كين ليفنجستون.. مواقف مبدئية ولا خضوع أو تراجع !!

– ناز شاه تقترح نقل “إسرائيل” للولايات المتحدة

– وكين ليفنجستون يقول: “هتلر دعم الصهيونية”

قرر حزب العمال البريطانى المعارض يوم الخميس الفائت تعليق عضوية عمدة لندن السابق المثير للجدل كين ليفنجستون، بسبب تصريحات أدلى بها واعتبرها الحزب “مسيئة لسمعته ومعادية للسامية”. واتُخذ ذلك القرار إثر انتصار ليفنجستون لزميلة له في الحزب والبرلمان تدعى ناز شاه  قامت بنشر مقترح لها في موقع للتواصل الاجتماعي دعت فيه إلى حل الصراع في منطقة الشرق الأوسط عن طريق “نقل إسرائيل إلى الولايات المتحدة الأمريكية”. وقد تسبب مقترح شاه بعاصفة شديدة داخل الحزب أدت إلى تعليق عضويتها فيه قبل تعليق عضوية ليفنجستون بأربع وعشرين ساعة .

وكانت كرة الثلج قد تدحرجت بعد تعليق عضوية ناز شاه لتصيب كين ليفنجستون الذي عبر عن انتصاره  لها عبر تصريحات نارية أطلقها في مقابلة أجرتها معه إحدى المحطات الإذاعية التابعة لـ “بي بي سي”، دافع فيها عن شاه بالقول أن “هتلر كان داعما للصهيونية”، مذكراً بأنه كان قد “فاز في الانتخابات عام 1932، وأن سياسته كانت ترتكز على نقل اليهود إلى إسرائيل”، ومضيفاً أنه كان قد “دعم الصهيونية قبل أن يفقد عقله ويقتل ستة ملايين يهودي”، على حد تعبيرهّ!!

ونفى ليفنجستون أن تكون شاه معادية للسامية، مشيرا إلى أنه خلال سنوات عضويته في حزب العمال، والتي وصلت إلى 47 عاما لم يسمع أية تصريحات معادية للسامية، وإنما سمع كثيرين ينتقدون “إسرائيل”. وأضاف “إذا قمت بإدانة جنوب أفريقيا، فإنكم لن تتهموني بالعنصرية. إن ما يقلقني هو الخلط بين معاداة السامية وانتقاد سياسة حكومة إسرائيل”، معتبرا أن ذلك يقوض أهمية مكافحة اللاسامية الحقيقية.

أشير إلى أن ناز شاه البالغة من العمر 42 عاماً كانت قد ذكرت في تغريدات نشرتها على حسابها الخاص في موقع التواصل الاجتماعي أنه “توجد مساحات كبيرة في الولايات المتحدة تستطيع أن تستوعب إسرائيل كولاية رقم 51، بما يتيح للفلسطينيين استعادة حياتهم وأراضيهم”. وذكرت أيضا “أن الإسرائيليين سيكون مرحبا بهم في الولايات المتحدة، وأن تكاليف نقلهم إليها ستكون أقل من المساعدات العسكرية الأمريكية لإسرائيل خلال ثلاث سنوات فقط”.

وأشير أيضاً إلى أن شاه كانت قد نشرت تغريداتها في العام 2014، أي قبل انتخابها عضوا في البرلمان البريطاني، إلا أن الكشف عنها حدث مؤخرا. وترافق الكشف عن تغريدات شاه مع الكشف عن مقارنة بين سياسة “إسرائيل” وسياسة أدولف هتلر كانت قد نشرتها في وقت سابق.

وتسبب الكشف عن تغريدات شاه، التي كانت قد نشرتها في أوج العدوان “الإسرائيلي” على قطاع غزة في صيف العام المذكور سابقاً وعادت واعتذرت عنها لليهود لاحقاً، بعاصفة داخل حزب العمال، بعدما اعتبر مؤيدو “إسرائيل” بين صفوفه أن “الحزب بقيادة جيرمي كوربين لا يواجه اللاسامية المتصاعدة في صفوف الجناح المتطرف بداخله”!!

المستجدات هذه تعيد إلى الأذهان ما كان قد تعرض له رئيس بلدية لندن السابق كين ليفنجستون في عام 2006، عندما قضت هيئة قضائية تأديبية بريطانية بوقفه عن العمل أربعة أسابيع، وذلك لأنه شبه صحفيًا يهوديًا بحارس معسكر نازي خلال الحرب العالمية الثانية. ففي قرار جماعي اعتبر الأعضاء الثلاثة للهيئة المختصة بالنظر في قضايا أداء المسئولين المحليين أن تصريحات ليفنجستون “تفتقر إلى الحساسية وتتضمن إهانة غير مبررة للصحفي”. كما اعتبر رئيس الهيئة ديفيد لافيريك أن “التصريحات التي أدلى بها ليفنجستون أساءت إلى سمعته وسمعة البلدية”. وأضاف أن رئيس البلدية “انتهك مدونة سلوك بلدية لندن عبر الإساءة إلى سمعة وظيفته”.

