الرئيسية » الهدهد » مهدي بوقرّة لـ”وطن”: خليفة الشيباني كان يخلع مكاتبنا ولطفي براهم استقبل في مكتبه “أدمينات” صفحات تشهر له

مهدي بوقرّة لـ”وطن”: خليفة الشيباني كان يخلع مكاتبنا ولطفي براهم استقبل في مكتبه “أدمينات” صفحات تشهر له

“خاص-وطن”  كتب عبدالحليم الجريري- السيّد مهدي بوقرة هو النّاطق الرّسمي باسم النّقابة العامّة للحرس الوطني في تونس، وهي هيكل نقابي أحدث بعيد الثورة سنة 2013، ويضمّ اليوم ما يقرب عن التسعة آلاف منخرط، وقد وقع انتخابه خلال المؤتمر الأخير للنقابة المنعقد بمدينة طبرقة ضمن المكتب التنفيذي في خطّة ناطق رسمي ومكلّف بالمفاوضات مع وزارة الداخلية.

 

صحيفة “وطن الأمريكيّة العربيّة” أجرت حوارا مثيرا مع السيّد مهدي قال لها فيه إنّ العميد “خليفة الشيباني” ومجموعته كانوا يخلعون مكاتبهم في مقرّ آمر الحرس الوطني “لطفي براهم” وبتواطئ وعلم منه -براهم-، كما أكّد أنّ وضع النقابات الأمنيّة لم يشهد انفراجا كالذي شهده في حكومات الإسلاميّين مشدّدا على أنّ عديد النقابيين الأمنيين كانوا مطايا لدى المنظومة القديمة التي استعملتهم لضرب الثّورة تحت الخاصرة ولإعادة التوازن لها من خلالهم.

 

وتكلّم السيد بوقرة في معرض حديثه عن صفحات مشبوهة أدارها “لطفي براهم” بمعيّة “خليفة الشيباني” كانت تشهر له وتبسط الطريق أمامه ليصل إلى منصب رئاسة الحكومة مؤكّدا أنه كان أيضا يستقبل “أدمينات” هذه الصّفحات في مكتبه لمّا كان وزيرا للدّاخليّة، وفي ما يلي نصّ الحوار كاملا:

 

-كيف يمكن أن تعرّف طبيعة العمل النقابي في سلك الحرس الوطني والأدوار الّتي تقوم بها النقابات الأمنية عامّة؟؟

-دور النّقابة كما عرّفها الدّستور التّونسي الجديد هو توعوي بالأساس، من خلال الدّفاع عن مصالح منضوريها المهنية والإجتماعية من منتسبي الأسلاك الأمنية وعناصر قوات الأمن الدّاخلي والمنتسبين لسلك الحرس الوطني، بالنسبة لنقابتنا فإنّ دورنا يرتكز بشكل خاص على الصّعيد المادي مثل تحسين الأوضاع المادية لأعوان الحرس الوطني والعناية بالزيادات في الأجور إلى جانب البعد الإجتماعي من خلال الدفاع عن الزملاء ضدّ كل أشكال الضّيم وغيرها من الممارسات التي قد تتمثل في النّقل التّعسفية وضدّ كل أشكال ديكتاتورية الإدارة بشكل شرعي وقانوني طبعا.

 

-يعني أنكم تقومون بنفس الأدوار التّي تضطلع بها بقية النقابات؟؟

-نعم شأننا شأن النّقابات الأخرى مع التركيز خاصّة على الجانب الإجتماعي بالنظر إلى ما عانته الأسلاك الأمنية طوال عقود من التجويع والترويع والبهتان والظّلم والديكتاتورية وجاء تأسيس هذه النّقابة مثل غيرها من النقابات الأمنية بفضل تضحيات الشّهداء ودمائهم وتجسيدا لمطالبات أعوان الأمن بإطار نقابي للدفاع عنهم.

 

-ولكن لم نسمع بنقابات أمنية تدافع عن أعوان الأمن في دول أخرى، لماذا في تونس فقط توجد نقابات؟

-هنالك سبع تجارب رائدة تقريبا بدول الإتحاد الأوروبي أبرزها فرنسا والبرتغال وهي تقوم بنفس الدّور، أي الدفاع عن منتسبيها وأفراد عائلاتهم مهنيا واجتماعيا ونحن اعتمدنا نفس الفكرة انطلاقا من كون المؤسسة الأمنية هي المؤسسة الوحيدة على مستوى الوزارات التي كان لا يحق لها ممارسة العمل النقابي بالنظر إلى كونها هيكلا شبه عسكري وحاملا للسلاح ومحكومة بعديد الضوابط التي تدفع الدّولة لحرمانه من هذا الحقّ، فلسفتنا هي أننا وبفضل ثورة 14 جانفي تمكّنا من الحصول على الحق النقابي للدفاع عن الحقوق الإجتماعية والمادّية.

