الرئيسية » تحرر الكلام » العناق المنطقي الحتمي بين الطرح الإسلامي والمنهج العلمي

العناق المنطقي الحتمي بين الطرح الإسلامي والمنهج العلمي

لقد أردنا أن نردف كتاب الاستهلال الذي استفتحنا به هذا العمل الموسوعي بمدخل نراه مجدياً وضرورياً ، يتعين في تقديم المنهج الذي تم استخدامه وتوظيفه في جزئيات هذا العمل ، إنه “منهجنا في الطرح الإسلامي” ذلك المنهج الذي يبرز تفرد المرجعيات الإسلامية وصلاحياتها كمصادر رئيسة وأساسية ، يُستقى منها نمط الحياة وتُستنبط ضوابط السلوك في التعامل مع عناصر الوجود وموجودات الكون .   

ولعل أول ما يتبادر إلى الذهن هو المقصود بالطرح الإسلامي ـ وبالرغم من أننا سنفرد لذلك جزئية مستقلة نفصّل فيها المعنى من كافة أبعاده ـ إلا أننا قد نجد من الملائم في هذا الموضع أن نسعف القارئ بمعنى سريع ومباشر وبسيط لمدرك “الطرح  الإسلامي” .

فالطرح عموماً هو ما يبسطه المفكرون من رؤى ووجهات وآراء تحمل تعبيراً عن تفسير الظواهر وتحليلها ، وهذه الرؤى والوجهات والآراء تنبع من مصادر محددة هي بمثابة مرجعيات نهائية تحكمها ابتداءً وانتهاءً .

ومن ذلك فالطرح الإسلامي هو ما يقدمه المفكرون من وجهات ورؤى تعبر عن موقف الإسلام تجاه مختلف القضايا والمسائل ، وهذه الوجهات والرؤى مستنبطة من المرجعيات الإسلامية المعروفة والمعترف بها لدى المسلمين ، وهي القرآن العظيم والسنة النبوية المطهرة ونماذج الممارسة العملية في دولتي الرسول الكريم والخلفاء الراشدين .

والمتأمل للمرجعيات الإسلامية مصادر الطرح الإسلامي يكتشف أن المصدر الأول يمثل التشريع الإلهي نزل به الروح الأمين وهو الذكر الحكيم ، أما المصدر الثاني فيمثل التشريع النبوي الذي قال به الرسول الكريم أو فعله أو وافق عليه ، في حين مثل المصدر الثالث التجربة والممارسة في نموذجي دولة الرسول الكريم ودولة خلفائه الراشدين .

ومن البداية لابد من أن نفرق بين الطرح الإسلامي الذي يمثل رؤية الإسلام ووجهة نظره في مستجدات الأمور ومتغيراتها ، وبين الأحكام والحدود التي جاءت صريحة محددة بخصوص المعاملات والعلاقات .

ومن ثم فالطرح يقوم على ثلاثة مرتكزات ، أولها ، استنباط الأسس والأصول والقواعد من المصادر الثلاثة السابقة صراحةً أو قياساً ، ثانيها ، اكتشاف القيم التي تواكب التطورات والمستجدات ، وهي المقدرة على الابتكار في إطار القواعد والأصول ، وذلك لملء الفراغ التشريعي الذي سكت عنه المصدران الأول والثاني ، وواكب تطور المجتمع البشري الذي يمثل نموذج الممارسة وهو المصدر الثالث ، ثالثها ، انتقاء المبادئ الإنسانية التي تتفق مع الأسس والأصول التي تتضمنها المرجعيات الإسلامية ، وفي هذا المرتكز تبرز النظرة الإنسانية للإسلام ، ويتبلور هدفه كذلك في ملء الفراغ التشريعي مرة أخرى .

وبالإضافة إلى ما قدمناه من تعريف الطرح الإسلامي ، وكيف يمكن تطوير ذلك الطرح وصياغة منهج خاص به ، وما حددناه من مصادر ذلك الطرح ومرجعيـــاته ، وما رصدناه من أسسه ومرتكزاته .

