الرئيسية » تحرر الكلام » منهج الإسلام في التوازن بين الشعائر والشرائع وفطرة الأمن الحيوي

منهج الإسلام في التوازن بين الشعائر والشرائع وفطرة الأمن الحيوي

فطرة الأمن الحيوي في الكيانات الطبيعية والاعتبارية

حتمية حياتية

لقد استودع الله في جبلة الإنسان حب الحياة والتشبث بالبقاء والحفاظ على الوجود ، وكان أبو البشر هو أول من جلّى هذه الحقيقة اليقينية ، وكانت مدخل إبليس إليه هو وزوجه ، حتى يعصى خالقه ، قال تعالى “فوسوس إليه الشيطان قال يا آدم هل أدلك على شجرة الخلد وملك لا يبلى” (طه 120) ، وتفصح الآية الكريمة عن رغبة آدم وزوجه في الخلود والأبدية وشغفهما الشديد بذلك إلى درجة اتباع الشيطان الذي حذرهما الخالق من كيده وعداوته لهما منذ خلق آدم وحتى عصيانه لربه وخروجه من الجنة .

ولمّا كان الخالق العظيم قد وطّد في الإنسان فطرة حب البقاء والتشبث بالحياة التي منحها إياه ، فقد قرن سبحانه تلك الفطرة بمشيئته وقدرته على الحفاظ على ذلك الإنسان ضد كل ما يمكن أن يسلب منه تلك الحياة إلا بإراته تعالى ، فأصبح ثمة تماهي بين فطرة حب البقاء لدى الإنسان وإرادة الخالق وقدرته على الحفاظ على ذلك المخلوق وجوداً وتفاعلاً وتطوراً .

إن التماهي المشار إليه بين فطرة حب البقاء من ناحية وإرادة الخالق بحفظ الإنسان من ناحية أخرى قد جلّت حكمته تعالى من وراء الحفاظ على ذلك المخلوق ذي المواصفات والميزات الخاصة حتى نهاية الكون الفاني ، والتي تتمثل في كرامة الإنسان وتفضيله على الكثير ممن سواه من المخلوقات ، وتتمثل كذلك في المهمة والوظيفة التي خلقه الخالق من أجلها وهي عبادة الله ، وتتمثل أيضاً في اختبار قدرته على تحمل الأمانة التي هي حرية اختيار التكليف ومجازاته على قرار الاختيار ثواباً وعقاباً ، ولولا الحكمة الإلهية ذات المرتكزات الثلاثة لما كان ثمة ما يدعو إلى الحفاظ على ذلك المخلوق من قبل خالقه ، إذ يصبح هو والعدم سواء مثله مثل بقية الكائنات والمخلوقات التي ليس لها الخيار في طاعة الله وعبادته .

لقد نشأ الإنسان محباً للحياة شغوفاً بالبقاء تواقاً إلى الخلود والأبدية ، وتلك فطرة الله التي فطره عليها ، واستحالت الفطرة الإلهية إلى وعد من الخالق بأن يكون الإنسان هو المخلوق الخالد ، فهو منذ أن يولد لا يفنى أبداً ، فهو يمر بثلاث حياوات ، الحياة الأولى هي الحياة الدنيا التي يعيشها الإنسان منذ مولده ويقدم فيها ما يرسم ويحدد مصيره في الحياتين التاليتين ، والحياة الثانية هي الحياة الوسطى وهي الحياة التي يعيشها الإنسان بروحه دون جسده الذي يفنى مؤقتاً ، في حين تحيا الروح في عالم الأرواح في انتظار عودتها إلى الجسد مرة أخرى عند البعث ، والحياة الآخرة وهي الحياة الخالدة الأبدية تلك التي يعيشها الإنسان بروحه وجسده إما في النعيم المقيم أو العذاب الأليم ، وهكذا يُخلّد الإنسان منذ مولده فلا يفنى أبداً .

إن فطرة حب الحياة والبقاء التي استودعها الله في الإنسان هي فطرة مركبة إذ تتكون من أكثر من فطرة ، فهي تبدأ بفطرة ترسيخ الوجود واكتمال أركانه وبنيته وسلامته ، وما من إنسان إلا وتوجد بداخله هذه الفطرة الفرعية ، ثم تأتي فطرة الرغبة في التفاعل مع مكونات الوسط والبيئة وهي فطرة لا تفارق كافة البشر ، وأخيراً تأتي فطرة القدرة على التطور ، تلك التي تتغلغل داخل الإنسان ، وهي قدرة غريزية جوهرها الحفاظ على الجنس البشري من الانقراض والفناء .

إنه من حكمة وإرادة الخالق العظيم لتمييز الإنسان أن يمهد له كل أسباب الوجود وعوامل التفاعل ومقدرات التطور ، ليبقى ذلك المخلوق بالكيفية والهيئة والزمن الذي أراده الله له ، وقد بدأ الخالق أفعال التمهيد للإنسان بإحداث وإنشاء الكون ومفرداته وإيجاد وخلق الكائنات ، ثم إمداد المخلوقات جميعاً بمتطلبات حفظ الوجود .

ثم شاءت إرادة الإله الخالق أن تمتلك كافة المخلوقات والكائنات آليات التفاعل الذاتي والخارجي ، حتى تتمكن من التأقلم والتكيف مع الوسط الذي تتواجد فيه ، وتتمكن كذلك من إحداث الحركة والنشاط في الحياة .

وأخيراً كانت طلاقة قدرة الخالق العظيم بإمداد المخلوقات بمتطلبات التطور والترقي ، وذلك عن طريق التطور الوظيفي وأداء المهام وفق المثال ، ثم الترقي بتطوير خصائص النوع .

قد يعجبك أيضاً

أضف تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.