 

-ألا تخشون ان يتحول هذا الهيكل النقابي الذي يدافع عن حقوق الأمنيين إلى محفّز لعناصر الحرس على سبيل المثال أو غيرهم من القوات الأمنية لخرق القوانين وارتكاب التجاوزات؟؟ ألا يمكن أن تتحوّل النقابة إلى “محامي شيطان” مع الإعتذار على المصطلح؟؟

-الحقيقة أن هذه المسألة هي الحجّة التي تثيرها وزارة الدّاخلية والإدارات التابعة لها وكذلك منظمات المجتمع المدني لتبرير تخوفّها وتشكياتها من النقابات الأمنية حيث وقعت في السابق تشكيات كبيرة سواء من عدد من النواب أو المديرين العامّين وعدد من الوزراء الذين تداولوا على الدّاخلية سواء في الغرف المغلقة أو على مستوى رئاسة الحكومة والّذين طالما عبّروا عن تذمّرهم من النّقابات الّتي تحوّلت حسب ادّعاءاتهم إلى عصا غليظة تعيق عمل المنظومة الأمنية، وأنا أعتقد أن القضية في جانب كبير منها مفتعلة وغير صحيحة رغم تسليمنا طبعا بوجود بعض التّجاوزات.

 

الحقيقة أن إدارات وزارة الداخلية والقائمين عليها لم يستطيعوا التسليم بالعمل النقابي داخل المؤسّسة الأمنية ولم يتقبلوا أن يجلس النقابيون الأمنيون على طاولة واحدة في مواجهة القيادات الأمنية ومناقشتهم بندّية انطلاقا من دور الهيكل النقابي كقوة اقتراح، والمشكل الأساسي أنهم يرفضون الإستماع إلينا أو مناقشة مقترحاتنا ولا يكلّفون أنفسهم عناء الإستماع إلى ما نقدّمه من أفكار ومبادرات، فعلى سبيل المثال عندما طرحنا  بعض الأفكار المتعلقة بتأمين المناطق الحدودية خاصة مع الجزائر وناقشنا الإدارة في مسألة تعيين بعض القيادات التي تفتقد إلى الخبرة أو التجربة في العمل بهذه المناطق التي تتميز بحساسيتها الشديدة ودقتها الأمنية، رفضوا الإستماع إلى نصائحنا التي ثبتت صحّتها لاحقا، خاصة أيّام الحرب على الإرهاب ومكافحة عمليات التهريب وتسلّل العناصر الإرهابية عبر المناطق الحدودية، هذه الافكار هي وليدة خبرة وتجارب طويلة اكتسبها النقابيون بحكم عملهم الميداني، إذ ثمة فرق كبير بين المديرين والمسؤولين الأمنيين الذين يديرون عملهم من خلف مكاتبهم والنقابيين الأمنيين الّذين يتنقلون بشكل مستمر بين المراكز الحدودية لمتابعة الأوضاع بشكل مباشر والتواصل مع منظوريهم والإستماع إليهم..

 

-عذرا على المقاطعة ولكن هذا الإستطراد لم يجب على السؤال المتعلق بإمكانية تحوّل العمل النقابي إلى مصدر لتشجيع الأمنيين على خرق القانون !

-هذه مشكلة يتسبب فيها الفراغ القانوني، إذ لا يوجد قانون حتى الآن يلزم النّقابة بمجالات تدخل واضحة في علاقتها بالإدارة أو يحدّد صلاحية التدخل المتاحة سواء بالنسبة للإدارة أو النّقابة.

 

-هذا يعني أنه لا يوجد بنود قانونية تجبر النقابات مثلا على التّواصل مع الإدارة لإجبارها على معاقبة بعض الأعوان في حالة قيامهم بإخلالات؟؟

-لا هذا مستحيل طبعا.

 

-ولكننا نسمع عن تدخّل النّاطق الرّسمي للنقابة الأمنيّة في عمل الإدارة من خلال الإدلاء بتصريحات تتضمن معطيات أمنية أحيانا ليس من حقّه الحديث فيها وهو ما يعتبر تجاوزا واضحا لمهامه كمتحدّث باسم نقابة.   

