الرئيسية » الهدهد » زوجي معتقل بالسعودية فقط لأنه تكلم !!

زوجي معتقل بالسعودية فقط لأنه تكلم !!

في صباح يوم شتوي بارد، كان صوت حفيف القماش هو الوحيد المسموع بالغرفة، لقد كنت أُلبس ابنتي، ليلى، البالغة من العمر 3 سنوات، لتذهب إلى المدرسة، وأثناء تحديقها بحذاء الثلج خاصتها، التفتت إليّ على حين غرة وقالت: “أمي، هل لدي أب؟”.

 

توقفت للحظات، من ثم أجبت: “نعم حبيبتي، لديك أب، أنتي تتصلين ببابا كل يوم”، ولكن ليلى استمرت وأصرت قائلة: “لا، هل لدي أب؟”

 

لا عجب أن طفلتي مشوشة للغاية، فهي لم تلتقِ قط بوالدها، زوجي الدكتور محمد فهد القحطاني؛ ففي عام 2013 أصدرت حكومة المملكة العربية السعودية حكمًا ضده بالسجن لمدة 10 سنوات يليها حظر للسفر لمدة 10 سنوات إضافية، فقط لمجرد أنه كان يمتلك الشجاعة ليطلب من الحكومة تطبيق قواعد حقوق الإنسان وتنفيذ إصلاحات سياسية للمواطنين السعوديين، لقد كان مؤسس وعضو مجلس إدارة الجمعية السعودية للحقوق المدنية والسياسية، التي وثّقت انتهاكات حقوق الإنسان المرتكبة من قِبل الحكومة السعودية، ونتيجة لهذا النشاط السلمي والسياسي، الذي يعد طبيعيًا في معظم المجتمعات، تم اتهامه بـ”الإضرار بالنظام العام” و”تأسيس منظمة غير مرخصة”، حيث حوكم وأُدين وحكم عليه بالسجن.

 

قبل شهر تقريبًا من إدانة محمد وحلّ مؤسسته بموجب مرسوم حكومي، انتقلتُ مع ليلى، التي كان عمرها لا يتجاوز الـ3 أشهر، وأطفالي الأربعة الأكبر سنًا إلى الولايات المتحدة، وهي المكان الذي تخرجت منه أنا وزوجي، بهدف مواصلة دراستي.

 

في سنها، يتعرف العديد من الأطفال الصغار على أبائهم، ولكن ليلى لا تتذكر والدها؛ فهي تعرفه فقط من خلال ذاك الصوت الحنون، ولكن بلا جسد، الذي يخاطبها من خلال المكالمات الهاتفية اليومية التي يسمح بها سجانوه السعوديون، وعلى الرغم من أن علاقة ليلى مع والدها مختلفة عن تلك التي يتمتع بها أشقاؤها الأكبر سنًا معه، والذين كان معظمهم فتيًا عندما دُك والدهم في السجن، إلا أن علاقة ليلى الفريدة مع والدها تثبت بأن الحب يمكن مشاطرته من خلال تلك القناة الوحيدة الصغيرة التي تمتلكها ليلى ووالداها للتواصل.

 

“إنها ذكية للغاية” يقول محمد عن ابنته الصغرى، ويتابع “يمكنني استنتاج ذلك من صوتها”.

 

على الرغم من كونه مختلفًا، إلا أن الأمر بالنسبة لباقي أطفالي ليس سهلًا؛ فهم امتلكوا فرصة معرفة والدهم، “أنا أعرف والدي، ويؤسفني بأن ليلى لم تحظ بفرصة للتعرف عليه”، يقول أطفالي في كثير من الأحيان، فأولادي، عبد الله (19 عامًا)، نورا (17 عامًا)، عمر (15 عامًا)، وعثمان (13 عامًا)، شبوا معتادين على وجود والدهم المادي فيما بينهم .

 

“ليلى محظوظة لأنها لم تعرفه” تقول نورا، وتتابع: “لأنها لن تشب وهي متعقلة به للغاية”.

