الرئيسية » تحرر الكلام » من نهضة تونس إلى حماس فلسطين: إعادة هيكلية أم انفصال عن الأخوان المسلمين؟

من نهضة تونس إلى حماس فلسطين: إعادة هيكلية أم انفصال عن الأخوان المسلمين؟

في حوار أجراه تلفزيون نسمه الحمراء مع راشد الغنوشي رئيس حركة النهضة التونسية في شهر نيسان من عام 2014م، عرّف الغنوشي النهضة بأنها حزب تونسي وطني لا علاقة له بحركة الإخوان المسلمين . وفي شهر أيار من العام 2016م أقرّت حركة النهضة في مؤتمرها العاشر عدة أمور تصب في نفس السياق، من التحول من حزب أممي إلى حزب تونسي وطني، فك الارتباط بأي أيدلوجية شمولية، فصل الدعوي عن السياسي، واعتبار الديمقراطية أساساً للدولة ومنهاجاً للحكم . وفي فلسطين فإن حركة حماس التي كانت تمثل القطر الفلسطيني للإخوان المسلمين منذ عام 1988م، لم تورد أي علاقة لها بالإخوان في وثيقتها الجديدة التي ضمت أكثر من أربعين بنداً، والتي أطلقتها في الأول من أيار/ عام 2017م، وعُرفت باسم “وثيقة المبادئ والسياسات العامة” للحركة .

تقود هذه التحولات الجوهرية التي تمر بها الحركتين إلى تساؤل مفاده: هل تعني هذه التحولات بالضرورة انفصالهما عن الحركة الأم وبالتالي مقدمة لانهيار التنظيم الدولي للإخوان المسلمين؟ أم هي جزء من إعادة هيكلية لتنظيم الإخوان المسلمين؟.

لعل أحد أهم مفاتيح الإجابة عن هذا السؤال أن هذه التحولات تأتي انعكاساً للخصوصية السياسية والاجتماعية والثقافية التي يتمتع بها كل قطر، إلى جانب المرونة التي غلبت على التنظيم الدولي للإخوان المسلمين، والتي يمكن لمسها من التعديلات العدة التي طرأت على اللائحة العامة للإخوان على مر السنين.

الإخوان المسلمون والاسلاموية البرغماتية

أسس الإمام حسن البنا تنظيم الإخوان المسلمين عام 1928، بعد أربع سنوات من سقوط الخلافة العثمانية، وصوّر التنظيم نفسه كمشروع يحمل همّ إقامة الدولة الإسلامية. وتمايز التنظيم عن غيره من الجماعات والحركات التي تأسست للغرض ذاته، بأن اندمج في الدولة الحديثة، بمختلف كياناتها، فتواجد في الجامعات والمعاهد والمؤسسات الاجتماعية والجمعيات الخيرية وحتى في مؤسسة الجيش كما المسجد، فالجيش المصري على سبيل المثال لم يكن يخلو من أثر التنظيم. وكان الهدف من هذا الاندماج الذي يصاحبه الجانب الدعوي، أسلمة المجتمع وخلق وبناء الدولة الإسلامية بأسلوب تدريجي متعدد المراحل من أسفل لأعلى.

امتاز تنظيم الإخوان المسلمون بالشمولية، فالإسلام هو دين ودولة، ولا تتفق مبادئهم مع الوطنية، بل لا شأن لها عندهم، ويظهر ذلك جلياً في قول مفكر التنظيم سيد قطب : “أن الوطن ليس أكثر من قطعة طين! “.

بعد سقوط جدار برلين عام 1989، تحولت الأحزاب الشيوعية في روسيا وشرقي أوروبا ووسط آسيا من أحزاب شمولية إلى أحزب وطنية محلية، وعلى ذلك يمكن فهم التعديلات التي أجراها تنظيم الإخوان على لوائحه الداخلية والعامة بعد ذلك التاريخ أنها جاءت في سياق التأثر بالبيئة الدولية والتوجه العالمي.

شهد العام 1994م تعديلاً في النظام الداخلي للإخوان المسلمين، تبلور في لائحة أطلق عليها “اللائحة العالمية لجماعة الإخوان المسلمين”، ونصت المادة (51) من اللائحة المعدلة على أن: “لكل قطر أن يضع لنفسه لائحة تنظم أوجه النشاط تتفق مع ظروفه.. “. إن هذه المادة إن دلت على شيء فإنها تدل على الاسلاموية البرغماتية التي دخلت فكر الإخوان المسلمين إن صحّ التعبير، وتعطي الأقطار المختلفة المرونة الكافية لممارسة نشاطاتها بما يضمن استمراريتها.

حركة النهضة التونسية

تتميز تونس عن غيرها من البلدان العربية بتشربها للعلمانية في وقت مبكر، حيث وصلت العلمانية شواطئها منذ ستين عاماً مع تولي الحبيب بورقيبة الحكم عام 1957م، وبقيت العلمانية سائدة حتى مع تولي زين الدين العابدين رئاسة تونس. وتمثل العلمانية المتجذرة في تونس أبرز التحديات التي تواجهها حركة النهضة التونسية.