-هذا التجاوز موجود للأسف ويكون إما تعبيرا عن صدق النقابي وسلامة نيّته أو تعبيرا عن بعض النوايا المبيّتة، فعلى سبيل المثال خلال الحادثة الأخيرة التي استشهد خلالها عدد من عناصرنا بالقصرين، إضطررنا للتدخل إعلاميا نتيجة غياب الطرف الرسمي والمكلفين بالإعلام ضمن وزارة الداخلية وعدم تقديمهم إجابات واضحة للرّأي العام وعائلات الشهداء حول تفاصيل الحادث وأسبابه الفعلية وقمنا بالتدخل حتى نوضح أن دماء الشهداء التي سالت كانت نتيجة التّقصير الحاصل من طرف الإدارة، صحيح أن النّقابي ملزم بعدم التّدخل في العمليات الأمنية أخلاقيا وقانونيا لكن عندما تتوجه وسائل الإعلام للسؤال عن عملية أمنية منتهية من حق النّقابيّ إبداء رأيه فيهاها ونحن قلنا مؤخرا عن العملية الأخيرة وبشكل صريح إن الشهداء الذين سقطوا قضوا نتيجة تقصير القيادات الأمنية.

 

-هل يمكننا الحديث عن تسييس للنقابات الأمنية وتدخل للأجندات السّياسية في العمل النقابي؟؟

-تسييس النّقابات الأمنية أمر موجود لكن ما يجب توضيحه أن السياسيين  يخترقون النقابات الأمنية عن طريق بعض الأفراد والعناصر الأمنية ويمكن تفسير هذه الظاهرة بدافعين أوّلهما أن بعض العناصر الأمنية يقدمون فروض الطّاعة والولاء لبعض الجهات السياسية والحزبية أو يكونون مرتبطين بها إيديولوجيا نتيجة افتقارهم لفقه العمل النقابي والإلتزام الوطني، أما الثاني فهو قيام بعض السّياسيين بربط الصّلة مع بعض العناصر النقابية تحت حجة التواصل مع النقابات الأمنية والتعرف على برامجها وإصلاحاتها كمدخل للتغلغل والحصول على معلومات تخصّ القيادات الأمنية والمسؤولين بوزارة الداخلية وأعتقد أن هذه المشكلة تعود إلى ضعف تكوين النقابيين الأمنيين وتواضع رصيدهم من التجربة ما يؤدي إلى جلوسهم مع من هب ودب وتناول أسرار العمل الأمني.

 

-هل هناك أمثلة عايشتموها لتييسس العمل النقابي؟

-هناك مثال مؤسف ويحز في النفس وقع سنة 2016 خلال تدخل النقابي الأمني “الصحبي الجويني” بشكل مباشر في إحدى القنوات التلفزيونية والتي وصف خلالها آمر الحرس الوطني السابق “منير الكسيكسي” بالسّلفي الجهادي ما أربك سلك الحرس الوطني وأحدث فيه شرخا كبيرا، ولابدّ من الإشارة في سياق هذه الحادثة إلى أنه على الرغم من معرفتنا بانتماء السيد “الكسيكسي” إلى عائلة عرفت بانتمائها الى حزب التجمع المنحل إلّا أن هذا التهجم المباشر عليه كان في سياق محاولات للإطاحة به من منصبه بسبب رفضه الإنصياع لتعليمات وأجندات بعض الأحزاب وهو ما دفع السّيد “منير الكسيكسي” إلى تقديم استقالته بعد 24 ساعة من ذلك التصريح نتيجة عدم اتخاذ وزارة الداخلية أو رئاسة الحكومة وكذلك رئاسة الجمهورية أي اجراءات أو مواقف لحمايته من التّهم التي وجهت إليه ولم يتم محاسبة الجويني على تصريحاته وهو ما فسّرناه  بكونه محاولة لضرب سلك الحرس الوطني وإلا فكيف يسمح لنقابي مثل “الصحبي الجويني” ينتمي إلى سلك الشرطة بالتدخل في مسائل سلك لا يتبعه وتوجيه اتهامات بتلك الخطورة لو لم يكن مبعوثا من أطراف بعينها صلب وزارة الداخلية، بناء على تجاذبات كانت حاصلة في تلك الفترة بين سلكي الشرطة والحرس الوطني وهو ما تأكد لنا لاحقا عندما تمت مكافئة هذا النقابي بتعيينه في منصب رفيع بالسفارة التونسية بإيطاليا بعد استقباله برئاسة الجمهورية.

 

-هناك شبهات وإشاعات تحيط بوقوف رجل الأعمال النافذ والمثير للجدل كمال اللطيف وراء النّقابات الأمنية وتمويلها لخدمة مصالحه وأجنداته، كيف تردّون على هذه الأقاويل؟؟

– للأسف هنالك العديد من الأطراف صلب المجتمع المدني تردّد هذه التهمة وتربط نقابات الأمن بكمال اللطيف، أعتقد أن هذا الإتهام  مردود عليه أولا باعتبار أن النقابة العامة للحرس الوطني تأسست بعد عام ونصف من انطلاق بعث النقابات الأمنية وكان الهدف منها هو تكريس استقلالية سلكنا على المستوى النقابي إذ من غير المنطقي أن يفاوض زميل من سلك آخر مثل الشرطة على حقوقنا دون أن نملك حق تمثيل أنفسنا.