ويومها طالبت مديرة تحرير صحيفة “إيفننغ ستاندرد” التي كان يعمل فيها الصحفي اليهودي رئيس البلدية السابق بالاعتذار، إلا أنه تمسك بموقفه ورفض ذلك. وكان كين ليفنجستون قد صمد طوال عام كامل في وجه النصائح التي أتته من أصدقائه ومحبيه والضغوط التي مورست عليه من خصومه البريطانيين والدوليين وظل على موقفه الرافض للاعتذار من الصحفي أو الصحيفة.

من المفيد الإشارة إلا أنه ما من عربي أو مسلم أصغى إلى تصريحات عمدة مدينة لندن السابق “كين ليفنجستون” التي تعلقت بذلك الحكم وما سبقه ولحق به أو قرأ له مقالاته المتصلة بالصراع العربي الإسرائيلي واحتلال العراق وما يجري بمنطقة الشرق الأوسط وشئون العرب والمسلمين في كل مكان وبالأخص في أوروبا، إلا وأحس أنه في حضرة واحد من أبرز المدافعين عن القضايا العربية والإسلامية، بسبب مواقفه المبدئية والثابتة وشجاعته المفرطة، التي عكستها إداناته المتكررة للولايات المتحدة وإسرائيل وتأييده لقضايا العرب والمسلمين.

فعلى الرغم من أن هذا الرجل الغربي مسيحي بالأصالة، إلا أنه لطالما اعتاد على الصدح بالمواقف القوية انطلاقًا من العاصمة البريطانية الحليفة الأهم لواشنطن وتل أبيب، دون ما اعتبار لحسيب أو رقيب بما في ذلك “قانون معاداة السامية” الذي وضعته إدارة المحافظين الجدد بزعامة الرئيس الأسبق جورج بوش الإبن ليكون سيفًا “إسرائيليًا” مسلطًا على أعناق أمثاله.

كلنا نذكر جملته الشهيرة “شارون مجرم حرب”. جملة من ثلاث كلمات أطلقها ليفنجستون في عام 2005، تمنى في حينه أغلب العرب والمسلمين أن يكون هذا الرجل زعيمًا لهم يعوضهم عن ما افتقدوه في زعمائهم الذين ما عادوا يعرفون غير الذل والهوان والرضوخ للإملاءات الأمريكية و”الإسرائيلية”، بحيث فقدوا أهلية الدفاع عن قضايا الأمة والقدرة على قول كلمة حق مجردة “لا يراد بها باطل”.

وهذا ما يدفعنا دائمًا إلى التساؤل عن سر تمتع كين ليفنجستون الملقب بـ”كين الأحمر” بكل هذه الشجاعة التي افتقر كبار زعمائنا إلى أدنى مستوياتها!!  بينما يصر زعماؤنا على مطالبة بعضهم البعض بالامتثال للإرادة الأمريكية ـ “الإسرائيلية” المشتركة على حساب قضايا أوطانهم وشعوبهم !! تساؤل فيه كل العجب العجاب!!

“قضية الحُكم” على ليفنجستون كانت جولة من ثلاث خاضها في حينه ضد المقبور أرييل شارون في شهر واحد. فقد عُرف عن الرجل عناده في مواقفه وصلابته في الدفاع عن قضايا العدل وفي مقدمها القضية الفلسطينية.  ولعل أبرزها تلك التي صدرت عنه في عام 2005 وأثارت زوابع إعلامية داخل وخارج بريطانيا خلفت وراءها ارتدادات وارتجاجات حافظت على تأثيراتها حتى الآن. ثلاث مرات خلال شهر واحد، أماط ليفنجستون اللثام عن حقيقة “إسرائيل” ورئيس حكومتها في حينه والممارسات الوحشية التي اعتادت قوات الاحتلال على ارتكابها بحق الفلسطينيين دون وازع من ضمير أو إحساس إنساني. ثلاث مرات كشف الحقيقة العارية لمجرم الحرب شارون الذي سبق لبوش أن وصفه بـ”رجل السلام” في تحد سافر لمشاعر العرب والمسلمين وتجاهل متعمد لميزان الحق والعدل. ثلاث مرات صدح صوته وانفجر مداد قلمه، فدوت كلماته كالقاذفات الصاروخية فوق رؤوس قوات الاحتلال التي اعتادت أن تعيث فسادًا في فلسطين والعديد من المواقع العربية، في وقت لم نسمع فيه غير “نقيقٍ” الضفادع أو “فحيحٍ” الأفاعي في بلاد العرب والمسلمين.

المرة الأولى كانت “القضية التي بموجبها صدر حكم الهيئة التأديبية ضده” في شهر شباط عام 2005، عندما وصف ليفنجستون الصحفي اليهودي أوليفر فاينغولا العامل في صحيفة “إيفننغ ستاندرد”  بـ”حارس معسكر اعتقال نازي”، لكثرة استفزازه ومضايقته له بسبب تصريحاته النارية الخاصة “بإسرائيل” ورئيس حكومتها آنذاك الآرهابي المقبور أرييل شارون. والثانية وهي الأهم كانت في الخامس من شهر آذار من ذات العام عندما وصف شارون في مقال نشرته له صحيفة “الغارديان” البريطانية بـ”مجرم الحرب”. أما الثالثة فجاءت بعد ثلاثة أيام من ذلك التاريخ عندما أجاب على أسئلة مكتوبة وجهتها له صحيفة “جيروزاليم بوست الإسرائيلية” وقال في أحد ردوده: “إن إسرائيل توحي بالإرهاب لتنظيم القاعدة وتدفع الوضع في الشرق الأوسط إلى حد الغليان”.

في مقال الخامس من آذار 2005 الذي نشرته له “الغارديان” تحت عنوان “هذا عن إسرائيل وليس عن العداء للسامية”، حمل ليفنجستون بشدة على سياسة أرييل شارون الإجرامية، ووصفه آنذاك بـ”مجرم الحرب الذي يجب أن يكون مكانه السجن لا رئاسة الحكومة”، مذكرًا بمسئوليته عن المجازر التي ارتكبت بأبناء المخيمات الفلسطينية في لبنان. واتهمه في ذلك المقال “بتنظيم الإرهاب ضد الشعب الفلسطيني”.

وفي دفعه لتهمة “العداء للسامية” التي رماه بها المؤيدون “لإسرائيل” بسبب الوصف الذي أطلقه على الصحفي اليهودي فاينغولا، أكد عمدة لندن السابق على ضرورة التمييز بين الانتقادات الموجهة إلى السياسة “الإسرائيلية” وبين “معاداة السامية” التي عادة ما تسعى حكومات تل أبيب للخلط بينها، رافضًا الاعتذار عن ذلك الوصف أو التراجع عنه.

وفي الوقت الذي شدد فيه على معارضته للعنصرية واحترامه للشعب اليهودي، أكد على الفارق بين أقواله وعملية التضليل التي تمارسها “إسرائيل” حول انتشار “معاداة السامية” في أوروبا بهدف تكميم أفواه منتقدي سياساتها العدوانية، مذكرًا بأنها “عملت دائماً على اتهام أي شخص انتقد سياستها العدوانية بمعاداة السامية”. هذا ودان سياسة التطهير العرقي ضد الفلسطينيين التي “تمارسها إسرائيل خلال توسيع المستوطنات في الأراضي المحتلة ورفضها حق العودة للفلسطينيين”.

وفي ما اعتُبر إدانة صارخة لسياسة التطهير العرقي التي شكلت نهجًا ثابتًا للحكومات “الإسرائيلية” على مدى عقود، قال ليفنجستون: “إن التوسع الإسرائيلي هو شكل من أشكال هذه السياسة، فالفلسطينيون الذين عاشوا على أرضهم لقرون طويلة يُجبرون على الخروج منها من خلال العنف والإرهاب الإسرائيليين المنظمين”، مضيفًا “إن حكومة تل أبيب تواصل مصادرة أراضي الفلسطينيين لإقامة المستوطنات عليها، وتقوم باجتياحات عسكرية في دول الجوار وتتنكر لحق الفلسطينيين في العودة إلى أراضيهم التي شردهم الإرهاب الإسرائيلي منها”.

وبالعودة إلى المقبور أرييل شارون الذي وصفه بـ”مجرم حرب”، أضاف أن “لجنة كاهان الإسرائيلية وجدت أنه شارك في مسئولية ذبح الفلسطينيين في صبرا وشاتيلا”، موضحًا أن “الحكومة الإسرائيلية تقوم برسم صورة مشوهة عن العنصرية والتمييز الديني في أوروبا يظهر فيها اليهود وهم يعانون أكثر من هذا التمييز، في حين يشير الواقع إلى أن ضحايا التمييز العنصري هم اليوم من السود والآسيويين المسلمين الذين أصبحوا الهدف الأول للجماعات العنصرية المتطرفة”.

