الرئيسية » أرشيف - المجلة » الياسمين الدمشقي… ينبوع الجمال و أغنية الشعراء الأولى

الياسمين الدمشقي… ينبوع الجمال و أغنية الشعراء الأولى

وطن-خاص”- كتب وعد الأحمد-  بمجرد أن يُذكر البيت الدمشقي تتداعى إلى الذاكرة صورة نمطية حميمية لحيّز مكاني يعبق بأريج الفل والحبق والشاب الظريف والأضاليا والمستحية ،والياسمين الدمشقي، تلك الزهرة الجميلة التي ارتبطت بمدينة دمشق ارتباطاً وثيقاً وأصبحت رمزاً طبيعياً من رموزها عبر العصور كما هو جبل قاسيون ونهر بردى والجامع الأموي، فتألقت بها أقدم عاصمة في التاريخ وانتشر في بيوتاتها القديمة وعلى أسيجة المنازل والشرفات والحدائق الغنّاء قبل أن تكتسي شجيراتها الصغيرة بالحزن والأسى على ما آلت إليه عاصمة الياسمين.

 

ويذكر ( أبو البقاء عبد الله البدري) وهو من علماء القرن التاسع الهجري، في كتابه “نزهة الأنام في محاسن الشام” أن من محاسن الشام “الحواكير” وهي كالحدائق في سفح جبل قاسيون، ونظراً لعلوها عن نهر يزيد فقد اصطنعوا الدولاب لريّها، وزُرعت بالرياحين والياسمين والأزهار لحكمة وهي أن النسيم إذا مر بها يحمل منها من طيب الريح ما استطاع ويسري به إلى من تحتها من أهل المدينة والسكان. فماذا بقي من أزهار ورياحين الشام، وماذا حل بهوائها الذي كان يحمل ما تطيب به أنفس أهلها.

 

مدينة الياسمين

تغنّى الشعراء بالياسمين وغنوا له وتدلى على شرفات المنازل وغطّى أدراج البيوت ومداخلها وعتباتها.. وفي مدينة دمشق عطّرت رائحة الياسمين المساءات والأزقة والحارات حتى عُرفت بمدينة الياسمين وبدت كما يصفها الشاعر الأندلسي ابن الأبّار ( 1199- 1260م ) : فتلك عروش الياسمين وزهره كزهر النجوم وسط أفلاكها تبدو ولعل أكثر من تغنى بياسمين دمشق وبياضه الناصع ابنها الراحل شاعر المرأة والياسمين نزار قباني الذي أهدته دمشق ( أبجدية الياسمين ) حسب تعبيره.

 

وفي قصيدته ” طوق الياسمين ” يقول :

شكراً.. لطوق الياسمين

وضحكتِ لي.. وظننتُ أنك تعرفين

معنى سوار الياسمين

يأتي به رجل إليك.. ظننت أنك تدركين..

 

و”حكاية نزار قباني مع الياسمينة الدمشقية بدأت منذ فتح عينيه على هذه الحياة لأول مرة, فترعرع في ظلها, واستنشق من أريجها حتى ملأ رئتيه, وأصبحت الياسمينة الدمشقية جزءاً من حياته وتفكيره وشعره ونثره , فالياسمينة الدمشقية ً موجودة في الكثير من قصائد نزار قباني الذي أحب دمشق وياسمينها, وكان إصراره أن يُدفن في نفس التراب الذي نبتت فيه عشيقته ياسمينة دمشق ” إنني أرغب أن ينقل جثماني بعد وفاتي إلى دمشق ويدفن فيها في مقبرة الأهل لأن دمشق هي الرحم الذي علمني الشعر وعلمني الإبداع وأهداني أبجدية الياسمين” وهكذا عاد الطائر إلى بيته والطفل إلى حضن أمه الأرض في مقبرة الباب الصغير التي تعرّش على أسوارها زهرات الياسمين الدمشقي البيضاء وتفوح برائحة زكية يملأ شذاها الأرجاء .

 

أما الشاعر محمود درويش فيقول في قصيدته( في الشام ) من مجموعته ( لا تعتذر عما فعلت ) : في الشام ، أعرف من أنا وسط الزحام ، يدلّني قمر تلألأ في يد امرأة … عليّ يدلّني حجر توضأ في دموع الياسمينة ثم نام )

 

الياسمين البلدي شجيرة متسلقة معروفة من الفصيلة الزيتونية . كما يقول ( د. محمد العودات) و يصل طول هذه الشجيرة إلى عدة أمتار وأوراقها مركبة ريشية منتهية، وأزهارها بيضاء ذات رائحة عطرة قوية وزكيه، تزهر ابتداءاً من نيسان وتستمر حتى تشرين الثاني، وتُزرع في البيوت والحدائق في مناطق سورية كافة ، اشُتق اسم الياسمين من لفظة (آسمين) الفرعونية ثم حُرفت إلى الياسمين، ووجدت أزهارها على رؤوس وحول أعناق بعض ملوك وملكات الفراعنة .

 

وكان الياسمين الدمشقي قبل أن يصطبغ بالأحمر يزيّن أسيجة وأسوار المنازل ويضفي جواً رومانسياً بديعا ً ببياضه الشاهق ورائحته الذكية التي تعطر أرجاء المكان إلى عشرات الأمتـار، كما كان باعة الياسمين ينتشرون على الأرصفة ويبيعون أطواق الياسمين المضفورة للناس ليتبادلونها كهدايا رمزية أو يضعونها على قبور أحبائهم.

قد يعجبك أيضاً

أضف تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.