الرئيسية » الهدهد » تحليل: هذه هي تداعيات #قانون_جاستا على العلاقات الدولية

تحليل: هذه هي تداعيات #قانون_جاستا على العلاقات الدولية

منذ إبريل 2016 الماضي والكونجرس الأمريكي في خطواته المستفزة  لصياغة بنود قانونجاستا” حتى تمت الموافقة عليه ومن ثم عرضه علي الرئيس الأمريكي لتوقيعه عليه، وألان أقر الكونغرس قانون “العدالة ضد رعاة الأعمال الإرهابية” (جاستا)، مُعطلا بذلك “فيتو” الرئيس باراك اوباما الذي سبق أن رفض القانون متجاهلاً تداعيات وانعكاسات القانون علي الأليات التي تحكم العلاقات الدولية والقانون الدولي.

 

ونوضح باختصار ما  يقصد بـ قانون جاستا: ”هو مشروع قانون بعنوان “العدالة ضد رعاة الإرهاب” اقره الكونجرس الأمريكي، يعطي الحق لأسر ضحايا هجوم 11 سبتمبر أن تقاضي الدول الراعية لعمليات أحداثه، “وعلي رأسهم المملكة العربية السعودية” أمام المحاكم الأمريكية وتعويض أسرهم، حيث يتيح للمحاكم الفدرالية في الولايات المتحدة النظر في دعاوى مدنية ضد أي دولة ذات سيادة”، وفيما يلي سوف أتناول الموضوع بشىء من التفصيل.

 

قراءة تحليلية في نص القانون:

اعتماد الولايات المتحدة الأميركية، لقانون “جاستا” “يشكل مصدر قلقٍ كبيرٍ للدول التي تعترض على مبدأ إضعاف الحصانة السيادية، باعتباره المبدأ الذي يحكم العلاقات الدولية منذ مئات السنين، والتأثير سلباً على جميع الدول، بما في ذلك الولايات المتحدة، وفيما يلي فقرات القانون الأميركي المثير للجدل(1):

 

اسم القانون، عبرت عنه المادة الأولى بتسميته: “قانون العدالة ضد الإرهاب”؛ أما المادة الثانية تتكون من عدة فقرات، توضح القانون:

 

توضح المادة الأولي أن “الإرهاب الدولي” يعتبر مشكلة خطيرة تهدد المصالح الحيوية للولايات المتحدة الأمريكية.

 

وبالنسبة للمادة الثانية تؤكد أن الإرهاب الدولي يؤثر سلباً على حركة التجارة الداخلية والخارجية للولايات المتحدة الأمريكية، باعتباره يلحق ضررا بالتجارة الخارجية وينسف استقرار السوق ويضيق على حركة سفر المواطنين الأمريكيين إلى خارج البلاد، وعلى قدوم الزائرين الأجانب إلى الولايات المتحدة.

 

أما المادة الثالثة اعتبرت بعض المنظمات الإرهابية الأجنبية (دون أن تُسميها) تنشط من خلال أفراد أو مجموعات تابعة لها في جمع مبالغ ضخمة خارج الولايات المتحدة وتوظيفها لاستهداف الولايات المتحدة.

 

والمادة الرابعة أوضحت أن من الضروري معرفة الأسباب الموضوعية وأبعاد المسؤولية القانونية حول الأفعال التي تحض على تقديم المساعدة وتدعو للتحريض والتآمر تحت الفصل “113 ب” من الباب “18” من القانون الأمريكي.

 

وفيما نصت المادة الخامسة قالت إن الأشخاص أو الجهات أو الدول التي تساهم أو تشارك في تقديم دعم أو موارد سواء بشكل مباشر أو غير مباشر لأشخاص أو منظمات تشكل خطراً داهماً وارتكاب أعمال إرهابية تهدد سلامة مواطنى الولايات الأمريكية أو أمنها القومي أو سياستها الخارجية أو اقتصادها ، يتوقع جلبها للمثول أمام المحاكم الأمريكية للرد على أسئلة حول تلك الأنشطة.

 

أما المادة السادسة أكدت أن لدى الولايات المتحدة الأمريكية مصلحة حقيقية في توفير الأشخاص أو الجهات التي تتعرض للإصابة جراء هجمات إرهابية داخل الولايات المتحدة بالمثول أمام النظام القضائي من أجل رفع قضايا مدنية ضد أولئك الأشخاص أو الجهات أو الدول التي قامت بتقديم دعم سواء بشكل مباشر أو غير مباشر إلى أشخاص أو منظمات تعتبر مسؤولة عن الإصابات التي لحقت بهم.

 

وبنسبة للغرض من القانون فجاء في سياق توفير أوسع نطاق ممكن للمتقاضين المدنيين تماشياً مع دستور الولايات المتحدة للحصول على تعويض من الأشخاص والجهات والدول الأجنبية التي قامت بتقديم دعم جوهري سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، لأفراد أو منظمات تعتبر مسؤولة في أنشطة إرهابية ضد الولايات المتحدة.

 

اما المادة الثالثة: فجائت مؤكده مسؤولية الدول الأجنبية عن الإرهاب.

لن تكون هناك دولة أجنبية محصنة أمام السلطات القضائية الأمريكية في أي قضية يتم فيها المطالبة بتعويضات مالية من دولة أجنبية نظير إصابات مادية تلحق بأفراد أو ممتلكات أو نتيجة لحالات وفاة تحدث داخل أمريكا وتنجم عن فعل إرهابي أو عمليات تقصيرية أو أفعال تصدر من الدول الأجنبية أو من أي مسؤول أو موظف أو وكيل بتلك الدولة أثناء فترة توليه منصبه بغض النظر إذا كانت العمليات الإرهابية تمت أم لا. (ومنحت هذه المادة المواطن الأميركي حق تقديم دعوى ضد أي دولة أجنبية).

 

ووفقاً للمادة الرابعه من القانون فإنه تم بشكل عام تعديل الفصل (2333) من المادة (18) من القانون الأمريكي الخاصة بالحصانة السيادية للدول الأجنبية بإضافة النص التالي “يؤثر التعديل الذي تم في هذه المادة على حصانة الدول الأجنبية تحت أي قانون آخر ، وذلك حسب تعريف هذا التعبير الوارد بالمادة 1603 من الباب (28) من القانون الأمريكي”.

 

وتحدثت المادة الخامسة من القانون عن وقف الدعاوى لحين انتهاء المفاوضات مع الدول، ويقول نصها :

 

تملك المحاكم سلطة قضائية حصرية للبت في أي قضية تخضع بموجبها دولة أجنبية للقضاء الأمريكي، كما يحق للمدعي العام التدخل في أي قضية تخضع بموجبها دولة أجنبية للسلطة القضائية للمحاكم الأمريكية، وذلك بغرض السعي لوقف الدعوى المدنية كلياً أو جزئياً.

 

ومنح القانون المحاكم الأمريكية حق وقف الدعوى ضد أي دولة أجنبية إذا ما شهد وزير الخارجية بأن الولايات المتحدة تشارك بنية حسنة مع الدولة الأجنبية المدعي عليها بغية التواصل إلى حلول للدعاوى المرفوعة على الدولة الأجنبية أو أي جهات أخرى مطلوب إيقاف الدعاوى المرفوعة بشأنها . كمل حدد مدة إيقاف الدعوى بأن لاتزيد عن 180 يوماً، كما يحق للمدعي العام مطالبة المحكمة بتمديد فترة إيقاف الدعوى لمدة 180 يوماً إضافية.

 

وفي المادة السادسة أكد القانون إنه في حال تبين أن نصوص القانون أو أي تعديل تم بموجبه أو أي شرط أو أي نص باطل ، تظل باقي أحكام القانون والتعديلات التي تتم بموجبه سارية، وعدم بطلان الأحكام على أي شخص آخر يمر في حالات مغايرة.

 

أخيراً فإن القانون الأمريكي الجديد يفتح الباب أمام دول أخرى ومن بينها السعودية لاستصدار قوانين مماثلة، إذ باستطاعة هذه الدول اللجوء لمبدأ المعاملة بالمثل الذي يحكم العلاقات الدبلوماسية، من أجل الرد على هذا الإجراء.