وفي عودة جادة لنبش التاريخ، شبه ليفنجستون الثائر أساليب الجماعات الإرهابية اليهودية بأساليب الجماعات الصربية المتطرفة التي أخرجت البوسنيين من بيوتهم بواسطة الإرهاب، متهمًا الحكومات “الإسرائيلية” بمواصلة “تنظيم الإرهاب ضد الفلسطينيين” ومذكرًا “بأن أعداد الفلسطينيين الذين قتلتهم قوات الاحتلال الإسرائيلية تفوق عدة مرات عدد القتلى الإسرائيليين، وأن هناك آلاف الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية”. هذا واتهم معهد إعلام الشرق الأوسط “ميمري” الذي كان يديره من العاصمة البريطانية عقيد سابق في الموساد “الإسرائيلي” باختيار مواد منتقاة من الصحافة العربية للتعريض بالعرب والمسلمين وتقديمهم في أسوأ صورة ممكنة تحت دعوى الموضوعية.

تجدر الإشارة إلى أن علاقات كين ليفنجستون مع اليهود البريطانيين ومجلسهم كانت جيدة حتى عام 1982، عندما عارض الاجتياح “الإسرائيلي” للبنان، ووقف المجلس اليهودي ضد مطالبته حزب العمال بالاعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية كممثل شرعي وحيد للشعب الفلسطيني. وقد نوه إلى ذلك في مقاله بقوله: إن ما أختلف عليه مع المجلس “ليس الموقف من معاداة للسامية، إنما السياسات العدوانية للحكومات الإسرائيلية المتعاقبة”.

كين ليفنجستون من مواليد مدينة “لامبث” البريطانية لعام 1945. تم انتخابه عضوًا في مجلس المدينة عام 1971. وظل يحتفظ بعضويته حتى اختير عضوًا عن حزب العمال في المجلس الأعلى لبلدية لندن عام 1973. ثم انتُخب رئيسًا للمجلس عام 1981. وعرف عنه دعمه اللامحدود للتيارات اليسارية في عاصمة الضباب، مما جعل منه هدفًا لأجهزة المخابرات والمراقبين من خصومه السياسيين. وبسبب ذلك الدعم وعدائه المفرط لليمين البريطاني. اكتسب لقب “كين الثائر” ثم “كين الأحمر”، الأمر الذي دفع رئيسة الوزراء وزعيمة حزب المحافظين يومها “مارجريت تاتشر” إلى حل المجلس البلدي في عام 1986 في سابقة كانت الأولى من نوعها للخلاص من “المشاغب” ليفنجستون. لكن بعد عام من ذلك التاريخ، رشح نفسه للانتخابات العامة وفاز بمقعد في مجلس العموم البريطاني عن حزب العمال. وفي عام 1999 رشحه الحزب لمنصب عمدة لندن، إلا أنه رفض ذلك الترشيح وخاض معركة “العمودية” كمرشح مستقل، وفرض نفسه كأول عمدة مستقل للمدينة. وفي محاولة يائسة لإقصائه عن المنصب في انتخابات 2004، قررت قيادة الحزب طرده من صفوف الحزب من عام 2000 إلى عام 2004، إلا أنه فاجأها بالفوز من جديد للمرة الثانية.

ليفنجستون كان معارضاً صلباً للسياسة الأمريكية ـ البريطانية في العراق وكان وما زال مناهضاً لجميع أشكال الاحتلالات إلى درجة تبرر منحه  لقب “كين الثائر” بكل جدارة إلى جانب لقب “كين الأحمر”، وذلك لما اتصف به الرجل من نزوع نحو التحدي ورفض الخضوع للإملاءات والضغوط من أي جهة جاءت ومهما كان حجمها ونوعها، خاصة عندما تمس معتقداته ومبادئه. ولعل ما أظهره من مواقف سياسية صلبة وثابتة برغم الحملة الشرسة التي شنها اللوبي اليهودي وما يزال ضده ما يؤكد صدق ذلك كله.