 

-طيّب هل تعتقدون إذن بفرضية ارتباط بعض النّقابات الأخرى التي تتبع سلك الشرطة بكمال اللطيف؟؟

-مثل هذه الأقاويل متداولة لكنّي أستبعد ذلك، قد يكون لكمال اللّطيّف شبكة أخطبوطية من العلاقات واللّوبيات من اليمين أو اليسار ولكنني أستبعد أن يقوم بتمويل النقابات الأمنية جملة.

 

-ولكن هناك معلومات عن لقاءات تمّت بين بعض العناصر الأمنية والنّقابية وكمال اللّطيف.

-الأمر هنا يتعلّق ربّما ببعض المنتمين لجمعيات أمنية وكذلك عناصر متقاعدة أو معزولة من السّلك، والبعض ممّن تمّ رفتهم من العمل النقابي تواصلوا مع اللّطيف أو قام بدعوتهم إلى منزله ومكّن بعضهم من مبالغ مالية وقام بتسديد ديونهم لكن هؤلاء لا يمثلون النقابات الأمنية بأي صفة وهذه التصرفات مردّها رغبة البعض منهم في إيجاد حماية لهم في ظل رفع غطاء حماية النقابة ووزارة الدّاخلية عنهم.

 

-ولكن ما الذي يدفع رجلا مثل كمال اللّطيّف لحماية عناصر معزولة لا سلطة لها في الدّاخلية؟؟

-نحن داخل المؤسّسة الأمنية نسمع عن كمال اللّطيف كما يسمع عنه الآخرون ولكن لا نعرفه شخصيا ولا نجد له لونا له ولارائحة على الأقل بالنسبة لنا نحن أعوان الحرس الوطني، فنحن النّقابة الوحيدة الّتي لم تعقد أي لقاء منذ تأسيسها مع أي حزب أو طرف سياسي على الرّغم من أن نقابات أخرى تناقشت مع بعض الأطراف السياسية حول عديد المسائل.

 

-هل تتعرّض نقابتكم إلى ضغوطات من طرف بعض الأطراف النّافذة أو رؤوس الأموال؟

-نقابة الحرس الوطني تتعرض إلى ضغوطات وهرسلة مستمرّة من طرف القيادات الأمنية ولا أستبعد أن تكون ثمّة أطراف أو لوبيات محرّضة وراء هذه القيادات خاصّة في الفترة التّي دخلنا فيها في مواجهة مع بعضها زمن الوزير السابق “لطفي براهم”، وأخص منها بالذكر العميد “خليفة الشيباني” الناطق الرسمي السابق باسم وزارة الداخلية الذي دخلنا معه في معارك حول النُّقل التعسّفية والتعيينات حيث واجهنا كنقابة للحرس الوطني الظّلم والتعسّف والهرسلة من جانب “الشيباني” الذّي مارس علينا شتّى أنواع التنكيل التي بلغت حدّ خلع مقر النقابة وسرقة وثائقنا، وشخصيا كنت من بين الذين نالهم نصيب من هذه الممارسات التي كان العميد “خليفة الشيباني” ينفّذها بتفويض من لطفي براهم لفرض توجهاته وخدمة لأجنداته الخاصّة.

 

-ما طبيعة هذه الأجندات الّتي كان يسعى خليفة الشيباني لتنفيذها بدعم من وزير الداخلية السابق؟

-طبعا هذه الأجندات كانت تعتمد السّيطرة على النّقابات الأمنية حتى تشكّل أداة دعم لبراهم في المستقبل خدمة لطموحاته السّياسيّة الّتي كان أبرزها الوصول لمنصب رئاسة الحكومة حيث طلب منا “خليفة الشيباني” كنقابات أمنية أن نتدخل بشكل واضح لدعم رئيسه “لطفي براهم” في مواجهته التي يخوضها مع بعض الأحزاب السّياسية التي تعرقل وصوله إلى رئاسة الحكومة.

 

-في علاقة بما تحدّثتم عنه الآن، ما صحّة التسريبات والمعطيات الّتي تمّ تداولها عن نية “لطفي براهم”  في تلك الفترة القيام بانقلاب عسكري للسيطرة على السلطة وقد كشف الصّحفي الفرنسي “نيكولا بو” بعضا من تفاصيلها؟

-أودّ أوّلا الإشارة إلى كوني اتّهمت في السابق بأنّني كنت على اتصال مع الصحفي الفرنسي “نيكولا بو” وأنّي التقيت معه ومددته بمعلومات عديدة حول “لطفي براهم” ومخطّطاته وهو أمر مجانب للحقيقة رفعت بمقتضاه قضية عدليّة في الغرض ضدّ الأطراف الأمنية التي قامت بنشر هذه الرواية الكاذبة، ةهذا أوّلا، أمّا ثانيا فأنا أعتقد أنّ ما نقله السيّد “نيكولا بو” محض قراءة خاصّة برغم ما ذكره عن مصدره الإماراتي الّذي أمدّه بالمعلومات، على مستوى موقفنا داخل نقابة الحرس الوطني لا يوجد أدلّة تؤكد هذه الرواية والتفاصيل التي نقلها الصّحفي الفرنسي، لكن ما أستطيع تأكيده هو أنّه ثمة مؤشّرات ظاهريّة في العلاقة مع لطفي براهم، والمعطى الأبرز كان إصرارنا على المستوى النّقابي، على التصدي للتوجهات التي كان ينتهجها الوزير السابق عبر ناطقه الرّسمي “خليفة الشيباني” وقمنا بطرح المسألة أمام “لطفي براهم” بشكل مباشر خاصّة في ما يتعلق بموضوع التعيينات الأمنية والتي كانت في مغلبها تعيينات مغلوطة ومدسوسة ومسمومة.

 

-ما هي أوجه الشبهة التي تعلّقت بهذه التعيينات؟

-كانت هناك شبهات تعلقت بعديد الأسماء المعيّنة والتي لا تستطيع أن تكون مسؤولة عن قطاعات أمنيّة خاصّة في مرحلة ما بعد الثّورة حيث كانت التعيينات محاولة لتكريس العودة إلى المربّع الأوّل من الديكتاتورية وسياسة العصى الغليظة صلب وزارة الدّاخلية.

 

-وماهي الغايات التي استنتجتموها من وراء هذه التعينات بالضبط؟

-النيّة كانت إيجاد قاعدة من القيادات الموالية “للطفي براهم” بما يمكّنه من توظيفها لخدمة أهدافه ومخطّطاته وهو ما مثّل شرارة الصّدام الأولى ضدّه كوزير، وداخل سلك الحرس الوطني ككيان، عبر التّجاذبات والصّراعات الّتي حدثت بين القيادات للمرة الأولى في تاريخ المؤسسة.

 

-هل كان الوزير السّابق يسعى لتكريس حالة من الفساد أو الفوضى المتعمّدة صلب الداخلية؟

-ما أعتقده شخصيّا انطلاقا من تحليل عديد المؤشرات والمعلومات أن تعيين لطفي براهم كان ضمن مشروع ومخطّط وضعا منذ وقت طويل وتجلّت ملامحهما عبر المعطيات التّي تحصّلنا عليها على مستوى النّقابة من أن تعيينه كان تعيينا حزبيّا ولم يمرّ كما جرت العادة عبر الأطر الرّسمية والهيئات السّيادية، وما أكّد لنا هذا التمشي هو أنه بعيد استلامه لمنصبه الوزاريّ بدأت عديد الصّفحات المأجورة على الفايسبوك والتي يشرف عليها عدد من عناصر الامن المقربين منه في الدعاية لصالحه والدعوة لترشيحه للانتخابات القادمة في 2019 وكان يعمد في مناسبات عدة لاستقبال هؤلاء الأعوان بمكتبه طوال ساعات فضلا عن ذراعه الأيمن “خليفة الشيباني” الذي كان يقوم بدور كبير في حملات التعبئة والدعاية لصالحه، ومع مرور الوقت إتّسع مدى نشاط هذه الصفحات التي كان بعضها يدار من الخارج حيث بدأت في التهجم على بعض القضاة ووزير الداخلية السابق “الهادي المجدوب” ومديره للأمن الوطني “عبد الرحمان بالحاج علي” وصولا إلى رئيس الحكومة بشكل تحريضي، ما أكّد لنا طبيعة النّوايا المبيّتة ومخطّط الوصول إلى السّلطة الذي كانت هذه الأطراف تهيّئ له الظّروف.

 

-برأيكم من خلال معرفتكم بشخصية “براهم” هل كان قادرا على تنفيذ انقلاب للسيطرة على الحكم؟

-من سابع المستحيلات أن يكون “براهم” قادرا على تنفيذ انقلاب خاصة في ظلّ التحوّلات التي عرفتها المؤسسة الأمنية بعيد الثّورة حيث أصبح هم أعوان الأمن هو العودة إلى بيوتهم إثر العمل بعيدا عن الصراعات والتجاذبات السياسية وبالتالي فسيناريو انقلاب 7 نوفمبر لم يكن قابلا لأن يتكرّر، يبقى أن الإشكال في رأيي هو التداخل بين السياسي والأمني خاصة مع إصرار عديد القيادات السياسيّة على التّدخّل في الشأن الأمني حيث يتردد بعضهم بشكل دوري على مقرات القيادات الأمنية مثل ثكنة العوينة في نفس الوقت الذي تنادي فيه أصوات أخرى بالبيان عدد واحد وهو ما يؤكد وجود مخططات أو مشاريع من هذا النوع تراود بعضهم.

