الرئيسية » أرشيف - المجلة » هذا هو الفنان الحمصي الذي عمل رساماً خاصاً للملك فاروق ورحل بصمت في صقيع الغربة

هذا هو الفنان الحمصي الذي عمل رساماً خاصاً للملك فاروق ورحل بصمت في صقيع الغربة

رحل الفنان العالمي “جوزيف طرابلسي” منذ سنوات بعيداً عن وطنه الذي لم يعش فيه إلا سنوات الطفولة ولكنه ظل منجذباً إليه بخيط سري رغم مرور سبعين عاماً على تغرّبه، ومات بصمت في صقيع الغربة بعد أن عاش حياة حافلة بالعطاء الفني الفذ والإبداع الإنساني في أرقى صورهما وتجلياتهما.

 

وعُرف الفنان العالمي السوري الأصل جوزيف طرابلسي بـ”رسام المشاهير” كما عمل رساماً خاصاً للملك فاروق في مصر ورسم بشكل مباشرالملك فيصل الأول عاهل العراق وشكري القوتلي الرئيس السوري الأسبق ومصطفى باشا النحاس زعيم الأمة وحزب الوفد المصري ومطران سان باولو ( انطونيو ألفيس سكيرا ) وحفيدة السلطان عبد الحميد ” نسل شاه ” والشاعر نزار قباني والأديب خليل مطران .

 

من ” الدوير ” إلى ” قصر الملك فاروق “

ولد الفنان جوزيف طرابلسي  في حي من أحياء حمص القديمة عام 1907 وأخذ دروسه الابتدائية في المدرسة العلمية الأرثوذكسية ثم انتقل مع والده إلى( جونية ) اللبنانية حيث تتلمذ في مدارسها خمس سنوات ، وعندما عاد إلى حمص عام 1919 وقع له حادث أليم في قرية ” الدوير” على العاصي فأصيبت يده اليمنى بكسر ولم يجد طبيباً يعالج يده واقتصر الأمر على ربطها وشدها فظلت عاطلة عن العمل وحمل مصيبته بصبر وأناة وفي هذه الأثناء سافر والده إلى مصر ليعمل فيها تاجراً للحرير فسافر معه .

في مصر استهوى عالم الفن جوزيف طرابلسي فدخل مدرسة الفنون الجميلة وأتقن فن الرسم على يد أستاذه الكبير( زانييري )الذي دربه على دراسة الألوان وتشريح الجسم البشري واكتسب معرفة أكاديمية كبيرة وقدرة على معاينة تفاصيل الحياة المصرية والروح الشعبية فيها وهناك نال الوسام الذهبي في معرض مقر الحكومة المصرية عام 1938 فاستهوى فنه رئيس حزب الوفد مصطفى باشا النحاس فدعاه لرسم صورة خاصة له عام 1939 وعندما رأى الملك فاروق هذه الصورة أُعجب بفنه ودعاه للعمل كرسام خاص في القصر الملكي وهذا ما زاده شهرة وانتشاراً وجعل محيطه من كبار رجال مصر فناً وسياسةً وأدباً وفناً .

 

في القصور الملكية

لم يتسن لفنان أن نال الشهرة والانتشار اللذين نالهما طرابلسي خلال أكثرمن ثلاثة أرباع القرن من تجربته الفنية إذ عُرضت أعماله في كل من مصر والمملكة العربية السعودية والعراق والسفارة اللبنانية في البرازيل والسفارة السورية في البرازيل وله مجموعات خاصة منتقاة في كل من لندن وباريس ورما واستوكهولم وبغداد وسورية ولبنان وتشيلي والأرجنتين ودالاس ونيويورك وكوبنهاغن والقاهرة .

 

بعد قيام ثورة 1952 التي أطاحت بعرش الملك فاروق غادر جوزيف طرابلسي مصر متجهاً إلى البرازيل عام 1953 وهناك تابع مشواره الفني حيث فاز بمسابقة تزيين جدران الكاتدرائية الأرثوذكسية في سان باولو وأعاد الطابع البيزنطي لها برسوم مستوحاة من خياله الخصب ومن القصص الدينية التي قرأها أو سمعها ، وقد استغرق عمله في كاتدرائية سان باولو ثلاث سنوات وهذه الكاتدرائية تحتل اليوم مكانة لائقة كأجمل ما تقدمه البرازيل من الفنون للسياح .

 

تقلد الفنان طرابلسي خلال حياته الفنية أكثر من أربعين وساماً من دول العالم من أهمها الوسام الذهبي الأكبر والوسام الفضي في سان باولو عام 1976 والميدالية الذهبية من متحف ( ريودي جانيرو ) وميدالية ” غرانت غول ” ووسام الاستحقاق الثقافي من فرنسا وفي هذا الصدد يروي صديقه الشاعر المهجري الراحل نبيه سلامة على سبيل الدعابة: أن الفنان طرابلسي جاء يزف إلي خبر تقلده للوسام الثاني والأربعين فأبتسم سلامة اعتززاً بصديقه وقال له مداعباً : إن صدرك لم يعد يتسع لهذا العدد من الأوسمة فعليك أن تستأجر صدراً آخر ولا تنس أن الصدرين لا يتسعان أيضاً فعليك أن ترحم الأوسمة وعانقه مهنئاً وكانت دقائق من النشوة يصعب وصفها .

ظل الفنان جوزيف طرابلسي وفياً لمدينته حمص مسقط رأسه مشدوداً إليها بخيط سري ، وظلت صورة هذه المدينة في ذاكرته ينقلها إلى لوحاته التي تجسد الأحياء القديمة والعاصي والصفاف والطاحونة العتيقة قرب شلالات الدوير حيث الذكريات الحميمية والحنين الذي لا ينقطع، وقد توج هذا العشق والحنين بزيارة الوطن عام 1997 وقدم في هذه الزيارة 25 لوحة عُرضت في متحف حمص في القاعة التي حملت اسمه وقُدر ثمن هذه اللوحات بـ 4 ملايين ليرة سورية آنذاك ،وتنوعت موضوعاتها بين المنظر الطبيعي والطبيعة الصامتة وبعض رسوم البورتريه التي برع فيها الفنان طرابلسي مثل لوحة الشاعر ديك الجن ولوحة الشيخ أمين الجندي ولوحة زوجته .

 

طعنة خنجر

التقى الفنان الراحل جوزيف طرابلسي بأهم الشخصيات العربية والعالمية ورسم بعضها مباشرة ومن أصدقائه الأدباء الشاعر الراحل نزار قباني الذي عبر له عن إعجابه بقوله: ” أشعر بأني أعرفك قبل أن ألتقيك وقبل أن أُخلق ” كما قال لكاتب هذا التحقيق في لقاء أجراه معه في حمص قبل وفاته بسنوات قليلة، أما الشاعر شفيق معلوف الذي كان يلتقيه في منتزه البردوني بزحلة فقد علق على لوحاته قائلاً : ” إن لوحاتك تثير الإعجاب وتدعو للتوقيع دون شرح ” .

 

ويروي الأديب محمد غازي التدمري لـ”وطن” قصة طريفة حصلت مع الراحل طرابلسي الذي كان يعرج على لبنان يغتني من طبيعته الخلابة وقد اجتمع يوماً بالشاعر خليل مطران الذي سأله عن قصة لوحة ( الجبس : البطيخ الأحمر ) فقال في إحدى الأمسيات قطعت ( الجبس ) ووضعته في صحن وبدأت أتأمله بدقة وإذ بي أمسك الريشة لأرسمه بيسر وسهولة ثم لأتأمله وأكتب هذه الأبيات :

أكذا تجازيني بطعنة خنجر

وتشق جسمي لاعباً مستضحكاً

لم يكف ما فعلت يداك بأضلعي

حتى تصورني وتظهر جرمكا

فأجابه الشاعر ” خليل مطران ” أهنئك على هذه الشاعرية المتناهية

قد يعجبك أيضاً

أضف تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.