 

إنتهاك قانون”جاستا” للقانون الدولي:

انتهك قانون “جاستا” وخالف القانون ميثاق الأمم المتحدة ومبادئ القانون الدولي وأسس العلاقات الدولية القائمة على مبدأ المساواة في السيادة وحصانة الدولة والاحترام المتبادل وعدم فرض القوانين الداخلية على الدول الأخرى ، وهو مبدأ الحصانة القضائية المستمد من مبدأ المساواة بين الدول، ويعني هذا المبدأ، إعفاء الدول من الخضوع للقضاء الإقليمي لدولٍ أخرى. فإذا كانت القاعدة العامة التي تتبعها أي دولة في تحديد اختصاصها تنبني على أن هذه الدولة هي صاحبة القضاء على إقليمها، فإن تلك القاعدة يرد عليها قيدٍ واستثناء، يتمثل في إعفاء الدول ذات السيادة من الخضوع للولاية القضائية لمحاكمها. وبالتالي فلا يجوز إخضاع دولة ما لقضاء دولة أخرى.

 

فهذا المبدأ يعتبر ان الدول متساوية بغض النظر عن حجمها، وقوتها، وانه لا يمكن فرض ارادة دولة على اخرى إلا بموافقة تلك الدول ومن هذا المبدأ تولدت فكرة السيادة وحصانة الدول وعليه إنْبنت اسس العلاقات الدولية؛ فالدول في تعاملها مع بعضها البعض تثبت بالممارسة الطوعية (state practices) مبدأ السيادة الذي هو من اهم مبادئ القانون العرفي الدولي الملزم. إذ أن القانون الدولي العرفي يقرر للسيادة حصانة ضد الإجراءات القضائية.

 

ولعل هذا ما حدى بالفقيه القانوني شارل روسو إلى القول: “إن أساس الحصانة القضائية يعد من شروط أداء الجماعة الدولية ومن خصائصها، حيث تعتبر الحصانة ضرورية لتيسير أعمالها”. وتمتد الحصانة القضائية الممنوحة للدول إلى قادة الدول وممثليها ووكلائها، لأنه لا يمكن لأي دولة أن تتصرف إلا من خلال تصرفات موظفيها ووكلائها، فهم يتصرفون نيابة عن دولهم التي يمثلونها، وتصرفاتهم هي تصرفات الدولة، وحصانة الدولة فيما يتعلق بهم أمر أساسي بالنسبة لمبدأ الحصانة.

 

وبالتالي فبموجب قانون جاستا، لن تستطيع الدول أن تتمسك بسيادتها، أو بمعنى أدق بحصانتها القضائية أمام القضاء الأمريكي، وتدفع بعدم اختصاص المحاكم الأمريكية في محاكمتها بشأن الدعاوى المرفوعة ضدها من عائلات وذوي ضحايا هجمات الحادي عشر من سبتمبر، أو من بعض المؤسسات والشركات الأمريكية وغيرها، التي ترغب في مقاضاة بعض الدول، والحصول على تعويضات منها. وهذا يعني أن قانون جاستا سوف يقوض ويلغي المبادئ والمعايير المتبعة منذ آونةٍ بعيدة بشأن الحصانة القضائية للدول، وسيضرب عرض الحائط بكافة المواثيق والأعراف الدولية التي أرست دعائم وركائز مبدأ الحصانة. إلى جانب انتهاكه للعديد من المبادئ والقواعد القانونية الدولية الأخرى، التي لا يتسع المقام للتطرق إليها.

 

وفي ذات السياق، يذكر شارل دي فيشر قائلاً: “إن الواقع الدولي قد أثبت أن الانشغال باحترام قواعد القانون الدولي سرعان ما يتوارى إلى الخلف عندما توضع هذه القواعد في موضوع المواجهة المباشرة مع سلطان الدولة وسيادتها، فالدول باعتبارها المحتكر لسلطة التأويل الذاتي لهذه القواعد لا تعمد إلى احترامها، ومن ثم الاعتراف بإلزاميتها، إلا تبعاً لما تقتضيه مصالحها، مما يجعل التطابق المفترض تحققه بين قواعد الشرعية الدولية هذه وممارسات الدول وسياستها مجرد مسألة نسبية وغير متحققة بالضرورة.

 

قراءة تحليلية في نص رفض “أوباما” للقانون:

وتلخيصاً لنص رساله أوباما للكونجرس فقد تركزت علي عدة مبررات منها(2):

يحيد القانون عن المعايير والممارسات المعمول بها منذ فترة طويلة تحت قانون الحصانة السيادية للدول الأجنبية، ويهدد بسلب الإجراءات القضائية من جميع الحكومات الأجنبية في الولايات المتحدة، بالاعتماد فقط على المزاعم.

 

سوف يزعزع القانون المبادئ الدولية القائمة منذ فترة طويلة بشأن الحصانة السيادية، ويضع مكانها قوانين إن طبقت على الصعيد العالمي ستكون لها تداعيات خطيرة على المصالح الوطنية الأمريكية.

 

أن من شأن رفع الحصانة السيادية عن الحكومات الأجنبية (التي لم يتم تصنيفها كدول راعية للإرهاب) في المحاكم الأمريكية أن يهدد بتقويض المبادئ التي حمت الولايات المتحدة وموظفيها منذ فترة طويلة.

 

يمكن للقانون تشجيع الحكومات الأجنبية للعمل على أساس المعاملة بالمثل والسماح لمحاكمها المحلية لممارسة الولاية القضائية على الولايات المتحدة، ما سوف يؤثر على الأصول الأمريكية المملوكة في الخارج لتلبية تلك الأحكام، وينبئ بعواقب مالية خطيرة.

 

ستكون للقانون تداعيات خطيرة على علاقات الولايات المتحدة الأمريكية مع شركائها وسيؤثر على تعاونهم في قضايا الأمن الوطني الرئيسية بما في ذلك مبادرات مكافحة الإرهاب في وقت حاسم يسعى فيه الجميع إلى بناء التحالفات وليس خلق الانقسامات.

 

أن القانون يقوض مصالح الولايات المتحدة الأمريكية ولا يسهم في حمايتها من هجمات مستقبلية.

 

ويتضح من سياق رسالة الرئيس أوباما الموجهة إلى الكونجرس والتي ضمنها مبررات رفضه لقانون جاستا الآتي:

 

عدم رغبة الرئيس أوباما في مزيد من التدهور في العلاقات السعودية الأمريكية وهدم آخر جسور التواصل وبناء الثقة بين البلدين في ظل ما يواجهه الاقتصاد الأمريكي من أوضاع صعبة بهدف ضمان بقاء الأصول والسندات وأذون الخزانة والأوراق المالية السعودية المختلفة والتي تصل إلى ما يقارب (750 مليار) دولار.

 

التخوف من قيام بعض الدول بسن قانون مشابه على الأفراد والساسة والجنود الأمريكيين الذين شاركوا في أعمال عنف وقتل وتعذيب وإبادة، كما حصل لسكان مدينة هيروشيما اليابانية في الحرب العالمية الثانية، وإبادة الشعب الفيتنامي، وتعذيب السجناء العراقيين في سجن أبو غريب، والمعتقلين في معتقل غوانتانامو، فضلاً عن بعض الدول الأوربية المتضررة من الولايات المتحدة الأمريكية.

 

تفسير إقرار الكونجرس الأمريكي للقانون:

ولتفسير إقرار الكونجرس الأمريكي لهذا القانون والذي أعد ضد المملكة العربية السعودية تحديدًا، ولمعرفة تطورات الموضوع لابد من استعراض الحقائق الآتية(3):

 

إثر هجمات سبتمبر 2001 الإرهابية في نيويورك شكل الكونجرس الأمريكي لجنة لتقصي الحقائق، لبحث وجمع أكبر قدر من المعلومات حول تخطيط وتمويل وتنفيذ تلك الهجمات، وانتهت اللجنة إلى تقرير فاق 800 صفحة.

 

قررت إدارة الرئيس السابق جورج بوش حجب الفصل الأخير من التقرير والمكون من 28 صفحة عن الجمهور لأسباب تتعلق بالأمن القومي، ليستمر محاطًا بجدار من السرية حتى عهد الرئيس باراك أوباما، ويتناول ذلك الفصل بزعم الإدارة الأمريكية دور المملكة العربية السعودية في هجمات سبتمبر 2001، وظهر الجدال بشأنه في أبريل 2016 مع مناقشة الكونجرس لمشروع قانون العدالة ضد رعاة الإرهاب “جاستا”.

 

في 15 يوليو 2016م أعلن رئيس وكالة المخابرات المركزية الأمريكية رسميًا بأن الصفحات المحجوبة من التقرير برأت السعودية من هجمات سبتمبر 2001م، وكشف بأنها ستتاح للعامة بعد أن وافقت وكالات الاستخبارات وأجهزة إنفاذ القانون ووزارة الخارجية الأمريكية على نشرها.

 

ظهرت ادعاءات بوجود 80.000 وثيقة جديدة سرية بحوزة مكتب التحقيقات الفيدرالي الأمريكي عرفت باسم قضية “ساراسوتا” وتتعلق مجددًا بدور المملكة العربية السعودية في هجمات سبتمبر 2001م.

 

وبقراءة متأنية لتطورات الأحداث وتجدد الادعاءات والمزاعم الأمريكية بشأن علاقة المملكة العربية السعودية بهجمات سبتمبر 2001م يمكن استنتاج أن الأهداف من كل ذلك هي:

 

الابتزاز والحصول على تعويضات مالية ضخمة لتعويض شركات وبيوتات المحاماة التي تبنت رفع الدعاوى وضخت أموالاً طائلة لإثارة الرأي العام الأمريكي للضغط على الكونجرس لإصدار القانون.

 

إبقاء الأصول السعودية الضخمة تحت رحمة القضاء الأمريكي، لضمان عدم سحب الحكومة السعودية لأصولها أو استخدامها ضد المصالح الأمريكية مهما كانت الظروف، خصوصًا بعد اعتماد السعودية لسياسة (التوجه شرقا)، والتي ترجمتها زيارات ولي ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان إلى الصين والتوقيع على مجموعة كبيرة من الاتفاقيات في مختلف المجالات تقوم في مجملها على أساس تعزيز العلاقات السعودية الصينية(4)، وسوف تتبعها زيارات أخرى إلى روسيا والهند ترى الإدارة الأمريكية فيها تهديدًا لنفوذها في الخليج العربي الذي يعتبر عصب الامدادات النفطية لكافة أنحاء العالم خصوصًا بعد فشل انتاج النفط الصخري كبديل لنفط الخليج والشرق الأوسط بسبب ارتفاع تكلفة إنتاجه في ظل تهاوي أسعار النفط في الأسواق العالمية.

 

المشهد السياسي حول سّن قانون “جاستا”:

يؤكد تصويت الكونغرس الأميركي بجناحيه، مجلس الشيوخ ومجلس النواب، بغالبية كبيرة لتجاوز “فيتو” الرئيس أوباما حقيقتَين مهمتَين هما:

 

أولا: أن الولايات المتحدة لا يمكن أن يراهن عليها أي حليف قريب أو بعيد، فخلال السنوات الأربع الأخيرة خذلت الولايات المتحدة السعودية في العديد من المواقف السياسية التي كانت الرياض بحاجة فيها إلى دعم، وأولها في سوريا حيث ما زالت واشنطن ـ كما ترى الرياض- مترددة وضعيفة في مواقفها تجاه الأزمة السورية، وتتحفظ واشنطن على دعوات الرياض لها بالتدخل العسكري المباشر لمصلحة فصائل المعارضة السورية لتحقيق هدف إسقاط الرئيس السوري بشار الأسد، والكل يذكر الأزمة التي مرت بها العلاقات السعودية الأميركية عندما رفض الرئيس أوباما دعوة الرياض لضرب النظام السوري في أيلول العام 2013 بعد اتهام النظام باستخدام الأسلحة الكيميائية، وقبل ذلك كانت الرياض تلوم واشنطن على تأييدها لرئيس الوزراء العراقي السابق نوري المالكي المعادي للسعودية(5).

 

بالإضافة إلى ذلك، ما زالت السعودية تشعر بعدم رضىَ من الإدارة الأميركية بسبب الاتفاق النووي الغربي مع إيران، والذي دعمته واشنطن، حيث ترى الرياض ان اعطاء إيران كل هذه الصلاحيات النووية تجعلها تخطوا قدماً في اخلال الاستقرار في المنطقه وجعلها تطمح في مد نفوذها في بعض دول المنطقه فضلاً عن انه فتح لإيران أبواب المنطقة العربية على مصراعيها، فأصبحت العراق وسوريا ولبنان في دائرة النفوذ الإيراني الكامل.

 

ثانيا: إن إصرار مجلسَي الكونغرس الأميركي على التصويت على قانون “جاستا” رغم فيتو الرئيس يشير إلى أن السعودية رغم العلاقات الإستراتيجية التي تربط الرياض وواشنطن منذ نحو سبعة عقود من الزمن، لم تنجح في أن توجد لها “لوبي” أو جماعة ضغط في الكونغرس الأميركي أو عند مراكز صنع القرار في واشنطن.

 

وفي الحقيقة، إن إدارة السعودية لعلاقاتها مع الولايات المتحدة كانت تركز على إقامة أفضل العلاقات مع الإدارات الأميركية – الرؤساء بالذات – المختلفة: جمهورية كانت أم ديموقراطية، من دون الاهتمام بشكل أكبر بالرأي العام وبالإعلام، إلا من خلال حملات للعلاقات العامة تقوم بها شركات متخصصة وهي في العادة لا تحقق النجاحات والأهداف المطلوبة.

 

ولكن يبدو أن تصويت مجلسَي الكونغرس على قرار “جاستا” يشير إلى أن الرياض لن تتدارك الوقت، واعتقدت أن وعود الرئيس أوباما لها بأنه سيستخدم “الفيتو” ضد القرار ستسقطه، ولا شك أن الرياض لم تحسب حسابها لإصرار الكونغرس على القرار وإسقاط “فيتو” الرئيس عليه.

 

خيارات المملكة العربية السعودية تجاه القانون:

بداية يجب التنويه الي ان للملكة السعودية حق الرد علي انتهاك قانوت “جاستا” للقاون الدولي حيث انه يتناقض مع القانون الدولي وبالتحديد مبادئ القانون الدولي العرفي، وان امريكا بسنها هذا القانون تخرق مبادئ التعامل الدولي. كما يحق للمملكة ان تطلب ان تنظر محكمة العدل الدولية في مسألة قانونية قانون “جاستا” ومدى مخالفته للقانون الدولي، وكذلك عدم الزاميته للمملكة.

 

فالمملكة دولة ذات سيادة ولا يمكن لأحد ان يجبرها على الامتثال لهذا القانون. ومما هو في صالح المملكة ان كل الدول ترفض هذا القانون ومنها دول حليفة جدا لأمريكا مثل الاتحاد الاوروبي ناهيك عن الصين وروسيا وغيرها. بعبارة اخرى، هذا القانون لا يحظى بموافقة دولية، وامريكا بسنهها لذالك القانون تخالف الاجماع الدولي، ولا يمكنها ان تطلب من الدول الاخرى التضامن معها ضد المملكة لأنها هي المخالفة للقانون. هذا الواقع يشكل فرصة للسعودية ولكن يتطلب منها دبلوماسية وجهد قانوني كبيرين لمواجهة هذا الامر.

 

أما عن وسائل الضغط فالمملكة العربية السعودية لديها بعض من وسائل الضغط على أمريكا منها:

 

الجانب الاقتصادي: أن تقوم بسحب مليارات الدولارات من الاقتصاد الأمريكي، وهو ما يمثل مشكلات للسلطات الأمريكية، فقد هددت السعودية بسحب 750 مليار دولار من الولايات المتحدة الأمريكية في حالة تم تفعيل هذا القانون.