نشير كذلك إلى خصائص ذلك المنهج التي تتبلور في : النظرة الكلية لمجموع حركة الإنسان في الكون ، حيث يتم تناول حركة الإنسان وفق ذلك المنهج ككلية واحدة ، ولكنها موزعة على نشاطات ومجالات ، ولابد من معالجة كل هذه النشاطات لأنها تتأثر جميعاً بعضها ببعض وتؤثر بعضها في بعض .

وتتبلور كذلك تلك الخصائص في أن المنهج يوضح العلاقة الوثيقة والعضوية بين الشريعة والشعيرة ، بين المعاملة والسلوك والنشاط والحركة ، وبين العبادة والنسك ، فكل من الاثنين يقود إلى الآخر .

ومن خصائص المنهج أيضاً العلاقة الارتباطية القوية بين الروح والمادة ، بين الأخلاقيات والحياتيات ، فالإنسان خليط ومزيج من الاثنين معاً ، ولابد من الارتقاء بهما معاً .

ومن خصائص منهج الطرح الإسلامي قيام حالة من المساندة بين الأصول والأسس المستنبطة من المرجعيات الإسلامية وبين العقل البشري ، فالقواعد والأصول تقدم للعقل البشري الحماية من الزلل ، وتفتح له الآفاق ، وتبصره بما خفي عليه .

ومن خصائص ذلك المنهج أخيراً واحــدية المنبع والأصـل ومواءمة التطور والعَرض ، فمنذ بداية الإسلام والعلماء يعالجون المستجدات والمتغيرات انطلاقاً من الأصل والأساس ، وكذلك علينا أن نفعل هكذا ، فنتفق معهم في الأصل والأساس والمقصد والغاية ، ونختلف معهم في طبيعة المسائل  والمستجدات . 

ولمنهج الطرح الإسلامي أدواته وآلياته التي تتعين في : العالم الطارح الذي يملك القدرة على الربط بين العلم الحياتي وبين أسسه وأصوله في المرجعيات الإسلاميـــة ، وفي الإطار العام أو الوسط ، وهو البيئة التي تطبق الطروحات الإسلامية منهجاً ونظاماً ، وفي المنهاج الإسلامي “المتعارف عليه بالنظام السياسي” الفاعل الرئيس في المجتمع المسلم ، وأخيراً في أدوات البحث والتحليل ، التي سنتناولها تفصيلاً في مواضعها .

إن منهج الطرح الإسلامي يتعامل مع الواقع المعاصر ، وهذه من أهم ما يميز هذا المنهج ، وذلك التعامل يتم من خلال إقامة عدة علاقات : أولها العلاقة مع المتغيرات   والمستجدات ، وثانيها العلاقة مــع الأبعـاد المتغيرة في الإنسان ، وثالثها تعصير القواعد والأصول ، ورابعها تطوير أدوات ونماذج الحركة .

إن معنى ما تقدم أن منهج الطرح الإسلامي يتعامل مع وقائع وتطورات وأحداث ، فهو إذن منهج قابل للتطبيق ، ولا يقتصر على مجرد التنظير فقط .

يعتمد منهج الطرح الإسلامي على تولى الطرح المتمثل في نتاج هذا المنهج ومخرجاته بالمتابعة المستمرة والتطوير الدائم ، وهذا يتواءم مع طبيعة ذلك المنهج في كونه يتعامل مع تطورات وأحداث ووقائع ، ومع الجانب المتغير في الإنسان .

لقد تواصلت نماذج الممارسة العملية على مدى مراحل تطور التاريخ الإسلامي ، ومن شأن ذلك التواصل أن يقيم الدليل على أن ذلك المنهج ليس منهجاً نظرياً فقط ، ولكنه بمثابة الجانب الفكري لتجارب حية تتعامل مع الواقع بتداعياته ومتغيراته ، حتى ولو لم يكن متماهياً مع المرجعيات .

وأخيراً تتمثل غاية وهدف منهج الطرح الإسلامي في مقصدين : الأول إقامة المجتمع على أساس الإسلام ، وهذا يعني الأصالة ، والثاني ترسيخ الإسلام وإعلاء شأنه بتحويله إلى ممارسات وسلوكات وأفعال يعيشها الناس ، وهذا يعني المعاصـرة .

قد يعجبك أيضاً

أضف تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.