الرئيسية » تحرر الكلام » لحومُ العلماء مسمومة!

لحومُ العلماء مسمومة!

  كثير من العامّة يحفظ هذه العبارة الجزئيّة ”لحومُ العلماء مسمومة“ من مقولة للعالم المؤرّخ أبي القاسم ابن عساكر المتوفّى سنة 571 للهجرة -رحمه الله-، وقد كان أشعريَّ المذهب مُخالفا للحنابلة في مسائل عديدة. قال ابن عساكر في كتابه ”تبيين كذب المُفتري“: ”اعلم يا أخي وفّقنا الله وإيّاك لمرضاته، وجعلنا ممّن يخشاه ويتّقيه حقّ تقاته، أن لحوم العلماء مسمومة، وعادة الله في هتك أستار مُنتقصِيهم معلومة، فإنّ مَن أطلق لسانَه في العلماء بالثّلْب، ابتلاه الله تعالى قبل موته بموت القلب، {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} (سورة النّور، الآية 63)“.

   والمؤسف المرفوضُ أنّ أغلبَ مُتداولِي العبارة ”لحومُ العلماء مسمومة“ يحسبونها حديثا نبويّا شريفا!

فإذا سلّمنا بتحريم الغِيبة والنّميمة في حقّ النّاس أجمعين، وقد شبّهها الله تعالى في كتابه الحكيم بأكل لحوم البشر:

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ}

(سورة الحجرات، الآية 12)،،،

 فإنّ ذلك لا يجعلُنا نتقبّل كلّ ما يصدر عن علماء البَلاط وكهَنة السّلاطين من فتاوى وأحاديثَ وخُطب مُغرِضة في هذا الزّمان الّذي تستفحل فيه الفتن وتشتدّ يوما بعد يوم، ولا يمنعنُا من أن نردّ عليهم كلامَهم الخاطئَ وسوءَ نواياهم، وأن نقول لهم قفوا عندكم، فالحقُّ بيّنٌ كالشّمس، والضّلال بيّن كظلام اللّيل، ولا الْتقاءَ بينهما أبدا، فحين يبتدئُ أحدُهما يتعطّل الآخرُ.

لا بأسَ إذًا أن نقول كما قال ابنُ عساكرَ: ”إنّ لحومَ العلماء مسمومة“، ولكنْ لا نقصدُ أولئك العلماءَ المطبّلين للباطلِ والمهلّلين للحكّام المستبدّين البعيدين عن شرع الله وسنّة المصطفى، والمُتّخذينَهما مطيّةً لتحقيق مكاسبَ دنيويّة تتعارض مع أحكامهما. لا نُريد منكم أيّها العلماء المزيّنون لولّاة الأمور أسواءَ أعمالهم فقها في العبادات فقط، بل نريد منكم أيضا فقها سياسيا صحيحا يخدم قضايا أمّتنا المصيريّة. فإنّما العلماءُ الّذين تَسُمُّ لحومُهم آكليها همُ العلماءُ الرّاسخون في العلم الثّابتون على الحقّ في كلّ حال.

بدَل المقولة؛ أنصح نفسي وإيّاكم بحفظ حديث رسول الله ﷺ: [مَن مشى إلى ظالم ليُعينَه وهو يعلم أنّه ظالم، فقد خرَج من الإسلام].

 

عمارة بن صالح عبد المالك

قد يعجبك أيضاً

أضف تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.