“لا يتم تكوين عولمة مغايرة عبر تعبئة سياسية فحسب بل كذلك بواسطة سلوك مواطني تضامني في الأعمال الاقتصادية من الحياة اليومية”1[1]
لو اعتبرنا المبحث يندرج ضمن مبحث الاقتصاد الاجتماعي والتعاوني من جهة محاولته مناهضة العولمة في جوانبها الكارثية والتشبيك مع المجتمع المدني العالمي في سبيل إقامة عولمة كونية أكثر عدلا وإنسانية فإن المنوال التنموي المقترح يجب أن يتحرك ضمن المنوال الليبرالي الاجتماعي ما بعد رأسمالي وما بعد كولونيالي يبحث عن دمقرطة الأنشطة الاقتصادية ويعتمد على الحركات النقابية والشبكات الاجتماعية.
من الطبيعي أن تكون للمنظمات النقابية دورا فاعلا في التنمية الاقتصادية على الصعيد المحلي والجهوي وذلك لتوفر مجموعة من العوامل الموضوعية والعناصر التكوينية التي تساعد على تحقيق هذه المهمة الوطنية:
– الحضور الميداني بصورة هيكيلية في مصادر الإنتاج والاقتراب من الوجود الاجتماعي للعمال.
– الاهتمام بالتثقيف العمالي والتكوين النقابي وهو ما يساعد على إيجاد رأسمال بشري منظم.
– امتلاك رصيد نضالي محترم وثقافة حوارية ناجعة والقدرة على الإقناع وتحقيق المطالب.
– المشاركة الفعالة في بناء تحالفات وفاقية والتأثير في القرار السياسي في اتجاه المصلحة العامة.
بيد أن تعثر الحل التنموي وتزايد هجرة الشباب وتوقف الإنتاج في المعامل وتعطل النسق الاقتصادي بسبب ضعف التصدير واختلال موازين الجودة والكلفة والأجور والأسعار بالمقارنة مع البضائع الموردة أدى الى توتير المشهد النقابي واستماتة الطرف الاجتماعي في الدفاع عن منظوريه دون تنسيب للمواقف.
من اللازم تشريك الطرف النقابي في المجهود التنموي والكف عن الاستعداء وكذلك التوقف عن شيطنته والتعويل عليه في تهيئة الظروف المواتية للإنتاج والتوزيع وذلك لما يتصف به من المسؤولية الوطنية.
من المعلوم أن التعددية النقابية هي علامة صحية ولا تمثل عائقا أمام الارتقاء بالوعي الجماعي ولا تؤثر سلبا على جاهزية المؤسسات العمالية في الدفاع على مصالح الكادحين وتفهم ومراعاة المصلحة العامة.
إذا كانت الرأسمالية لا تتطور ولا تحقق الأرباح وتراكم الثروة إلا عن طريق تفقير العالم غير الرأسمالي واستغلال خيراته وموارده الطبيعية والبشرية فإن واجب النقابات هو التصدي للامبريالية انتصارا للعدالة.
زد على ذلك التطور اللاّمتكافئ بين الدول الغنية والدول الفقيرة يفرز وفق النظرية الليبرالية منظومة من التبادل على الصعيد الدولي بين المجموعات المالكة لوسائل الإنتاج تزيد من فقر الفقراء وغنى الأغنياء.
من هذا المنطلق يمكن المراهنة على الهيئات المدنية والمنظمات النقابية في المجهود التنموي وذلك بالكف عن سياسة التهميش والاستبعاد التي تتبعها الأنظمة الحاكمة وتغيير السياسات المنتهجة ضدها وإدماجها ضمن النسيج المواطني والرجوع إلي البحوث والدراسات التي تنجزها والحلول التي تقترحها للأزمات.
على هذا الأساس تضيف النقابات إلى جانب النضال الاجتماعي من أجل تحسيين أوضاع العمال مهمة جديدة وهي الكشف عن سلبيات منظومة التجارة العالمية على استقلال الأوطان وتدعم الاقتصاد الوطني وتتبنى تصورا حمائيا للمؤسسات العمومية وتدافع على خيار السيادة على الثروات والموارد الذاتية. والآية على ذلك هو انتماء النقابات إلى النسيج المواطني للمجتمع المدني وانخراطها العضوي في مقاومة الارتداد والتبعية وفساد الإدارة وحرصها على الشفافية والوضوح والتزامها بالمراقبة والمحاسبة. لذلك” يحافظ الاقتصاد التضامني على علاقات متينة مع الرأسمال الاجتماعي في أبعاده التكاملية ومن الثقة”2[2].
ماهو مطلوب من النقابات هو ممارسة النقد الذاتي بشكل مستمر والتخلص من الأساليب البيروقراطية في التسيير واعتماد الديمقراطية التشاركية مع الهياكل ومقاومة الفساد في الداخل وتقوية المراقبة والمحاسبة والانتقال من المطلبية المشروعة إلى المشاركة في الحوكمة الجيدة وتحمل المسؤولية الاجتماعية كاملة.
لكن كيف تتعامل الدولة الوطنية مع الشرائح الاجتماعية الهشة والتي أفرزتها التجارب التنموية القاصرة؟
الاحالات والهوامش:
[1] Laurent Fraisse, changement social, in Dictionnaire de l’autre économie, sous la direction de Jean-luis Laville et Antonio David Cattani, Desclée de Brouwer, Paris, 2005 , p93.
[2] Antoine Bévort et Elisabetta Bucolo, Capital social, in Dictionnaire de l’autre économie, op.cit,p82