 

– ماهو تقييمكم كنقابات أمنية لأداء وزير الدّاخلية الحالي؟؟

-السيّد هشام الفوراتي استبشرنا بتعيينه حقيقة خاصّة أنّنا نعرفه منذ أن عمل سابقا كمدير للدّيوانة (الجمارك) وهو إنسان مثابر ويفضّل العمل بعيدا عن بهرج الأضواء والإعلام وهذا عامل إيجابي في حدّ ذاته عكس الأطراف التي كانت في السابق تحبّ “البروبغندا” وتعمل على إحاطة نفسها بالدّعاية حتى بلغ الأمر بالناطق الرسمي السابق خليفة الشيباني للظهور على احدى القنوات بزي الحرس الوطني والإدلاء بتصريحات مسّت بحيادية هذا السلك وولائه الذي يفترض أن يكون للوطن لا للأشخاص.

 

-يقال إن تعيين لطفي براهم على رأس الدّاخلية قوبل برفض من أسلاك ونقابات الشرطة باعتبار أنه كان من قيادات الحرس الوطني ولا يمكن أن يكون وزيرا لكلّ الأمنيين، ما مدى صحّة هذا الكلام؟

-الحقيقة أن براهم ومنذ أن كان آمرا للحرس الوطني أثار كثيرا من المشاكل بسبب قراراته كما عرف بعدائه لنقابة الحرس إلى جانب قراراته التي أحدثت حالة من الخلاف بين قيادات السلك وهو ما أثار مخاوف الإطارات الأمنية عند تعيينه على رأس الدّاخلية، والحقيقة أنّه لا يمكن إنكار أن قيادات ونقابات سلك الشرطة رفضت تعيين براهم بسبب كونه كان آمرا لسلك الحرس وهو سلك تعتقد الشرطة أنّها تفوفقه خبرة واختصاصا، في المقابل كان موقفنا مغايرا حيث رحّبنا بشكل واضح بتعيينه باعتبار أنّه محسوب على سلك الحرس ووضعنا خلافاتنا القديمة معه جانبا وأبدينا استعدادا للتعاون معه على عكس مواقف نقابات أخرى عبّرت عن رفضها المطلق لهذا التعيين وكانت مخاوفها في محلّها لاحقا.

 

-هل تجسّدت هذه المخاوف في تصرّفات لطفي براهم بالوزارة؟

-ممارسات لطفي براهم أضرّت بشكل كبير بالدّاخلية حتى من خلال طريقة إقالته التي مسّت من صورة الوزارة أيضا، وكانت منطلقا لـ”نيكولا بو” لنشر رواية مخطّط الإنقلاب التي يصرّ على أنه يملك مؤيدات تؤكّد صحّتها.

 

-لكن ألم يتحرّك القضاء للبتّ في صحة ما نشره نيكولا بو؟

-القضاء التّونسي تفاعل مع الموضوع ببطء وتمّ نشر إنابة عدليّة في الغرض ولكنّنا على مستوى نقابة الحرس كنّا نفضّل أن يقع تكليف القضاء العسكري بالقضية ما يكفل إعادة الإعتبار للسيّد بو إذا ما ثبتت صحة ما نشر أو معاقبته إذا تبيّن العكس، ذلك أن إدراج القضية بين أروقة القضاء المدني يضر بصورة سلك الحرس الوطني ويلصق بنا تهمة “الإنقلاب” نحن أيضا، ويعيد إلى الأذهان مشاركة قيادة الحرس الوطني في انقلاب 7 نوفمبر 1987.

 

-تعتبر ظاهرة خرق القانون وعدم احترام المواطنين وتلفيق التّهم فضلا عن تلقي الرشاوى المالية أبرز الإشكاليات التي ترتبط بأداء أعوان الأمن فكيف تحاولون معالجة هذه الظّاهرة على مستوى النّقابات الأمنية؟

-كنقابة نحن نعمل على مكافحة هذه الظّاهرة من خلال رفض الدّفاع أو التدخّل لفائدة الأعوان الموقوفين عن الخدمة أو المحالين على مجلس الشّرف بسبب ثبوت خرقهم للقانون أو ارتكابهم لتجاوزات، ونحن على مستوى نقابة الحرس حازمون في التعاطي مع الحالات المتعلّقة بتلقي الرّشوة حتى وإن تعلّقت بشبهة إلى جانب موضوع العنف الذي يرتبط بالضّرب أو الإعتداءات الحاصلة بالمراكز، إذ أنّنا نمتنع عن التدخّل لفائدة الأعوان الّذين تتعلق بهم تهم من هذا القبيل.

