الإيكونوميست تكشف النقاب عن “الكامورا” أكثر عصابات المافيا دمويةً وإجراماً في تاريخ إيطاليا

كشفت مجلة The Economist في عددها الأخير المنشور في السابع والعشرين من شهر أغسطس/آب النقاب عن أسرار إمبراطورية الـ”كامورا”، وهي واحدة من أكثر عصابات المافيا دمويةً وإجراماً في تاريخ إيطاليا، كانت قد ظهرت في القرن التاسع عشر على جزيرة صقلية، ولها تاريخ طويل من الأعمال غير المشروعة وسجل طويل من جرائم القتل المدفوعة أو الانتقامية.

 

ويقول التقرير”انضم مؤخراً لقائمة مسلسلات الجريمة والمافيا، مسلسل “جومورا Gomorrah “، الذي سيتناول إحدى عائلات المافيا الإيطالية الشهيرة، تعرف باسم ” كامورا”، وتتّخذ من مدينة نابولي معقلاً لتنفيذ أعمالها الإجرامية”.

 

لقد نجح مسلسل جومورا في أن يصبح أكثر المسلسلات الإيطالية شهرة وإثارة للجدل منذ اللحظة الأولى لعرضه قبل عامين من الآن، وتمكن القائمون عليه من بيعه إلى أكثر من 50 دولة، وحققوا مكاسب طائلة، ومن المنتظر أن تعرض الحلقة الأولى على التلفزيون الأميركي خلال هذا الأسبوع.

 

ولفت التقرير إلى أن المسلسل يجسد عصابات المافيا بواقعية شديدة، تُظهر وجهها الحقيقي وسيجعل قائدي المافيا يظهرون بصورتهم الأصلية كوحوش قاتلين، ولن يجد المشاهد نفسه مضطراً للتعاطف معهم مجدداً كما هو الحال مع المسلسلات الدرامية السابقة، لدرجة أن روبرتو سافيانو مؤلف كتاب “جومورا”، الذي اعتمد عليه القائمون على المسلسل، قد تلقى تهديداً بالقتل من عصابة كامورا فى عام 2006، بسبب استغراقه في فضح هذه العصابات.

 

اضطر المؤلف بعدها للاختباء بعيداً عن أعينهم، كما أن تصوير المسلسل قد توقف أكثر من مرة لأنه شهد حدوث حالات عنف في مدينة نابولي.

 

الكامورا.. احترافية في الأعمال تضاهي الشركات العالمية

 

وذكر التقرير أن من أكثر الأمور لفتاً للانتباه حول عصابة المافيا “كامورا”، هو مدى الكفاءة والاحترافية العالية التي تتمتع بها في عالم الأعمال، وذلك بعد أن نجحت في تغيير استراتيجيتها وآلية عملها أكثر من مرة حسب الظروف المتغيرة التي ألمت بها طيلة العقود الماضية، وأصبحت تسيطر حالياً على معظم صناعة الدواء في أوروبا، وبالأخص الأدوية المنومة والمهدئة وعقاقير الاضطرابات النفسية والمسكنات الأفيونية.

 

وأوضح أن عصابات الكامورا تتمتع باحترافية كبيرة في استقطاب أعداد كبيرة من “العمالة” مهما كان حجمها، وهو ما جعلهم يكونون تحالفاً ضخماً يشمل 115 عصابة، تضم كل منها نحو 500 فرداً، هذا بخلاف العديد من التحالفات غير المعلنة، كما أنهم قادرون على تغيير مجال عملهم سريعاً إذا تطلبت الظروف ذلك، بالإضافة إلى مقدرتهم على ضخ دماء جديدة لتجديد نشاط المافيا وتحسين جودة الأفكار والمهارات لأفرادها.

 

وتتخذ عصابات المافيا “كامورا” تسلسلاً هرمياً منظماً، كما هو الحال مع الشركات العالمية الاحترافية، فهناك فئة من القادة يضعون الخطط والاستراتيجيات ويتحكمون في موارد المافيا، وهناك فئة ثانية من المديرين الذين يتأكدون من مدى جودة السلع ومطابقتها للمواصفات التي تحددها رأس السلطة الهرمية ويشرفون على شرائها، وهناك فئة ثالثة تتولى عملية التوزيع، وأخيراً هناك الفئة الرابعة، التي تعتمد على الباعة الجائلين، الذين يقومون بإيصال البضاعة بشكل مباشر إلى الزبائن.

 

كما تلتزم شبكة الكامورا بخطة احترافية في إدارة سلاسل الإمدادات والتوريدات، حيث تعمد إلى جلب الأدوية والعقاقير من مختلف أنحاء العالم، مع وضع خطط بديلة إذا طرأت ظروف حالت دون وصول “البضاعة”، حيث يجلبون الكوكايين من أمريكا اللاتينية، والهيروين من أفغانستان والحشيش من شمال أفريقيا.

 

أشهر وجوه مافيا الكامورا

يعد باولو دي لاورو، 63 عاماً، من أشهر الرؤساء السابقين لعصابات الكامورا، وهو يعتبر من أكثر رجال الأعمال الإيطاليين إبداعاً وابتكاراً في مجال الأعمال خلال العقود الأخيرة، قبل أن يتم القبض عليه فى عام 2005، وإيداعه بالحبس الانفرادي في أحد السجون الإيطالية شديدة الحراسة كي يقضي عقوبة الحبس ثلاثين عاماً، بحسب المجلة البريطانية.

 

وتمكن دي لاورو من تحقيق نجاحات كبيرة للكامورا، فبجانب إشرافه على ملف تجارة الدواء في كولومبيا، فقد نجح في تصميم نظام فريد لإدارة مجموعات المافيا، حيث عمد إلى منح الموزعين الذين يتعاملون معه حق الامتياز كي يكونوا مسئولين عن إدارة أنشطة المافيا الإجرامية بشكل حصري في منطقة معينة لها حدود محددة، لا يجوز لأحد مشاركتهم فيها، مع منحهم الحق في استقطاب أي أعداد من المجرمين المتعاونين، مع القدرة على تغيير النشاط لو تطلب الأمر، وهو ما ساهم في رواج نشاطات الكامورا وتحفيز المجرمين على الانضمام إليها.

 

الكامورا.. قدرات استثنائية تلوثت بثوب الجريمة

 

يتمتع أفراد عصابة الكامورا بقدرات استثنائية في استقطاب أفراد جديدة لشبكتهم، ولديهم خبرة واسعة فى بناء مجموعات العمل وتحسين العلاقات الاجتماعية، وغالباً ما يتم التعرف على الأعضاء الجديد خلال الحفلات أو المراسم الروحانية، ويتم منح “النجوم الصاعدين” منهم أسماءً مستعارة ودودة.

 

وتعمد عصابة الكامورا إلى رعاية أسر أبناء المافيا الذين قتلوا أثناء العمليات الإجرامية من خلال تخصيص أحد أفراد العصابة، له مسمى وظيفي يعرف بـ “الغواصة”، يقوم بإيصال الأموال والطعام إلى هذه العائلات، وذلك كي يبعثوا برسالة اطمئنان لجميع أفراد التنظيم.

 

وغالباً ما تؤتي هذه الأعمال ثمارها، إذ يدافع عنهم هؤلاء الأهالي ببسالة، بجانب دعم السكان المحليين أثناء مداهمات الشرطة، فيشكلون حواجز بشرية تحول دون وصول سيارات الأمن للمجرمين، بل يصل الأمر أنهم قد يلقون عليهم القمامة أو يشعلون النار في سياراتهم.

 

وأعزى التقرير الدعم المستمر من الأهالي لمافيا الكامورا إلى المساندة الاجتماعية التي تكفلت بها هذه العصابات، على الرغم من أنها قدمت لهم في سياق دموي متوحش، حيث تسببت عصابات المافيا الإيطالية في وفاة أكثر من 3600 شخص في الفترة من 1979 حتى 2006، وهو موعد نشر كتاب سافيانوا مؤلف كتاب الجومورا.

 

وتسببت العصابة في إصابة إيطاليا بالركود الاقتصادي لعقود طويلة، وجعلها تحتل المركز 45 في قائمة الدول التي تسهل تأسيس الشركات وممارسة الأعمال التجارية، بجانب الاتجار في أدوية لتحقيق أرباح طائلة وتصاعد أنشطتهم على جثث من يتعاطونها، بالإضافة إلى أنهم أضاعوا على مدينة نابولي الإيطالية فرصة أن تصبح من أكبر المدن الجاذبة للسياح في العالم نتيجة السمعة السيئة التي اكتسبتها.

 

من يدفع الثمن داخل عصابة الكامورا؟

 

وأردفت مجلة “ذا إيكونوميست” أن أعضاء مافيا الكامورا يدفعون الثمن غالياً أيضاً، حيث يعيش الباعة الجائلون “الجنود المجهولون” إن صح التعبير، حياة صعبة ومزرية، وغالباً ما تنتهي حياتهم بالقتل أو الإعاقة أو السجن، قبل أن يبلغوا منتصف عمرهم، أما الرؤساء الذين يسيطرون على قمة التنظيم الهرمي للكامورا فهم بعيدون عن المداهمات، وغالباً ما يحصنون أنفسهم داخل أماكن معزولة أو تحت الأرض، ولكنهم في الوقت نفسه لا يعيشون حياة الشرفاء، ويظلون طوال حياتهم يفرون من العدالة.

 

فعلى الرغم من أن رئيس المافيا الأسبق دي لاورو كان يحقق مكاسب طائلة، لدرجة أن حجم الأعمال التجارية التي كان يسيطر عليها، بلغ في العام الواحد 250 مليون دولار وهو أكبر من مثيله في شركة “US Steel”، أكبر شركة للحديد والصلب فى الولايات المتحدة الأميركية، إلا أن حياته انتهت سريعاً ولم يستمتع بالأموال التي جناها.

 

لماذا تزدهر عصابات المافيا إذن ؟!

 

ويبقى السؤال المحير الذي يطرح نفسه، لماذا تستمر عصابات المافيا في الازدهار والنمو حتى وقتنا هذا رغم كل هذه المخاطر والدمار الذي تتسبب فيه، وأعزت المجلة البريطانية ذلك إلى المكافآت الضخمة التى يحصل عليها أعضاء هذه العصابات، وندرة البدائل والفرص المتاحة.

 

وأضاف التقرير أن الحل يكمن في إيجاد أنظمة وقوانين جديدة تحفز المواطنين لبدء وإقامة أنشطة تجارية قانونية، شريطة أن تكون مرنة وبلا قيود، وبالتالي لن يجد الأفراد حاجة للاشتراك في عصابات المافيا الإجرامية، والتي تتجه دائماً إلى الإبداع في الأعمال التي تنفذها، وتستقطب أعضاءها بالمكافآت المالية ووعدهم بتحقيق كل أحلامهم.

 

ترجمة “هافينغتون بوست عربي”

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى