الرئيسية » تحرر الكلام » بين حجاب “حلا شيحة” وقضايا الأمة ..!

بين حجاب “حلا شيحة” وقضايا الأمة ..!

كثر الحديث مؤخرًا والنقاش حول تخلي إحدى الفنانات المصريات عن حجابها ونقابها وعودتها إلى التمثيل من جديد؛ من اللائمين لها لتخليها عن زيها الشرعي وعودتها لـ”فتنةالبسطاء وصغار الشباب من الجنسين؛ ومن جانب آخر تدخل داعية مصري فصور فيديو من سيارته بكى فيها عودة “حلا شيحة” للتمثيل .. وبالتالي تركها لأسرتها وزوجها المقيم ما يزال في كندا.

    ومن ناحية أخرى تناول كثير من المسلمين الأمر على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي على أنه أمر “تافه حقير” لا يجوز التعرض له ـ بحال من الأحوال ـ وسط هموم وأزمات ومشكلات الأمة ومن ذلك حال المسلمات في مشارق الأرض ومغاربها المُصاحبة لبكاء الداعية على هجر الفنانة المصرية لزوجها وبيتها.

   وبين الموقفين توجد ثغرات يجب الانتباه إلينا نتناولها في تقريرنا هذا كمحاولة لإحقاق الحق وسدًا لبعض جوانب والقصور والخلل.

   والأمر الأول الذي يجب إقراره هنا أننا سنناقش أمر حجاب الفنانة العائدة للتمثيل بعيدًا عن قضية النقاب وفرضيته من عدمها، فقد كانت السيدة “حلا شيحة” منقبة قبل عودتها إلى الفن مجددً، وأمر النقاب هنا لا يمثل جزء من قضيتنا وإنما الحجاب هو الذي كذلك.

   أما أولئك الذين يقولون: وماذا عن أحوال آلاف المسلمات في مختلف أرجاء الأرض من عربيات مسلمات ومسلمات غير عربيات، وإلا فماذا عن العراقيات والسوريات والمصريات والروهينغيات والأفغانيات .. لماذا يتم التركيز على “شيحة” وتترك كل أولاء السيدات الفاضلات.

   ولهؤلاء نقول إنه يجب التروي أولاء قبل النطق ونشر مثل هذه المقولة، ونذكرهم في البداية بحديث الرسول، صلى الله عليه وسلم: عَنْ سَهْلِ بن سعدٍ، أنَّ النَّبيَّ ﷺ قَالَ لِعَليًّ: “فو اللَّهِ لأنْ يهْدِيَ اللَّه بِكَ رجُلًا واحِدًا خَيْرٌ لكَ من حُمْرِ النَّعم”، متفقٌ عليهِ.

  أي أن افتعال القضية ـ مواحهة أمر عودة الفنانة المصرية إلى التمثيل ومقارنته بقضايا الظلم الواقع على المسلمات في العالم ـ افتعال القضية على نحو المفاضلة على هذه الطريقة أمر يجافي الصواب وفق أبسط قواعد ديننا الحنيف.

  ومواجهة هذه المقارنة باختصار تستوجب تبيين أن الإسلام يحرص على كل مسلم ومسلمة في مختلف أرجاء الأرض؛ وإننا إذ نتمنى العافية لكل المسلمين والمسلمات، بل نتوجه إلى الله بالدعاء أن يعيننا على حماية الجميع واستقرارهم؛ ومن ضمن (الجميع) الفنانة العائدة إلى التمثيل فإنما هي واحدة من المسلمات سواء أكانت تعاني من أزمة خارجية أو محنة داخلية جعلتها تتخلى عن زيها الإسلامي، وتنخرط في “وسط التمثيل” المعروفة ماهيته بعد أكثر من عقد على اعتزاله وتركه.

   وإن كنا هنا لا نتفرغ لمناقشة أمر حل أو حرمة التمثيل، وبالتالي لا نعطي لأنفسنا حقًا بالحكم على أحد والعياذ بالله، إلا أننا ننطلق من أن أمر التبرج أمر نهى عنه ديننا الحنيف، وأن نشر الممثلة وغيرها لصورتها بلا حجاب إنما هو من دواعي فتنة أبناءنا وبناتنا.

   والأمر الثاني الشديد الأهمية هنا هو ان أولئك الذين يعارضون زي هذه الممثلة أو تلك يجب أن تقتصر معارضتهم على ما يمثله هذا الزي من فتنة للمسلمين وشبابهم وألّا يتعدى الأمر إلى الحكم على سلوكياتهن من خلال زيهن؛ فإن الشرع الحنيف الذي أمر المسلمات بالحجاب .. لم يتعرض على الإطلاق للحكم على غير المحجبات بما يُدين سلوكهن؛ بل إن النظرة المُدققة في الأمر تقول بوجوب الحجاب كفريضة إسلامية مع التسليم بأن سلوك المرأة المسلمة مرده في النهاية إلى ربها تعالى؛ وإنما نحن في الدنيا مأمورون بشرح وتبيان أهمية الستر ووجوبه مع حسن الخلق وليس لنا ما خفي من الأمور أو أن نحكم على الآخرين.

   الأمر الثالث هنا الذي يخص الداعية الذي نشر فيديو له يبكي فيه على الهواء على حال السيدة الممثلة العائدة للتمثيل .. هو وجوب تذكيره وأمثاله ألا يخصوا أنفسهم بحالة مثل حالة ممثلة فقط لتذكير الملايين من المسلمين بوجوب الستر؛ بل كان الأجدى أن يهتم الداعية أيضًا بحال المسلمات اللواتي يلاقين العنت والعذاب ويبزر معاناتهن حتى يجيء أمر الممثلة ضمن هذا السياق.

   ومما يخص الداعية أيضًا عدم وجوب نشره أسرار بيت الممثلة العائدة إلى التمثيل الخاصة .. فإن يكن صديقًا لزوجها فإن الأمر لا يعني أبدًا نشر ما خفي من أسرار بيته.

    إننا إزاء قضية فردية تكشف الستر عن وقائع تخص مجتمعاتنا ويجب الانتباه حين معالجتها؛ فلا يجب بأي حال من الأحوال أن يجعل مجتمع من المجتمعات الإسلامية ممثلة سابقة داعية إلى الله دون أن تكون مؤهلة للخوض والتعرض لأمور ديننا الحنيف بالدراسة النظرية والتطبيق العملي؛ وإنه لمن مجافاة الصواب انتهاز شهرة فنانة من الفنانات العائدات لجعلها داعية مع عدم إلمامها الكامل بأمور دينها واحتمال عودتها عن “قرار العودة إل الحجاب”.

    أما ما هو أهم وأخطر فألّا يُنصب البعض من أنفسهم حكامًا على أحد من المسلمين والمسلمات لمجرد تقصير أحدهم أو إحداهن .. فإنما أمورنا جميعًا بيد خالقنا بما فيها قلوبنا يقلبها كيف يشاء .. نسأله تعالى السلامة والأمن والإيمان في الدنيا والآخرة.

قد يعجبك أيضاً

أضف تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.