 

أحد أصدقاء العائلة، الدكتور إياد مرفيت الحائز على شهادة البكالوريوس في علم النفس، يمتلك ثقة بليلى، حيث يقول: “إنها على ما يرام، فهي تتمتع بشخصية قوية، وستكون على ما يرام”، ولكن الدكتور مرفيت يقول لي بأنني يجب أن أكون أكثر قلقًا حول أشقاء ليلى لأنهم “حبيسوا ذكرياتهم مع والدهم”.

 

يتذكر أشقاء ليلى باستمرار أنشطة طفولتهم مع محمد، فلطالما استرجعوا ذكريات تنزههم مع أبيهم وقصصه التي كان يرويها حول حلقة النار في المخيم، على سبيل المثال.

 

“أمي لا تخبر إخوتي بأنني أبكي عندما أذهب إلى فراشي” يقول عثمان، ويتابع: “أحيانًا أضطر إلى تغيير وسادتي”.

 

أستطيع أن أستوعب مدى صعوبة هذا الأمر بالنسبة للأطفال، ولكنني لا أستطيع أن أفعل لهم الكثير؛ فأنا أحاول أن أحثهم على الانخراط بالأنشطة المدرسية، الرياضة، وأعمال المجتمع، كما أشجعهم للاحتفال بكل مناسبة مع والدهم، بما في ذلك عيد ميلاد محمد وذكرى زواجنا.

 

نحصل في بعض الأحيان أيضًا على بعض الدعم غير المتوقع؛ فبعد فترة ليست بطويلة على اعتقال محمد، وصلتنا مفاجأة محببة من مجموعة الشباب السعودي، الذين أرسلوا لنا رسالة كُتب فيها: “لعائلة البطل محمد القحطاني، عيد سعيد، مع المحبة من الشباب السعودي”، وفي مرة أخرى حصلت ليلى على رسالة تشجيع مع دمية كهدية.

 

نحن نقدر حقًا هذا النوع من المبادرات من الشباب في المملكة العربية السعودية، لأنها تجعلني أشعر كما لو أن جميع من في المملكة قد تبنوا ليلى بالحب والرعاية، وبأنهم يدركون بأن محمد هو جزء من محاولة بناء مستقبل أفضل لأبنائه ولجميع الأطفال السعوديين.

 

تسألني ريبيكا إفرلي، وهي مديرة لجنة حقوق الإنسان التابعة للأكاديمية الوطنية للعلوم والهندسة والطب في واشنطن العاصمة، عن أولادي دائمًا، وعن ليلى بشكل خاص، “إذا مررتي بالعاصمة مع ليلى، أتمنى أن تزوريني في بيتي حتى تتمكن ليلى من اللعب مع أطفالي”، تقول لي إفرلي؛ هذا الدعم يعني الكثير بالنسبة لي، لجميع أولادي، ولمحمد أيضًا.

 

لا تمتلك ليلى فرصة الاستمتاع بوجود والدها إلى جانبها، ولكن أحد أصدقائي ذكّرني بأن الأمر ذاته يمكن أن يُقال عن أعظم القادة في العالم، فهم جميعًا تركوا بصمتهم على التاريخ وحدهم، بدون وجود آبائهم إلى جانبهم، والأمر سيان أيضًا بالنسبة للكثير من كبار علماء العالم العربي، كما أن طبيب العائلة، الدكتور جون شيرزا، يقول لي دومًا: “لا تقلقي، هناك الكثير من الأطفال الذين يعيشون بدون أبائهم، ويمارسون حياة طبيعية”.

 

دائمًا ما أقول لنفسي بأن ليلى مميزة، وفي محادثة أجريتها مؤخرًا مع والدها على الهاتف، قلت له بأنها لن تصوت في الانتخابات لمنصب رئيس الوزراء في المملكة العربية السعودية، بل بدلًا من ذلك، سستسعى لحكم هذا المنصب بنفسها، وحينها ضحك محمد، وقال لي: “نعم، إنها مميزة”.

 

“ترجمة وتحرير نون بوست”

 

قد يعجبك أيضاً

رأي واحد حول “زوجي معتقل بالسعودية فقط لأنه تكلم !!”

أضف تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.