الرئيسية » تحرر الكلام » الاقتصاد السعودي والانطلاقة الكبرى (4)

الاقتصاد السعودي والانطلاقة الكبرى (4)

في هذا المقال سنتحدث عن ثلاث قضايا رئيسية تمثل عصب رؤية المملكة 2030م ، وهي قضايا اقتصادية ، حيث يمثل الاقتصاد عصب الرؤية ورائدها نحو الانطلاقة الكبرى ، ويمكن تناول هذه القضايا على النحو التالي :

القضية الأول : النفط من دخل ريعي غائي إلى الممول الرئيس لمشروعات رؤية المملكة 2030م التي ينفذها قطاع الدولة :

يًخطئ من يظن أن قطاع النفط سيفقد دوره قي هذه الرؤية العبقرية ، ولكن هناك تحوير في دوره من دخل ريعي غائي يمثل هدفاً في حد ذاته كما هو عليه الآن ، إلى الممول الرئيس للمشروعات التي ينفذها قطاع الدولة وفق الرؤية ، وسيتم هذا التحوير بعدة طرق تتم في وقت واحد :

الطريقة الأولى : استمرار مدخولات النفط كمورد رئيس بشكل مؤقت لتمويل خزينة الدول لسداد نفقات الحكومة على الخدمات مع الترشيد الذي شرعت فيه .

الطريقة الثانية : تجنيب نسبة من مدخولات النفط لتحوّل إلى تنفيذ المشروعات التي سينفذها قطاع الدولة في رؤية 2030م ، وهذه النسبة المحولة للرؤية من مدخولات النفط ستتناسب طردياً مع دقة وصرامة سياسات الترشيد ، فكلما كانت سياسات الترشيد دقيقة وصارمة ، كلما زادت النسبة المستقطعة من مدخولات النفط وأصبحت أكثر ثباتاً واستقراً ، ومن ثم زاد دورها في مشروعات الدولة في الرؤية .

الطريقة الثالثة : تخصيص شركات قطاع النفط ، وهنا ستحصل الدولة على موارد مهمة لتمويل مشروعات الدولة في الرؤية ، وهذا مورد مهم ويعوّل عليه في هذا الشأن ، شريطة ألا يدخل رأس المال الأجنبي عملية التخصيص تحت أي مسمى .

الطريقة الرابعة : السحب التدريجي لودائع المملكة في الولايات المتحدة والدول الأوربية ، وأية دول أخرى ، لأن الاستثمار داخل المملكة سيكون أكثر جدوى وأمناً ، ناهيك عن الاحتياج الفعلى الماس لهذه الودائع ، ويحتاج هذا التدبير إلى إجراءات كثيرة ينبغي أن تبدأ من الآن للتوجس والخيقة المنتشرة في تلك الدول المستضيفة لتلك الودائع .      

القضية الثانية : الفواعل الاقتصادية الثلاثة في الرؤية :

ثمة ثلاثة فواعل ستتولى تنفيذ الرؤية ، وهذه الفواعل ينبغي أن يتم شحذها وتجهيزها من الآن ، حتى تبدأ في الحركة والفعل الاقتصادي من وقت مبكر ، ونتطرق باختصار إلى الفواعل الاقتصادية الثلاثة على النحو التالي :

الفاعل الأول : قطاع الدولة :

لا بد من تعظيم وتعزيز دور الدولة في تنفيذ مشاريع الرؤية ، لأن الدولة دورها محوري ورائد ، فهي التي تضع خطة حركة الاقتصاد السعودي وفق الرؤية ، وهي التي توزع الأدوار بين الفواعل الاقتصادية ، وهي التي تتصدر للقيام بالمشاريع الاقتصادية العملاقة ذات الصفة السيادية ، وهي التي تحدد معيار المردود الاجتماعي والمردود الاقتصادي للمشاريع .

وتتجمع موارد إنفاق قطاع الدولة على مشاريعه في الرؤية من المصادر التي ذكرناها أعلاه ، ويلاحظ أن موارد هذا القطاع تتسم بالتجدد والدوام نظراً لطبيعتها المرتبطة بتسويق النفط ، على عكس المصدرين الآخرين اللذين يمثلان ودائع استثمارية .

الفاعل الثاني : القطاع الخاص :

للقطاع الخاص السعودي في الرؤية دور مزدوج ، فهو يقوم أولاً بشراء الحصص المحددة له في شركات النفط التي سيتم تخصيص نسب منها ، وهو يقوم ثانياً بتنفيذ مشاريع الرؤية بالشراكة مع الدولة أو بشكل منفرد .

ولنسبة كبيرة من القطاع الخاص السعودي فهم واستيعاب جيدان من خلال خبرة سابقة بالاستثمار الصناعي ، وهذه الخبرة والاستعداد كافيان لكي يشكلا أرضية ينطلق منها هذا الفاعل في تنفيذ مشاريع الرؤية ، حتى ولو كانت مختلفة نوعياً عن مجالات الخبرة التي يملكها ، إلى أن ينخرط في مشاريع الرؤية .    

الفاعل الثالث : رأس المال الأجنبي :

تملك المملكة بنية تحتية جيدة لإقامة المشاريع الصناعية العملاقة ، وتملك في ذات الوقت المعايير الأمنية ذات الموصفات العالمية لاستقبال وتوطن تلك المشاريع ، وهذه البيئة مشجعة لجذب واستقطاب المشاريع الصناعية العملاقة ، ويقيني أن المملكة ستقوم بإعداد قانون لاستثمار رأس المال الأجنبي يجمع كافة المواصفات العالمية وعلى رأسها الأمن والأمان .

القضية الثالثة : قطاعا الانطلاق :

الفضية الثالثة المهمة في انطلاقة الاقتصاد السعودي الكبرى تتعلق بالقطاعات التي ستنفذ فيها مشاريع الرؤية ، ونرى أن ثمة قطاعين يمثلان أمثل القطاعات لاجتذاب مشاريع الرؤية العملاقة ، ونتطرق إليها فيما يلي :

القطاع الأول : قطاع التصنيع العسكري والصناعات المساندة :

يجب أن يرتكز اهتمام وتركيز الاقتصاد السعودي في التصنيع العسكري على مبادئ أخلاقية وقيمية يتبناها ويدعو إليها ، وهي :

المبدأ الأول : لا ينبغي الاعتقاد بأن الدخول إلى اقتصاديات التصنيع العسكري هو انعكاس لغريزة عدوانية ، بل إن هدف ذلك النشاط يجمع بين الجدوى الاقتصادية للاستثمار في التصنيع العسكري ، وبين تصنيع ما يدافع به المجتمع عن ذاته ومكتسباته الحضارية والثقافية ويدفع عنها العدوان والتعدي .

المبدأ الثاني : عدم تصنيع أسلحة تستخدم ضد المدنيين سواء في زمن الحرب أو في المواجهة بين المدنيين والنظم الحاكمة أو في الحروب الأهلية .

المبدأ الثالث : عدم الإقدام على تصنيع الأسلحة الهجومية بكافة أنواعها مثل الصواريخ الهجومية التكتيكية والبالستية والقنابل الهجومية بكافة أنواعها .

المبدأ الرابع : التخصص في الأسلحة الدفاعية بكافة أنواعها مثل الصواريخ المضادة للصواريخ ، ومصادر النيران الهجومية الثابتة والمتحركة ، ومنظومات الرادارات المزودة بالدفاعات الجوية المضادة للطائرات المأهولة وغير المأهولة ، ومنظومات الصواريخ بر ـ بحر ، وبحر ـ بحر المضادة للسفن الحربية الثقيلة والخفيفة والزوارق سريعة الحركة .

المبدأ الخامس : التخصص في الدروع الشخصية والمركبات المدرعة والمصفحة بكافة أنواعها المجنزرة البرمائية والمدولبة سريعة الحركة .

القطاع الثاني : قطاع الدواء :

تقع المملكة وسط منطقة من العالم تتسم بانتشار الأمراض المتوطنة ، والتي تحتاج إلى أنواع من الأدوية دائمة الإنتاج ، ولا يحدث بها أزمات مقصودة وشحة في الإنتاج حتى يتم رفع الأسعار ، وكذا بأسعار اقتصادية في متناول الأعم الأغلب من سكان هذه المنطقة من ذوي الدخول المحدودة .

ومن ثم كان قطاع الدواء من أهم القطاعات التي يمكن لمشاريع الرؤية أن تنخرط فيها وتسجل فيها سبقاً ، ويمكن أن تتجاوز صادرات المملكة من منتجات هذا القطاع منطقة الشرق الأوسط إلى مناطق العالم المختلفة .

أما عن البيئة المحيطة بالرؤية ، ومحفزاتها ، والإشكالات والمخاوف المحيطة بها ، والأراجيف والمثبطات التي يطلقها المرجفون للإحباط والتثبيط ، فسوف نتناول كل ذلك في المفل القادم . 

قد يعجبك أيضاً

أضف تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.