وأذكر هنا أنه عشية وصول الرئيس الأميركي الأسبق الأرعن جورج بوش الإبن إلى العاصمة البريطانية في تشرين الثاني عام 2003، استقبله كين ليفنجستون بتصريحات صحفية حادة وعاصفة، اعتبره فيها “التهديد الأعظم للحياة على الأرض”. وأضاف في حينه “أن سياسات بوش ستدفع العالم بأسره نحو الدمار الشامل”. هذا وأعلن عدم اعترافه به كرئيس شرعي للولايات المتحدة لأنه حسب رأيه “لم يتم انتخابه بصورة رسمية”، وفي حين عُرف ليفنجستون باحتفائه بالرسميين العالميين الذين كانوا يزورون العاصمة البريطانية إلا أنه رفض إقامة حفل استقبال رسمي للرئيس الأمريكي في مقر “عموديته”. ويوم أقدم على تلك الخطوة، لم يكن قد مضى على الاحتلال الأمريكي البغيض للعراق أكثر من سبعة أشهر فقط، مما يعني أن تصرفه جاء في حينه احتجاجًا ورفضًا صريحين لذلك الاحتلال.

وما يثير دهشة خصومه وإعجاب مؤيديه به أنه لم يعط في يوم من الأيام وزنًا يُذكر للروابط والعلاقات المميزة بين بلاده والولايات المتحدة وزعماء البلدين. ولم يلتفت مطلقًا لكون بلاده الحليف الأوروبي الأكبر للولايات المتحدة في عدوانها على العراق واحتلاله. بل بالعكس من ذلك فقد عارض العدوان على العراق منذ اللحظة الأولى لبدء الإعداد له. وموقفه المناهض لاحتلال العراق بقي على ثباته حتى لحظاته الأخيرة، دونما خوف من العواقب التي كان يمكن أن تترتب على ذلك، أكان ذلك من قبل حكومة بلاده أو من قبل حكومة الولايات المتحدة.

وكما عُرف عن كين ليفنجستون مواقفه الإيجابية والجريئة من العرب وبالأخص الفلسطينيين وحقوقهم، فقد كان له مواقف مماثلة من المسلمين وقضاياهم العادلة. وأذكر على سبيل المثال لا الحصر أنه عندما فجرت النائبة البريطانية عن حزب العمال الحاكم لويز إلمان بإيعاز من المجلس اليهودي في لندن ودعم من تل أبيب حملة سياسية وإعلامية ضد العلامة يوسف القرضاوي في شهر أيار 2004 لمنعه من دخول بريطانيا والمشاركة في مؤتمر حول الحجاب كان مقررًا انعقاده في تموز من ذلك العالم، وقف ليفنجستون ضد تلك الحملة بعناد وقوة، واعتذر للقرضاوي ثم قام برعاية المؤتمر. وفي ذات الوقت أرسل برقية لرئيس الوزراء الفرنسي حثه فيها على إعادة النظر في التضييق على الحريات الدينية الأساسية في فرنسا، محذرًا من “أن أي تمييز ديني يوجه ضد الحرية الدينية للمسلمين من شأنه أن يثير اتهامات بحقهم”. كما حذر حكومة بلاده من مغبة الإقتداء بالحكومة الفرنسية فيما يختص بمنع الحجاب. وفي اعتذار أرسله للقرضاوي في كانون الثاني 2005، كشف ليفنجستون النقاب عن أن “الموساد الإسرائيلي واليمين البريطاني المتطرف كانا وراء الحملة التي تعرض لها الرجل”. وقد أرفق ذلك الاعتذار بمطالبة الذين اعترضوا على استقبال القرضاوي في لندن بالاعتراف بأنهم “استُغلوا من قبل الموساد واليمين المتطرف ومعهد ميمري” والمبادرة بتقديم الاعتذار له.

عندما يكون كين ليفنجستون على ما هو عليه من صلابة وعناد الرجال أصحاب المبادئ والقيم الإنسانية والأخلاقية، وعندما نرى أنه برغم قرار حزب العمال الجائر الذي قضى بتعليق عضويته في الحزب مؤخراً والقرارات والأحكام الجائرة التي صدرت بحقه سابقاً وبرغم جميع الضغوط التي مورست وتمارس ضده ما يزال يصر على مواقفه المبدئية والثابتة تجاه قضايا العدل الدولية وفي مقدمها قضية فلسطين وقضية الصراع العربي – “الاسرائيلي” بشكل عام، لا يسعنا إلا أن نحييه ونشد على يديه ونبادره بكل احترام وعرفان بالجميل تأييدًا له في معركته ضد ظلم الضغوط والقرارات والأحكام الجائرة التي لا تدور عجلتها إلا لخدمة بني صهيون والصهيونية وبني سام ومن تبقى من حثالات المحافظين الجدد!!

كين ليفنجستون صاحب مواقف مبدئية، لا يخضع ولا يتراجع، فتحية تقدير له !!   

محمود كعوش

كاتب وباحث – الدنمارك

1 مايو/أيار 2016

kawashmahmoud@yahoo.co.uk

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى