الرئيسية » تحرر الكلام » نطرح ذات الأسئلة: من قتل عرفات ومتى ينال الجاني عقابه؟

نطرح ذات الأسئلة: من قتل عرفات ومتى ينال الجاني عقابه؟

إثنتا عشر سنة مرت على جريمة اغتيال الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات بدم بارد ولم يكشف النقاب بعد عن أسباب تلك الجريمة ولا عن أسماء المجرمين الذين وقفوا وراءها تخطيطاً وتنفيذاً، برغم كل ما صدر من تقارير واستنتاجات وتحليلات طبية وإستخباراتية فلسطينية وإقليمية ودولية رسمية وغير رسمية، وبرغم اقتناع الفلسطينيين بأن الراحل الكبير قضى مسموماً وأن “إسرائيل” هي التي وقفت وراء تسميمه بأوامر عليا وبإيعاز وتشجيع ومباركة من حكومة الولايات المتحدة أو بتواطؤ منها، بالنظر إلى التهديدات بالقتل التي كان قد وجهها إليه رئيس الوزراء “الإسرائيلي” الأسبق الإرهابي المقبور أرئيل شارون وعدد من معاونيه، وبالنظر إلى الحصار الخانق الذي كان قد فرض على مقره في رام الله من قبل تل أبيب وواشنطن معاً.

أعود وأُذّكر من جديد بأنه يوم فشلت سياسة “العصا والجزرة” الأميركية في ثني الراحل الكبير عن مواقفه الوطنية الثابتة من القضية الفلسطينية وقضية الصراع الفلسطيني – “الإسرائيلي” عندما كان يترأس الوفد الفلسطيني في مفاوضات “كامب دافيد” عام 2000، كان متوقعاً أن تتخذ إدارة الرئيس الأمريكي الديمقراطي بيل كلينتون في حينه موقفاً عدائياً منه ومن القضية الفلسطينية على حد سواء، وكان متوقعاً أن ينتقل ذلك الموقف من كلينتون إلى خليفته جورج بوش بشكل تلقائي.

وبعد أن استأثرت الولايات المتحدة بالقطبية العالمية إثر تفكك الاتحاد السوفييتي إلى جمهوريات متناثرة، أصبح من غير المألوف أو المقبول من وجهة النظر الأمريكية أن يقول مطلق زعيم أو قائد في العالم مهما علا شأنه وبلغ نفوذه كلمة “لا” للإدارة الأمريكية ورئيسها، .فكيف تجرأ ياسر عرفات، وهو في ذلك الحصار الخانق الذي فُرض عليه في “كامب دافيد” أن يقول “لا” بالفم الملآن لرئيس أكبر وأعظم وأقوى دولة، بل الدولة العظمى الوحيدة في العالم آنذاك، ولكل طاقم إدارته الذي كان يشرف على المفاوضات الفلسطينية – “الإسرائيلية” العقيمة ويدعي رعايته لها؟ وطالما أنه فعل ذلك كان لا بد أن يدفع الثمن غالياً!!

نذكر أنه خلال تلك المفاوضات الشاقة والعسيرة حافظ “الختيار” على صلابته وتماسكه وظل متمسكاً بالثوابت الفلسطينية وبالأخص سيادة الفلسطينيين على القدس المحتلة عام 1967 بما فيها المسجد الأقصى المبارك. وكما كان عهدنا به دائماً وأبداً لم ينحن لكل الضغوط الأمريكية والدولية والعربية التي مورست عليه وعلى الوفد الفلسطيني الذي كان برفقته والتي كانت فوق طاقتهما على الاحتمال، خاصة عندما تأكد لهما أن الرئيس بيل كلينتون قد انتقل من دور الوسيط الذي يفترض أن يتسم بالنزاهة والحيادية إلى دور الشريك الكامل للوفد “الإسرائيلي” الذي كان يرأسه آنذاك رئيس الحكومة أيهود باراك وأصبح لا هم له غير تنفيذ الأجندة “الإسرائيلية” على حساب القضية الفلسطينية والحقوق الفلسطينية المشروعة التي أكدتها القرارات الدولية التي صدرت عن الأمم المتحدة وفي مقدمها 181 و194 و242 و338 و”مرجعية مؤتمر مدريد” ومبدأ “الأرض مقابل السلام”.

ولربما إن جميع الذين تابعوا تلك المفاوضات العقيمة يتذكرون حجم الإساءة التي وجهتها وزيرة الخارجية الأمريكية في إدارة كلينتون حينذاك مادلين أولبرايت عندما رفعت صوتها بعهر وفجور في وجه الرئيس الفلسطيني مذكرة إياه بنبرة تهديد أنه “في حضرة رئيس أكبر دولة في العالم” متناسية أنها كانت هي ورئيسها في حضرة زعيم وقائد واحدة من أشرف وأنبل الثورات التي عرفها التاريخ على مر العصور.

وبقدر ما كان لموقف الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات الوطني والتاريخي من أثر إيجابي على نفوس الفلسطينيين سلطة وشعباً، باعتبار أنه شكل ضربة قاسمة للسياسة الأمريكية المنحازة “لإسرائيل” والعاجزة عن القيام بدور الوسيط النزيه في “عملية السلام” المرجوة، فإنه مثل “القشة التي قسمت ظهر البعير” في موقف الولايات المتحدة وإدارة الرئيس بيل كلينتون من الرئيس الفلسطيني.

فبل كلينتون الذي كان يطمح إلى تتويج ولايته الثانية بإنجاز سياسي دولي من النوع الثقيل مثل توقيع اتفاقية سلام بين الفلسطينيين و”الإسرائيليين” دون ما اعتبار من قبله لماهية تلك الاتفاقية أملاً في الحصول على جائزة نوبل للسلام، راعه أن يحرمه الرئيس الفلسطيني الراحل بذلك الموقف المبدئي من الأمل في تحقيق حلمه!!

لكن الوقائع دللت على أن موقف الرئيس الفلسطيني ذلك لم يكن السبب، لا المباشر ولا غير المباشر، في تضاؤل أمل بيل كلينتون في الحصول على الجائزة المبتغاة بقدر ما كانت الخديعة التي أوقعه في شركها شريكه وحليفه أيهود باراك، عندما أقنعه بأن الظروف كانت ناضجة لإجراء تلك المفاوضات وأن السلطة الفلسطينية “بلغت من اليأس وقلة الحيلة درجةً باتت معها على استعداد للقبول بأي حل”!!

من هنا جاءت الدعوة المرتجلة فيما بعد ل “مفاوضات الدم” التي جرت في مدينة “شرم الشيخ” المصرية في ظل المجازر التي كانت قوات الاحتلال “الإسرائيلي” قد شرعت بارتكابها ضد الفلسطينيين بعد الاقتحام الشاروني الهمجي للمسجد الأقصى المبارك بتدبير من باراك وحماية من حكومته.

وكما كان متوقعاً، فقد أفشل باراك تلك المفاوضات مثلما أفشل مفاوضات “كامب دافيد”، فحرمت نتائجهما كلينتون من جائزة نوبل للسلام وحرمته هو من العودة إلى السلطة بعد خسارته في الانتخابات العامة “الإسرائيلية” أمام زعيم “حزب الليكود” آنذاك الإرهابي آرئيل شارون.

ومع يقين الرئيس بيل كلينتون وإدراكه لمسؤولية باراك الكاملة عن فشل مفاوضات “كامب دافيد” و”شرم الشيخ” في ما بعد وقناعته التامة التي لا يلتبسها أي شك بحسن نوايا الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات وسعيه الصادق والأمين وراء “السلام العادل والمشرف”، إلا أنه ظل على موقفه المعادي لعرفات والذي انتقل بناءً لتوصيته في ما بعد إلى خليفته الأرعن جورج دبليو بوش، الذي عمل بنصيحة “المحافظين الجدد” والمسيحيين المتصهينين في الولايات المتحدة والإرهابي آرئيل شارون فنفى عنه بشكل اعتباطي وأهوج صفة الشراكة في مفاوضات السلام المتعثرة بين الفلسطينيين و”الإسرائيليين”، يومها مثل ذلك الموقف “كلمة السر الإسرائيلية – الأمريكية” فيما يخص مستقبل الرئيس الفلسطيني “الجسدي”!!

ومن سوء طالع “الختيار” أن هجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001 جاءت لتمثل فرصة “ذهبية ونادرة” للإرهابي آرئيل شارون الذي استغلها أحسن استغلال بتأييد ودعم المحافظين الجدد والمسيحيين المتصهينين في ظل تردي واهتراء النظام الرسمي العربي، فتفنن في ممارسة الضغوط تلو الضغوط على السلطة الفلسطينية وبالأخص عليه. ولطالما تمنى له الموت وعمل من أجله عندما كان جنرالاً ومن ثم وزير دفاع وبعدما أصبح رئيس حكومة.

بعدما شرّف الزعيم الخالد ياسر عرفات العرب بتفجير الثورة الفلسطينية المباركة في عام 1965 وزادهم شرفاً بنصر “الكرامة” وهم في ذروة هزيمتهم، كان لا بد وأن يتحول إلى هدف لجميع جنرالات “إسرائيل” وفي مقدمهم الجنرال الإرهابي آرئيل شارون،ومثله كذلك إخوانه في القيادة الفلسطينية.

وبما أن المقام لا يتسع لسرد جميع محاولات الاغتيال التي تعرض لها الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات ونحن نُحيي الذكرى الثانية عشرة لغيابه، فإنني أذّكر فقط بأعداد الجواسيس الذين حاول جنرالات “إسرائيل” بمن فيهم شارون زرعهم بين ظهرانيه واستطاع بحسه الأمني ويقظة المحيطين به اكتشافهم وإحباط محاولاتهم الدنيئة، وأذّكر كذلك بالمحاولات الإجرامية التي نفذها الطيران “الإسرائيلي” مستهدفاً أماكن تواجده بأوامر مباشرةٍ من الإرهابي آرئيل شارون الذي كان وزيراً للدفاع خلال حصار بيروت الذي استمر ثلاثة أشهرٍ متواصلة. وهل استهدفت جريمة الإغارة على “حمام الشط” أحداً غير القائد الذي أقض مضاجع “الإسرائيليين” قيادة وشعباً؟! وهل لغير “الإسرائيليين” وعلى رأسهم شارون ألف بل مليون مصلحة في تغييبه عن مسرح العمل السياسي وعن الحياة أيضاً!!

جميع الأدلة والوقائع والأحداث السياسية التي جرت منذ قام ياسر عرفات بتفجير ثورته حتى لحظة ترجله ورحيله الغامض في الساعة الرابعة والنصف من فجر يوم الخميس الحادي عشر من شهر تشرين الثاني 2004  وبالأخص في فترة حصاره في مقر الرئاسة، أشرت بأصابع الاتهام في مقتله إلى جنرالات “إسرائيل” وبالأخص رئيس وزرائها آنذاك الإرهابي آرئيل شارون، وأكدت ذلك جميع التقارير والاستنتاجات والتحليلات الطبية والاستخباراتية الفلسطينية والعربية والدولية الرسمية والعامة كما أسلفت الذكر في مطلع مقالتي.

لقد افتروا عليه في حياته وكذلك في مماته!! نعم كان عرفات مُفترى عليه في حياته، لأنهم جعلوا من الإرهابي شارون “داعية سلام” واعتبروه هو “عقبة في طريق السلام”!! وافتروا عليه وهو موارى الثرى، لأن “العقبة” اغتيلت ومر على غيابها 12 سنة بالتمام والكمال ولم يُقم الإرهابي القديم “داعية السلام” ولا من خلفوه على سدة الحكم في تل أبيب بأي خطوة نحو السلام مع الفلسطينيين، بل على العكس من ذلك أحبطوا كل محاولة من جانب الفلسطينيين للسلام.

نعم وألف نعم، الراحل الكبير افتري عليه من إخوانه وشعبه وأمته ومن جنرالات تل أبيب والمتآمرين والمتواطئين معهم والمتسترين عليهم، لأن رحيله بهذه الطريقة لم يزل برغم مرور هذه السنوات الطويلة على جريمة اغتياله لغزاً بدون حل!!

آلاف مؤلفة من المقالات والتحليلات كُتبت ونشرت حول رحيل الرقم الفلسطيني الصعب ياسر عرفات خلال سنوات غيابه التقت جميعها مع قناعة الفلسطينيين بأنه مات مسموماً وشكهم بوقوف “إسرائيل” وراء جريمة اغتياله، بتشجيع ومباركة من الولايات المتحدة أو بتواطؤ منها وبتماه عربي وعالمي.

مجدداً سأتجاوز جميع هذه المقالات والتحليلات وأقف عند المقال الذي كتبه “الإسرائيلي” يوري أفنيري قبل سنتين فقط من رحيل الزعيم الفلسطيني،وهو المقال ذاته الذي كنت قد وقفت عنده في الذكرى الأولى لترجل الفارس العربي الكبير.

قال يوري أفنيري، الكاتب في صحيفة “معاريف” منذ عام 1993 وأحد مؤسسي “غوش شالوم” وأحد المدافعين عن مشروعية قيام دولة فلسطينية إلى جانب “إسرائيل” وأول “إسرائيلي” أقام علاقات متواصلة مع الرئيس الفلسطيني الراحل منذ حصار بيروت في العام 1982 وحتى وفاته، في مقاله الذي نُشر باللغة الإنكليزية في 24 سبتمبر/ أيلول 2002 وحمل عنوان “متى تقرر قتل عرفات”؟ والذي قال فيه:

وأنا أكتب لا يزال عرفات حياً، لكن حياته معلقة بخيط رفيع، عندما زرته لآخر مرة في مقر المقاطعة المهدم في رام الله، حذرته من أن شارون اتخذ قراراً بقتله، ومن يعرف شارون يعرف جيدا أنه لا يتردد في القتل، ولا يتراجع عن قرار اتخذه، وإذا ما فشل في تحقيق هدفه في المرة الأولى فإنه يحاول مجدداً ومجدداً، ولم يصدف أن تراجع عن قرار بالقتل.

في بيروت المحاصرة حاول أن يقبض عليه، وكلف عشرات الكتائبيين من عملائه بالبحث عنه في شوارع بيروت الغربية، لكنه نجا بنفسه مثلما نجا من محاولات عديدة لاغتياله قبل وبعد حصار بيروت، واليوم شارون مقتنع بأنه قادر على قتل عرفات، وهو لا يحتاج إلا لموافقة جورج بوش. هذه الموافقة يمكن أن تكون رسمية أو خطية، إشارة أو غمزة عين منه تكفي، وسيكون من السهل الانتقال إلى التنفيذ.. حادث عرضي ما يكفي!!!”.

وباعتبار أنه عارف ببواطن الأمور “الإسرائيلية” وشاهد من أهل البيت، لم يتردد أفنيري في إنهاء مقاله بتحميل شارون ووزرائه مسؤولية عملية اغتيال الراحل الكبير قبل حدوثها في قوله “إذا حصلت هذه الكارثة فإن حكومة شارون سوف تتحمل المسؤولية الكاملة عنها، ولن يغفر التاريخ لأي وزير إسرائيلي تواطأه في القتل، ولن يسامح الإسرائيليون أحداً من الذين شاركوا في المؤامرة أو الذين سكتوا عنها، فكلهم مسؤولون، إنها الدقيقة الأخيرة المتبقية لكي ننهض جميعاً ونقول بصوت عال: لا”!!

هذا غيض من فيض ما جاء في مقال يوري أفنيري. وأفنيري “الإسرائيلي” هذا لم يتردد أيضاً في كشف حقيقة ما جرى في مفاوضات “كامب دافيد” وتفنيد الأكاذيب الأمريكية – “الإسرائيلية” ليوضح مدى افتراء إدارتي بيل كلينتون وجورج دبليو بوش الأمريكيتين على الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات إرضاءً لعيون “إسرائيل” وقادتها الموغلين في إرهابهم والملطخة أياديهم بالدم الفلسطيني البريء.

سيبقى الراحل الكبير، الزعيم والقائد والوالد والختيار، مُفترى عليه حتى يُنصف بالكشف عن سر عشائه الأخير، ويلقى الذين ارتكبوا جريمتهم بحقه أشد العقاب. وسيبقى دمه أمانة في أعناق الذين أحبوه حتى ينصفوه من الذين كرهوه، وذلك من خلال الكشف عن اللغز الذي أحاط برحيله.

وفي الختام نطرح ذات الأسئلة للسنة الثانية عشرة على التوالي:

مَن قتل الزعيم الفلسطيني؟ وإلى متى سيظل قاتله متوارياً وبمأمن عن يد العدالة؟ وهل سيبقى صاحب القرار الرسمي الفلسطيني الحالي صامتاً وساكتاً أكثر برغم علمه بأن “الساكت عن الحق شيطان أخرس”!!

الرحمة لك يا من كنت أباً للجميع، في حركة فتح وفي جميع فصائل المقاومة الفلسطينية الأخرى. الرحمة كل الرحمة لك أيها الغائب الحاضر، الغائب عنا بجسدك والحاضر بيننا بروحك، ويا من ستبقى حاضراً في قلوب وعقول أبناء شعبك الأوفياء إلى الأبد.

قد يعجبك أيضاً

أضف تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.