 

-يفسر البعض استفحال تجاوزات الأعوان وظاهرة الرّشوة بالمثل العربي الذي يقول “من أمن العقوبة أساء الأدب”، ما رأيك؟

-فعلا وللأسف فإن استفحال ظاهرة الرّشوة خاصّة بين أعوان الأمن يعود إلى ضعف الرّقابة على المستوى الجهوي وتقصير القيادات الأمنية في القيام بحملات التفقّد المستمرّة بالجهات لمراقبة أداء الأعوان، هذا إلى جانب ضعف التكوين وهو أمر أثرناه مع الوزير وقلنا إنّ سببه محدودية برامج تثقيف الأعوان على المستوى القانوني  بسبب ضعف الميزانية التي لا تسمح للأسف بإجراء دورات تكوين وتأهيل مستمرّ برغم دعواتنا إلى تثقيف الأعوان قانونيّا.

 

-ماهي العقوبات الّتي تسلّط على العون عند إيقافه في صورة ارتكابه لتجاوزات؟

-هذا أمر يرتبط بمجلس الشّرف وما سيوجّهه إليه من اتهامات وطبيعة العقوبات التي يقرّرها وصولا إلى الرّفت كما يمكن غلق الملفّ في صورة حدوث بعض التّدخلات المؤثّرة.

 

-ولكن ألا يكرّس هذا الأمر حالة من الفساد صلب الإدارة؟؟

-بالطّبع هذا أمر موجود في ما يتعلّق بالتّدخّلات التي تكرّس ظاهرة الفرار من العقوبة ولهذا طالبنا على مستوى النّقابة بتركيز كاميرات مراقبة على مستوى المراكز مثلا، وغرف الإيقاف وغيرها بما يحدّ من هذه التجاوزات ويكون كفيلا بتحديد الحقائق في صورة وقوع أيّة حوادث، أمّا عن ظاهرة الرّشوة فالمشكل أن هذه القلة من العناصر تسيء إلى سمعة قطاع برمته نتيجة ظنّها أن ابتزاز مبالغ مالية من المواطنين هو حق مكتسب وهي ظاهرة تقع مسؤوليّة مكافحتها على عاتق القيادات من خلال العمل الميداني وليست من مهامنا كنقابات أمنية.

 

-ماهي حقيقة علاقة الحرس الوطني بعملية المنيهلة والتي أثيرت حولها الكثير من الأقاويل والشّبهات وكانت منطلقا لتهم وجهّها المدوّن ماهر زيد للطفي براهم “بفبركة” العملية؟؟

-مع احترامنا للسيّد ماهر زيد الّذي لا أعرفه إلّا أنّ الحقيقة في عملية المنيهلة هي أنّها أضرّت بسلك الحرس الوطني وقياداته على المستوى النفسي والمهني، والإتّهام بفبركة العملية كما يزعم السّيد “ماهر زيد” من خلال قتل 7 مواطنين أبرياء هو لا يتعلق بوزير الداخلية لوحده بل يمس سمعة سلك الحرس الوطني الذي قام بواجبه بالتدخل في عملية إرهابية  وقام بتصفية 7 عناصر إرهابية خطيرة، وفي ظلّ عدم الفصل في حقائق هذه العملية فإن ما نطالب به هو أن يحسم القضاء النّزيه في هذا الجدل من خلال دعوة القيادات الأمنية المسؤولة بمعيّة “ماهر زيد” والإطّلاع على الملفّات والوثائق الكاملة وتحميل كل طرف مسؤولياته.

 

-لكن بغض النّظر عن الفصل القضائي في الموضوع هل تعتقد بصحة سيناريو فبركة العملية؟

-بحكم موقعي وعملي بسلك الحرس فإنّي أمتلك كل المعطيات المتعلقة بعملية المنيهلة ولكن التزاما بواجب التّحفّظ والعامل الأخلاقي والمهني فإني أتحفّظ عن الحديث عن التفاصيل، وكلّ ما أستطيع تأكيده هو أنّ العملية لم تكن مجرد مداهمة أمنيّة بل كانت عملا إستخبارتيا شديد الدقّة والجهد والإعداد الذي استمر طوال ثلاثة أشهر وكان التّنفيذ بتنسيق بين الجانب الإستعلاماتي والإدارات المختصّة بمكافحة الإرهاب، أمّا عن حضور رئيس الحكومة ووزير الدّاخلية لغرفة العمليات أثناء التّنفيذ فقد جاء ذلك قبل خمس وأربعين دقيقة من الهجوم، ونؤكّد في هذا السياق أنّه باستثناء المشاركين في التنفيذ والإعداد من الطّرف الإستخباراتي ومكافحة الإرهاب لم يتدخّل أي طرف آخر في العملية بل إن عديد القيادات من سلك الحرس علمت بالهجوم عبر وسائل الإعلام بما فيها قيادي بأحد الإختصاصات الحسّاسة ، وباعتبار أنّ الملف معروض على القطب القضائي فان القضاء النزيه وحده يستطيع إثبات أن العملية كانت إستخباراتية ولا وجود لشبهات فبركة بشأنها ومن الضّروري أن يفتح القضاء هذا الملف خاصة أنّه منشور للبحث منذ  ثلاث سنوات باعتبار أن حسمه سيردّ الإعتبار لسلك الحرس الوطني بالنّظر إلى أن العملية حظيت بتناول إعلامي كبير محليا ودوليا.

