الرئيسية » تحرر الكلام » النكبة .. لم تكن حدثا وحيدا

النكبة .. لم تكن حدثا وحيدا

تشكل ذكرى النكبة في العقل والوعي الفلسطيني جزءا هاما وعلامة مميزة في شخصيته، وفي بواطن وجدانه رغم كل محاولات الاحتلال الصهيوني في محو الذاكرة الفلسطينية الجماعية لأحداث النكبة والمحاولات المستمرة والحثيثة من أجل تحقيق ذلك.

رحل الأجداد والآباء عن أرضهم وديارهم واقتلُعوا منها وهُجروا تهجيرا قسريا بعد أن ارتكبت عصابات “الهاغانا”و “شتيرن” و”الإرغون” الصهيونية أبشع المذابح بحق أصحاب الأرض الأصليين ولم ينجُ منهم إلا من كُتبت له النجاة.

لم تنطوي تلك الأحداث ويُنسى ما فات من تفاصيل مُسطرة للذاكرة والتاريخ كثيراً من المفردات على أوسع فضاء ممكن واختيار مفردة النكبة في سياق تفجير كل الطاقة المفهومية، والاستمرار في إحياء ذكراها كل عام، يوم 15 من شهر أيار، وحملها من جيل إلى جيل، والاحتفاط بوثائق ومفاتيح البيوت الشاهدة على حق الشعب الفلسطيني بأرضه، وتمسكه بحق العودة مسلكاً إجبارياً في حل قضيته حلا عادلا.

ما حدث من جرائم خلال حرب عام 1948 على أيادي العصابات الصهيونية لم يكن مصادفة إنما كان مخططا له بدقة متناهية.

حين تضاف مفردة ذكرى إلى مفردة النكبة فإنها تتوجه بكليتها إلى أساس النكبة واتساعها وشموليتها ونتائجها التي ليس لها حدود، فهي تعيش في عقل ووجدان كل فلسطيني، تجعله متعمّدا في الثبات وموغلا بتمسكه بأرضه وحقوقه.

يوازي مصطلح “ذكرى النكبة” من ناحية الرؤى، ذاكرة جيل النكبة، لأنها كانت علامة فارقة في تاريخ الأمتين العربية والإسلامية عموما، والشعب الفلسطيني خصوصا، بما تحتويه من جرائم وتطهير عرقي وإبادة جماعية طالت البشر والحجر.

إن فكرة تهجير الشعب الفلسطيني وطرده من أرضه متجذرة في الفكر الصهيوني وكذلك العمل على إقامة كيان على أرض آهلة بسكانها الأصليين، وقد طرحت الفكرة بأشكال متعددة منذ مؤتمر “هيرتسل” عام 1904، لكنها ازاء المواجهة مع المقاومة الفلسطينية وتحديداً بعد الثورة العربية الكبرى عام 1936 – 1939 راحت تتبلور حول أسلوب العنف المسلح، أي التهجير القسري بالقوة المسلحة وتكرّس هذا الأسلوب في ذهن القادة الصهاينة بعد مشروع التقسيم الذي قدمته لجنة بيل عام 1937، فإلى جانب طرح فكرة إقامة دولة يهودية بذلك المشروع، طُرحت أيضا فكرة ترحيل السكان الفلسطينيين عن المنطقة المخصصة لتلك الدولة المزعومة، والتركيز على استخدام القوة العسكرية في ذلك.

جاءت حرب عام 1948 للتتيح الفرصة أمام القادة الصهاينة للاستيلاء على الجزء الأكبر من أراضي فلسطين بالاحتلال والتهويد وتفريغ الأراضي من أصحابها بالعنف والطرد المباشر وقيام القوات الصهيونية قبل أشهر من دخول القوات العربية إلى أرض فلسطين بارتكاب المذابح التي راح ضحيتها الآلاف من الشهداء والجرحى وتدمير القرى والمدن فيما تم تهجير أكثر من 800 ألف فلسطيني بقوة السلاح وتحت التهديد و بتسهيل من البريطانيين الذين مهدوا لليهود والصهاينة احتلال أرض فلسطين وفتح باب الهجرة إلىها على مصراعيه وكذلك قيامهم بتسليم مصانع السلاح والذخيرة للصهاينة وتدريبهم ودمجهم داخل الجبش البريطاني.

ما حدث من جرائم خلال حرب عام 1948 على أيادي العصابات الصهيونية لم يكن مصادفة إنما كان مخططا له بدقة متناهية وعبر مراحل مختلفة ومن ثم الترويج لأكذوبة أن الفلسطينيين خرجوا من أرضهم وديارهم طوعا.

لذا لم يكن مستغربا أن يتم تزوير الحقائق التاريخية لأن الحرب الصهيونية على الشعب الفلسطيني لم تتوقف عند حد المذابح والانتهاكات التي اُرتكبت بحقه، إنما تجاوزتها إلى حرب وجودية، تعمدت طوال الوقت على طمس التاريخ والهوية الفلسطينية وممارسة الإبادات بكافة أشكالها وأنواعها والتخطيط لها على المدى القريب والبعيد.

لم تكن النكبة حدثاً وحيداً وإنما مجموعة من المآسي والآلام تعتصر قلب الفلسطيني أينما حل أو ارتحل، ويستمر حملها من جيل إلى جيل.

وستبقى ذكراها حاضرة في أذهان أبناء الشعب الفلسطيني مثقلة بالأنين والحنين إلى أرض الآباء والأجداد.

قد يعجبك أيضاً

أضف تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.