفويض لا يعبر بالطبع عن أبناء قبيلته بقدر ما يمثل مصادرة لاسمهم لتحقيق مصلحة تكمن في القرب من السلطة الجديدة

فتنة قبلية أم عنف تمارسه الدولة؟

لا شك أن أزمة الشرق رغم كونها حديثة في مقياس الزمن إلا أن فهمها قد استعصى على كثير من المتابعين وبعضهم كون مواقف وتبنى آراء تأثرت بحملات “التضليل” والكراهية الممنهجة.

ووجدت هذه الأشياء مساحة في منصات التواصل الاجتماعي عبر مجموعات وحسابات متعددة تنشط بصورة مستمرة خلال العامين الماضيين.

كما وتعمل على التفرقة بين مكونات شرق السودان والتمييز بينهم في إطار مشروع يهدف لإيهام الرأي العام بخطر مكذوب صنع في مخيلة أصحابه الذين ما فتئوا يحذرون من “مكونات أجنبية” لا توجد في الواقع وإنما هي حاضرة في أذهانهم فقط، يعمدون بين فترة وأخرى لنشر هذه الرؤية الكاذبة لاستقطاب تعاطف معهم.

اقرأ أيضاً: “السوط لجلد البنات في السودان” .. هل عاد أخطر قانون بعهد عمر البشير!

مؤخرا شهدت بورتسودان أحداثا أثرت بشكل واضح على المدينة ونزعت منها ما كانت تتمتع به من هدوء وسلام، فصارت النزاعات القبلية واقعا مؤسفا مألوفا لدى سكان المدينة على مدى العامين السابقين.

أما السلطة فكان دورها سلبيا فتارة يقف – بعض جنودها- مع  جهة ضد أخرى في خيانة لشرف مهنتهم التي تقتضي حماية الجميع دون استثناء، وتارة  تغيب عن إيقاف نزف الدم ،وتترك الساحة دون تدخل.

من التضليل إلى التهويل

نجح فلول نظام المستبد عمر البشير في خلق انتشار واسع لسياسة “البروباغندا” التي مارسوها عبر الادعاء بأنهم ممثلون شرعيون للشرق.

وبعد توالي الحشود “المصطنعة” التي أقاموها أكثر من مرة مستندين على مجموعات من البسطاء الذين لا ناقة لهم ولا جمل في هذه الأزمة.

بل استخدمهم الفلول عبر استغلال الرمزية والمكانة التي يتمتع بها “الناظر” عندهم، وانتقل الفلول لمرحلة أخرى هي تضخيم شأن حلفائهم في المجلس “العنصري” وتقديمهم في هيئة الأقوياء المتحكمين في مصير شرق السودان.

رغم أنهم يستمدون قوتهم وجرأتهم ممن سهل لهم المهمة ومهد لهم الطريق فتح لهم هذه الأبواب وتركهم دون محاسبة.

ويقع هذه العبء بصورة أولى على السلطة التي تساهلت كثيرا مع ممارسات لا علاقة لها بالاحتجاج ويقودها من كانوا جزءا في نظام الاستبداد المخلوع.

قد يعجبك أيضاً

أضف تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.