 

وتوجد هذه الأموال الضخمة على شكل سندات وأصول أخرى، و قد صرح وزير الخارجية السعودي عادل الجبير، أن السعودية سوف تضطر لبيع جميع الأصول في السعودية خوفا من تجميدها قضائياً، وبالتأكيد فإن السعودية قادرة على الضغط على أمريكا بداية من النفط، وبالإضافة لشركات واستثمارات خاصة سواء معلنه أو غير.

 

ووفق تقارير إعلامية، تمتلك المملكة 96.5 مليار دولار في أصول تحت إدارة وزارة الخزانة تجعل منها المستثمر رقم 15 في لائحة مالكي أصول الخزانة الأميركية، ومن المؤكد أن السعودية لن تعدم الوسيلة في الضغط ابتداء من النفط مروراً بشركات خاصة واستثمارات معلنة وغير معلنة إلى المشاريع السعودية الأمريكية المشتركة في دول العالم، والتي بات مصيرها يتأرجح مع تفعيل قانون جاستا.

 

الجانب السياسي: فإن السعودية تستطيع إقناع الدول الأعضاء بمجلس التعاون الخليجي أن يقوموا مثلها بتجميد التعاون مع أمريكا في جميع المجالات بدءا من مكافحة الإرهاب وحتى التعاون الاقتصادي وعدم السماح لأمريكا بإستخدامها قواعد المنطقة العسكرية، بالإضافة أنه من المحتمل زيادة الهجمات الإرهابية بعد انسحاب السعودية والتي كان لها دور كبير في القضاء على الإرهاب، كما سيكون هناك أثارا سلبية على مستوى الملف السوري واليمني وعددا أخر من الدول.

 

كذلك بات مصير التعاون بين دول الخليج وعلى رأسهم السعودية مع أمريكا في ملف مكافحة الإرهاب غامضاً، مع توقع احتمال زيادة وقوع هجمات إرهابية في بقاع عدة من العالم، مع عدم إغفال كم أوقفت الرياض وعواصم خليجية أخرى هجمات محتملة بفضل تعاونهم مع واشنطن.

 

ولا يمكن أن ننسى كذلك الملفات الشائكة في منطقة الشرق الأوسط ومدى انعكاسات قانون جاستا عليها، سواء في الملف السوري أو اليمني وباقي دول المنطقة، ويمكن للسعودية أن تُحرك بالتعاون مع حلفائها حتى في أوروبا بعضاً من الملفات التي يمكن أن تستخدم ضد واشنطن وبذات السياق المعتمد في جاستا، وهو مربط الفرس الذي أثار مخاوف وزير الدفاع الأمريكي آشتون كارتر عندما صرح بأن تفعيل جاستا يمكن أن يتسبب بمقاضاة أمريكيين بسبب أعمال خارجية تلقت الدعم من واشنطن.

 

ثغرة الأمان في القانون:

بالرغم من القانون يمثل كارثه جيوسياسية وانتهاك للقانون الدولي ومواثيق العلاقات الدولية إلا أن القانون “جاستاط يحمل في طياته بندا يمكن وصفه بـ”ثغرة الأمان”، حيث يعطي البند الحكومة الفيدرالية الأمريكية سلطات واسعة لوقف الدعاوى المرفوعة ضد دول أخرى بموجب هذا القانون.

 

وينص البند على “أنه يحق للنائب العام الأمريكي التدخل لوقف متابعة أي قضية بموجب قانون جاستا، إذا شهد وزير الخارجية على أن حكومة الولايات المتحدة تجري محادثات بحسن نية مع الدولة المتهمة”؛ ومثل هذا البند يوفر القدرة على وقف دعاوى قضائية محددة، لكنه لا يتصدى للمخاوف الجيوسياسية الأوسع من تشريع القانون بالأساس. (وهذا إذا مات تمت الكارثة وأصبح العمل بالقانون مُتاح مُباح جليلاً).

 

المصدر: المركز الديمقراطي العربي

قد يعجبك أيضاً

أضف تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.