قالت “سارة ليا ويتسن”، المديرة التنفيذية لقسم الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بمنظمة “هيومن رايتس ووتش” إنّ الأمير محمد بن نايف الذي قابلته عام 2006 في السعودية وكان حينها مساعداً لوزير الداخلية للشؤون الأمنية لايرى أي مشكلة في الاعتقالات التعسفية أو خارج إطار القانون التي طالت الآلاف من السعوديين المتطرفين لإعادة تأهيلهم ولا يتم الإفراج عنهم إلا بعد أن يعلن كبار رجال الدين توبتهم.
وهذا العام، 2017، انقلبت الطاولة على محمد بن نايف. فبعد الإطاحة به من منصبه ليحل محله الأمير محمد نجل الملك سلمان تلقى صفعةً أخرى في يونيو/حزيران بمنعه من السفر، وأُخضِع عملياً للإقامة الجبرية؛ وفي نوفمبر/تشرين الثاني، جُمِّدت حساباته المصرفية.
وتقرر تجميد أكثر من 2000 حساب مصرفي مما أثار قلقاً من أن تلحق الحملة ضرراً بالاقتصاد. لكن الحكومة أكدت أن شركات رجال الأعمال الموقوفين ستستمر في العمل كالمعتاد.
وشن ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان حملة اعتقالات طالت أكثر من 200 من الأمراء والوزراء السعوديين وكبار رجال الأعمال في إطار حملة مكافحة الفساد.
قال بن سلمان في تصريحات سابقة إن الغالبية العظمى من حوالي 200 من رجال الأعمال والمسؤولين الخاضعين لتحقيق واسع في الفساد يوافقون على تسويات يسلمون بموجبها أصولاً إلى الحكومة.
وأضاف “نكشف لهم ما لدينا من ملفات، وبمجرد أن يروها يوافق حوالي 95 في المئة على تسوية” وهو ما يعني التوقيع على التنازل عن مبالغ نقدية أو أسهم في شركات للخزانة العامة.
بن نايف يشرب من نفس الكأس
وتقول “ويتسن” في مقال لها نشرته صحيفة “نيويورك تايمز” الأميركية ان ما حدث في حملة بن نايف قبل سنوات ضد التطرف بعدم تمرير عمليات التوقيف على القانون يحدث الآن مع بن نايف نفسه لكن هذه المرة، كانت نابعةً من أهواء ابن عمه، ولي العهد محمد بن سلمان.
وتضيف: قد يشير البعض إلى ذلك باعتباره عاقبةً له على ما فعله. لكن بعد موجة التوقيفات والاعتقالات الأخيرة لأكثر من 200 سعودي متهمين على نحوٍ غامض بالفساد – بينهم رجال أعمال، ومسؤولون حكوميون وأمنيون، وأعضاء في الأسرة الحاكمة – سيكون من الأفضل فهم الأمر باعتباره مؤشراً على ما سيكون عليه مستقبل كافة المواطنين السعوديين، النافذ منهم والمغلوب على أمره على حدٍ سواء.
وتقول ويتسن إن النخب السعودية أدركت للمرة الأولى ربما، أنَّها قد تخضع هي أيضاً لنفس المحاكمات الجائرة غير القانونية التي كانت مُخصَّصة في معظمها سابقاً للمعارضين ومن يُشتبه بكونهم إرهابيين.
وتؤكد ويتسن أن السعودية تفتقد لوجود قانون عقوباتٍ مكتوب. ولذا يمكن لأي قاضٍ أن يدين شخصاً بمجموعة أمور لا تُمثِّل جرائم، مثل “السحر” أو “الشعوذة”، أو جَلْد مُدوِّن وسجنه 10 سنوات بسبب “إهانته للإسلام”
إلا أن السعودية دائماً ما تؤكد أن الموقوفين سيتم التعامل معهم وفق الإجراءات القانونية الواجبة بحسب ما أكد السفير السعودي لدى الأمم المتحدة عبد الله المعلمي في وقت سابق والذي قال للصحفيين في الأمم المتحدة “أستطيع طمأنتكم بأنه سيجري اتخاذ الإجراءات القانونية الواجبة ضد كل المحتجزين”
نخبة ظلت محصنة
وترى ويتسن أن النخب السعودية ظلت طويلاً مُحصَّنةً من أسوأ مواطن الخلل في ذلك النظام الوحشي. وسمحت لهم ثرواتهم وحريتهم في السفر – أحياناً بفضل امتلاكهم جواز سفرٍ ثانٍ في المتناول من إحدى الدول الغربية – بالهروب من القيود الاجتماعية والسياسية والدينية لمنازلهم في الرياض. والآن يدركون أن لا أحد في مأمنٍ حقاً حين لا تكون هناك قوانين أو مؤسسات لحمايتهم.
وترى ويتسن أنه ليس من قبيل الصدفة أنَّ أولئك المعتقلين يُمثِّلون مراكز القوى القليلة المتبقية خارج سيطرة الأمير بن سلمان.
ويضم هؤلاء رؤساء المؤسسات الإعلامية الرائدة في البلاد، وقائد قوة أمنية كانت في السابق خارج سلطته، وممثلين عن أثرى عائلات المملكة. وليس من قبيل الصدفة أيضاً أن جاءت تلك الاعتقالات في أعقاب موجة اعتقالاتٍ جرت في سبتمبر/أيلول الماضي استهدفت أصوات مستقلة نافذة، من بينهم مفكرون، ونشطاء حقوق إنسان، ورجال دين ذائعون.
وتأتي الحملة التي طالعت بعض الأمراء النافذين في إطار إحكام بن سلمان قبضته على السلطة التي بدأت بتصعيده إلى منصب ولي العهد والإطاحة بالأمير محمد بن نايف ثم تبعها السيطرة على المؤسسات الأمنية الثلاث التي ترأستها لفترة طويلة أفرع قوية منفصلة من الأسرة الحاكمة.
ويشغل الأمير محمد بن سلمان، وهو ابن الملك الذي يبلغ من العمر 32 عاماً، منصب وزير الدفاع أيضاً، وقد عُيِّنَ ولياً للعهد في يونيو/حزيران الماضي في تغييرٍ أزاح ابن عمه الأكبر، الأمير محمد بن نايف، الذي كان أيضاً منصب وزير الداخلية، من ولاية العهد.
وظلَّ محمد بن سلمان مسؤولاً في الوقت نفسه عن إدارة حرب السعودية في اليمن، وإملاء سياسة طاقة ذات تداعيات عالمية، ويقف خلف خطط المملكة لبناء مستقبلٍ لها بعد النفط.
والآن، سيقود الأمير، الذي تعهَّد بملاحقة الفساد على أعلى المستويات، اللجنة الجديدة لمكافحة الفساد أيضاً، والتي مُنِحَت سلطات واسعة للتحقيق في القضايا، وإصدار أوامر الاعتقال وحظر السفر، وتجميد الأصول.
وجاء في المرسوم الملكي: “إيماناً منَّا بأنَّه لن تقوم للوطن قائمة ما لم يتم اجتثاث الفساد من جذوره ومحاسبة الفاسدين”.
عمل ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان على إحكام قبضته في السياسة والاقتصاد، بحسب ما يرى محللون، عبر استراتيجية مزدوجة: التصدي لأي معارضة، واستقطاب الجيل الشاب إلى حلقة طموحاته.
واتخذ الأمير الثلاثيني منذ تعيينه في منصبه في حزيران/يونيو الماضي إجراءات سياسية وأمنية عديدة بهدف تعزيز نفوذه في المملكة قبل أن يتوج في المستقبل ملكاً خلفاً لوالده الملك سلمان بن عبد العزيز (81 عاماً).
ليست جادة في مكافحة الفساد
وتقول ويتسن لو كانت الحكومة جادة في التصدي للفساد، لكانت طرحت قانوناً لتضارب المصالح كي يتعامل مع سعي المسؤولين الحكوميين لتحقيق المصالح الشخصية. لكن عوضاً عن ذلك، أصدرت “قانوناً لمكافحة الإرهاب” في الأول من نوفمبر/تشرين الثاني يرسِّخ السلطة في يد النيابة العامة ورئاسة الأمن العام الجديدتين، اللتين ترفعان تقاريرهما مباشرةً إلى الملك سلمان، وبالتالي إلى أكثر مستشاريه ثقة، محمد بن سلمان.
وبموجب هذا القانون، يمكن سَجن أي سعودي باعتباره “إرهابياً” لمدة تتراوح بين 5 إلى 10 سنوات لتصويره الملك أو ولي العهد “بأي وصفٍ يطعن بالدين أو العدالة”. ويُمكِن لهذا المقال الذي أكتُبه، في حال كتبه شخص سعودي داخل السعودية، أن يزج بصاحبه في السجن لعشر سنوات باعتباره “إرهابياً”.
لا شك في أنَّ الأمير بن سلمان قد استغل رغبةً يائسة لدى السعوديين في الإصلاح – بحسب ويتسن – وسمحت له ثقته وشعبيته المزعومه بالتعهُّد بإجراء تغييرات – مثل إنهاء بعض جوانب نظام الولاية المفروض من الحكومة على النساء والسماح لهنّ بقيادة السيارات – تُحييه عليها مجموعات حقوق الإنسان، حتى كتلك التي أنتمي إليها، هيومن رايتس ووتش.
لكن التنمُّر الذي يخضع للنزوات لن يحد من التجاوزات في السعودية، كما لن يدفع السعوديين للتصديق بأنَّ بلادهم ملتزمة بالإصلاح وسيادة القانون. وبالتأكيد يغلق سعوديون آخرون كثرٌ الآن أفواههم ويخبئون رؤوسهم متسائلين مَن التالي.
المصدر: “هاف بوست عربي”