لم يتم الاعتراف بحركة النهضة التونسية رسمياً إلا برحيل زين الدين العابدين من الحكم، إثر اندلاع الثورة التونسية عام 2010م التي مثلت أولى موجات ما عُرف “بالربيع العربي”. ويمكن فهم خطاب حركة النهضة التحديثي الإصلاحي متماهياً مع الخصوصية التونسية السياسية والثقافية وحتى الاجتماعية. إضافة إلى ذلك فإن تركيز النهضة على البرامج والأجندة العملية والرؤية الاقتصادية والابتعاد عن الشعارات الأممية وإقحام القضايا الدينية في شؤون السياسة، لا يبتعد بالضرورة عن الاستراتيجية الإخوانية الأممية، فهي تتفق معها إلى حد كبير في الأسلوب التدريجي المتعدد المراحل من الأسفل إلى الأعلى الذي تبناه الإمام البنا.

حركة حماس الفلسطينية

في قراءة حركة حماس للبورصة السياسية والاجتماعية في فلسطين، ارتأت الحركة في بداية نشأتها أن تتمترس خلف خطاب المقاومة لرفع رصيدها في البورصة الفلسطينية، وقدمت بوضوح نفسها في المادة الثانية من ميثاقها الأول عام 1988م كجناح من أجنحة الاخوان المسلمين في فلسطين .

حاولت حركة حماس  في الوثيقة المعدلة عام 2017م الظهور بمظهر الحركة الفلسطينية الوطنية المستقلة فكرياً وسياسياً عن حركة الإخوان المسلمين الأم، عبر عدم التأكيد على العلاقة التي تربطها بالإخوان. وغلب على الوثيقة الطابع السياسي البراغماتي بدل الطابع الديني اللاهوتي، وتمثل مرونة حركة حماس فيما يتعلق بحدود الدولة الفلسطينية المنشودة أبرز الشواهد على ذلك.

يمكن فهم هذا التوجه الجديد في إطار إعادة التموضع الفكري والسياسي خصوصاً بعد الضربة القاسية التي تلقاها تنظيم الإخوان المسلمين في مصر، إلى جانب تصاعد البروباغندا الإعلامية العالمية المناهضة للإرهاب، حيث تتخوف حركة حماس من محاولات إدخالها عنوةً ضمن هذه الدائرة وتصفية وجودها.

من جانب آخر، قام المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية بإجراء استطلاع للرأي العام الفلسطيني في الضفة وقطاع غزة وذلك في الفترة ما بين 14-16 أيلول 2017، ومن ضمن النتائج التي أظهرها أن 67% يؤيدون المقاومة الشعبية السلمية و 45% يؤيدون العودة لانتفاضة مسلحة . إن هذه الاستطلاعات لا يمكن فصلها عن البراغماتية الاسلاموية التي باتت تتمتع بها حركة حماس، والتي تتأثر بالجو الداخلي الفلسطيني كما الجو الإقليمي والدولي.

خاتمة

تأتي توازنات النهضة التونسية و حماس الفلسطينية، متوافقة مع المرونة التي أبدتها اللائحة العالمية لجماعة الإخوان المسلمين لكافة أجنحتها. ويمكن ترجمتها في سياق “العلاقات العامة” الموجهة للتصدير للقوى الإقليمية والدولية الفاعلة والمؤثرة من جهة، وإلى الرأي العام المحلي من جهة أخرى.

إن الخصوصية السياسية والثقافية والإجتماعية لكل قطر، والتوجه العالمي الرافض للحركات والأيدلوجيات الشمولية دفع بتنظيم الإخوان المسلمين إلى إعادة هيكلة نفسه في كل قطر بالطريقة التي تلائمه، بحيث تظهر على شكل “شركة قابضة”، ذات القدرة على تلبية جميع الرغبات. وهكذا يعود التنظيم إلى الاستراتيجية الأولى المتمثلة بالعمل بشكل تدريجي من الأسفل إلى الأعلى في سبيل تحقيق الغاية التي ينشدها ورفع أسهمه في البورصة القطرية والدولية على حدٍ سواء.

فادي قدري أبو بكر

كاتب وباحث فلسطيني

[email protected]

المراجع

      حوار خاص وحصري مع راشد الغنوشي رئيس حركة النهضة على نسمة الحمراء بتاريخ 07/04/2014. https://www.youtube.com/watch?v=i7RWHLtljSY

      التوبة، غازي. “قراءة في مؤتمر “حزب حركة النهضة” برئاسة الغنوشي.” مجلة البيان، تموز.24،2016.

      “وثيقة المبادئ والسياسات العامة لحركة حماس.” الجزيرة.https://goo.gl/3yzCTy ( الدخول بتاريخ تشرين ثاني.9،2017.

      قطب، سيد. في ظلال القرآن- الجزء الخامس. القاهرة: دار الشروق، 1991.

      انظر: المادة رقم (51) من اللائحة العالمية لجماعة الإخوان المسلمين – القاهرة 1994م https://www.uni-marburg.de/cnms/politik/forschung/forschungsproj/islamismus/dokumentation/dokumente/statutmbinternational.pdf

      انظر: المادة الثانية من ميثاق حركة المقاومة الاسلامية (حماس) عام 1988م. https://goo.gl/Z3oPNB.

      استطلاع للرأي العام رقم (65) صادر عن المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية بتاريخ 19 أيلول 2017. http://www.pcpsr.org/sites/default/files/Poll-65-Arabic-Full%20Text%20desgine.pdf

قد يعجبك أيضاً

أضف تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.