 

– بحسب تقديركم الخاص ماهي أفضل الحكومات التي تعاقبت على تونس منذ الثورة وتميّزت بتعاطيها الإيجابي مع النقابات الأمنية؟

-خلال عهد حكومة حمادي الجبالي تم توظيف بعض النّقابيين الأمنيين لاستغلالهم في محاولات الإطاحة بالحكومة وهذا الأمر لا لبس فيه وأنا كنت شاهدا على اتّصالات أجرتها بعض الأطراف مع الأمين العام لاتّحاد نقابات قوات الأمن الدّاخلي المرحوم منتصر الماطري للمشاركة في تحرك اعتصام الرّحيل بالقصبة إلّا أنّه رفض الإنخراط في هذه الأجندات والتي كانت تحاول استغلال الأمنيين في مخطّطاتها خلال تلك الفترة واجهنا ظروفا صعبة بسبب خروج عدد كبير من العناصر من الخدمة فضلا عن الإشاعات المتعلقة بوصول الإسلاميين للسلطة وتخويف الأمنيين من أنّهم سيكونون عرضة للإنتقام والسجن بسبب ما سلّط على الإسلاميين طوال نصف قرن من حكم المنظومة الديكتاتورية ما تسبّب بقطيعة بين الأمنيّين وحكومات الإسلاميّين، على الرّغم من ذلك فإنّه من الإنصاف في القول إنّه خلال حكومة السيد علي العريض تحصّلت المؤسسة الأمنية على عديد من المكاسب المادية وعديد الإعتمادات الإضافية فضلا عن الزّيادة في أجور الأعوان ومنحهم، أما على مستوى حكومة نداء تونس فقد كانت دائمة التشكّي من النقابات الأمنية الى جانب عديد الأطياف الحزبية والسّياسية الأخرى وهذا الأمر مردّه أنّ النقابات لم تعد خاضعة لسيطرة أي طرف، نحن كمؤسسة أمنية نشدّد  اليوم على الانضباط والإلتزام بقواعد الدّيمقراطية واحترام الصّندوق ونلتزم بالخدمة والدفاع عن رئيس الحكومة ورئيس الجمهورية باعتبار أنهما نتيجة للشّرعية الإنتخابية كما أنّنا سنكون في خدمة أي اسم يصل مستقبلا إلى الحكم بغضّ النظر عن توجهاته السياسية والفكرية مادام جاء مختارا من الشّعب.

 

هذا الفكر نسعى اليوم إلى تكريسه على مستوى القواعد الأمنية على مختلف الأصعدة عبر التّشديد على المخاطر التي تتهدّد الديمقراطية التونسية الناشئة وأهميّة أن يكون عون الأمن محايدا أمام كل التّجاذبات السّياسية وأن يقوم بدوره في كنف القانون وتطبيق التعليمات.

 

ما نطالب به الطّبقة السياسية أن يبتعدوا عن التدخل في الشأن الأمني لتكريس هذا المبدأ والدّفاع عن حياد المؤسسة الأمنية خاصة في ظل بعض الممارسات التي يقوم بها شواذ من العناصر المطرودين من النقابات، ممّن يسعون لخدمة بعض الأجندات من خلال استحداث غطاء جمعياتي لممارسة النشاط عبره والظهور في وسائل الإعلام والحديث في المسائل الأمنية، وإني أشدّد على أنّ الإدارة لا بد لها أن تضطلع بدورها في هذا الشأن وإن اقتضى الأمر تسليط عقوبات على العناصر المخالفة لمقتضيات الحياد أو ممارسة أي نشاط سياسي أو حزبي.

 

-ماهي المصادر التي تأتي منها ميزانياتكم على مستوى النقابة؟؟

-المصدر الوحيد هو المعلوم القار للإنخراط والذي يقدر بـ 1.300 مليم يتمّ اقتطاعها شهريا من رواتب المنخرطين من الأعوان والّتي تمكّننا من تسديد معاليم كراء المقرات والمصاريف الإدارية وخلاص العاملين بالنقابة كما أنّ عملية التصرّف تخضع لمتابعة كل من أمين المال ومراقب الحسابات.

قد يعجبك أيضاً

أضف تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.