الرئيسية » تحرر الكلام » فلسطينيو سورية .. إلى أين ؟ (3)

فلسطينيو سورية .. إلى أين ؟ (3)

لطالما خلّفت الصراعات آثارها المدمرة على الشعوب، وأدّت إلى تغيير حياتهم، وزادت في معاناتهم وبؤسهم، وحملت في صدورهم  وذاكرتهم قصصاً وحكايات وآلام  في كل محطة من محطات نزوحهم ولجوئهم لتصبح صور المعاناة جزءاً من عيشهم كالطعام والشراب والهواء.   

وهل يا ترى  لايطال الدمار إلا الممتلكات والعمران، وينجو من كُتب له النجاة في بدنه ؟     

لا شك أن الجراح الناتجة عن الأحداث ستكون أشد وطأةً وفتكا ًعلى الإنسان من أي سلاح، لأنك لن تستطيع حصر النتائج في فرد أو أسرة واحدة أو بقعة جغرافية واحدة، فالآثار السلبية تطال الفرد والأسرة صغيراً كان أو كبيراً، داخل المخيمات أوخارجها،  نازحا داخل البلد أومهاجراً .

وقد بانت نتائج ذلك وباتت حقيقة واضحة، فيها من الخطورة مايكفي على كافة الأصعدة وخاصة النفسية والوجدانية للاجئين نتيجة تكرار مآسيهم التي ولّدت اضطرابات عدة من قلق وضجر وحزن وخوف من المستقبل.

ربما تستطيع إعمار ما دمرته الحرب بفترة وجيزة، لكن كيف ستبني إنسان دُمرت نفسيته وأصبح يشعرأنه وحيداً وغريباً بين أهله وناسه؟

إن الوقوف أمام ما يتعرض له اللاجئ الفلسطيني من إستهدافٍ لقيمته وبنحوٍ متسارع، لا يمكن الصمت عنه وخاصة أن المآسي اليومية التي يتعرض لها لم تعد خافية على أحد ويشاهدها القاصي والداني.

هذه الحقيقة المرّة التي لابدّ من الإشارة إليها وإمكانية الشعور بها ومشاهدتها والإطلاع عليها من الأخبار والتقارير اليومية التي تصدر متناولة الوضع العام للاجئين الفلسطينيين في مخيمات سورية وخارجها وفي أماكن تواجدهم وشتاتهم.     

لم يكن إختلال القيمة الإجتماعية بعد مضي أكثر من 5 سنوات من الأحداث أمراً طبيعياً، بل هناك تجاهل وصمت غريب لملف فلسطينيي سورية من قبل المرجعية الوطنية الفلسطينية وصُنّاع القرار، هذا ما أدى إلى فقدان الثقة بالقيادة الفلسطينية.

وخاصة الجميع يعلم أن السلطة الفلسطينية ومعها كافة القوى والفصائل يملكون من القدرات والإمكانيات ما يؤهلهم تجاوز المحن والصعوبات لو اجتمعت على تغليب المصلحة العامة والعليا للشعب الفلسطيني.

لكن عندما وجد اللاجئ الفلسطيني قيادته منسلخة عنه ولا تعبر عن مصالحه ذهب إلى سلوك كافة السبل ومنها الهجرة إلى أي مكان بحثاً عن الأمان، لأن من يمثله فشل في ضمان الحد الأدنى من أمنه وسلامته، وتركه يعيش ظروفاً عصيبة وأزمات نفسية ومشاكل إجتماعية متعددة الأوجه، منها ماأدى إلى الإنفصال والطلاق وتشتت الأبناء والعزلة، وصعوبة العودة إلى ممارسة الحياة الطبيعية والتكيف مع الظروف الجديدة، والتعلق بآمال مفقودة كل ذلك وغيره ترك آثاره المؤلمة في نفوس العامة صغاراً وكباراً، وذلك بعكس الآثار الإقتصادية التي يمكن تداركها ببضع سنوات.   

لهذا فالشعوب لا تنتهي بالدمار الذي تسببه الصراعات، وإنما تنهار عندما تفقد مجتمعاتها أركان وعناصر ضبطها الإجتماعي والوطني والذي هو بمثابة منظومة متكاملة الأركان، تتوارثها الأجيال جيلاً بعد جيل والمبنية على أسس وأهداف واحدة وماضٍ وحاضر واحد .

يتجاهل البعض خطورة أن يتحول اللاجئين الفلسطينيين إلى مجتمع ضعيف وهش تنحل فيه البنى السياسية والإقتصادية والإجتماعية والثقافية، وتصل الظروف بهم إلى تدمير ما تبقى من إمكانات عندهم، وتصل بالتالي إلى تمزيق هويتهم الوطنية والتي هي بداية الإنهيار و الضياع.         

فهل تعي القيادة الفلسطينية هذه الأمور وتتصالح مع نفسها وشعبها؟

ومتى ستباشر العمل الجاد على إنقاذ مايمكن إنقاذه ؟ وتسعى إلى ترميم العلاقة مع شعبها، ومن ثم تعيد الثقة المفقودة بينها وبين المجتمع الفلسطيني .

قد يعجبك أيضاً

أضف تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.