الرئيسية » تحرر الكلام » ماذا بعد إقالة الجبوري

ماذا بعد إقالة الجبوري

فاقت التطورات الأخيرة في العراق بتطرفها ما كان يدور في خلد القائمين على العملية السياسية أو الراعين لها من خارج الحدود.

ففي الوقت الذي تم رفض قائمة العبادي التي تتضمن أسماء وزراء التكنوقراط المرشحين لحكومته الجديدة من قبل زعماء الكتل في البرلمان العراقي، أضطر العبادي للتنازل عن قائمة وزرائه وجعل الكرة بملعب تلك الكتل وذلك بالطلب منهم ترشيح ثلاثة مرشحين تكنوقراط لكل وزارة يختار العبادي واحداً منهم لشغل منصب الوزير لتلك الوزارة. وبالتالي فأن المحاصصة الحزبية والطائفية رجعت بصورة أخرى، كون هذا الوزير وإن لم يكن حزبياً إلا إنه يبقى موالي للكتلة التي رشحت اسمه لهذا المنصب الوزاري.

والواضح إنَّ تنازل العبادي هذا جاء على خلفية تهديد كثير من زعماء الكتل بالتصويت على سحب الثقة منه بحجة فشله بتحقيق التوافق على تشكيل وزارته الجديدة، وأيضاً نظراً لتخلي السيستاني عن دعم مواقفه بعد فشل العبادي الوقوف بوجه حيتان الفساد. وبالتالي أصبح العبادي وحيداً أمام تلك الكتل أذا استثنينا الدعم الامريكي الخجول له.

وفي الجلسة المنعقدة يوم الخميس الماضي بتاريخ 14/4/2016 والمخصصة للتصويت على الوزراء الذين أختارهم العبادي، حدثت مشاجرة بين بعض النواب الاكراد ونواب من كتلة المالكي ( ويبدو إنها كانت مفتعلة من طرف كتلة المالكي لتخريب الجلسة) بدأ الشجار بين النواب بالأيادي والتراشق بقناني الماء مما أدى الى إحداث فوضى كبيرة بالبرلمان، قرر بعدها الجبوري رفع الجلسة لمدة ساعة والاجتماع بعدها، إلا إنَّ المجلس لم ينعقد مرة أخرى.

قام بعدها أحد النواب التابعين لكتلة المالكي (لركوب الموجة) بجمع تواقيع لإقالة الجبوري بحجة عدم كفاءته في إدارة المجلس (وكان هذا الاقتراح بعيداً عن أصل المشكلة وغير مطروق سابقاً) ثم تطور الامر بالمطالبة بإقالة الرئاسات الثلاث للتغطية على إقالة الجبوري. وأزداد عدد الموقعين على هذا الطلب وبدأوا اعتصاماً داخل البرلمان، لكن الجبوري لم يعر اهتماماً لاعتصام النواب. وتطور الأمر بالمطالبة بعقد جلسة للنواب المعتصمين وبرئاسة مؤقتة لأكبر النواب سناً تم خلالها التصويت على إقالة الجبوري ونوابه الاثنين، وأدعى النواب المجتمعيين بأن الجلسة قانونية لبلوغها النصاب القانوني.

رفض الجبوري من جانبه تلك الجلسة وأعتبرها مخالفة للقانون وقراراتها باطلة، وقال: “سوف نعتبر تلك الجلسة ممارسة ديمقراطية مارسها النواب ولا يترتب عليها أي قرار قانوني”. لكن البرلمانيين المعتصمين أصروا على مواقفهم واعتبار جلستهم قانونية وأن الجبوري لم يعد رئيساً للبرلمان العراقي، وحددوا يوم السبت جلسة لانتخاب رئيس مجلس النواب الجديد وهو نفس اليوم الذي دعا الجبوري لانعقاد البرلمان بجلسة عادية، يوم السبت مُنع الجبوري من دخول المجلس بالقوة من قبل النواب المعتصمين فاضطر الجبوري لإصدار قرار بتعليق كل جلسات مجلس النواب وتأجيل الجلسة ليوم الاثنين القادم وذلك لغرض تأمين مبنى مجلس النواب من احتمالية أن يكون هناك قنابل أو أسلحة بيد النواب المعتصمين (طرح غريب !!!).

فشل النواب المعتصمون بعقد جلستهم لعدم اكتمال النصاب القانوني. وأجلو جلستهم الى يوم الاثنين وهو نفس اليوم الذي دعا الجبوري لانعقاد جلسة اعتيادية للبرلمان. ويبدوا إن كل طرف متمسك بشرعيته وتحول البرلمان العراقي إلى برلمانيين أثنين مختلفين بالرؤى والتوجهات ويتنازعان الشرعية.

حدث حراك سياسي كبير داخلياً وخارجياً، وأبدت بعض الاطراف الدولية مواقفها من القضية، بينما بقيت أطراف أخرى صامتة بانتظار تطور الاحداث. فقام زعيم حزب الله اللبناني “حسن نصر الله” وبتوجيه من إيران بمحاولة لِلملمة التشظي الذي ظهر على الصف الشيعي السياسي وبالأخص الخلاف بين الصدر والمالكي وتم بالفعل عقد اجتماع ضم الصدر والمالكي برعاية حسن نصر الله في بيروت، ثم اجتماع آخر في طهران بنفس الاطراف إضافة الى ممثلين عن عمار الحكيم وحزب الفضيلة ومنظمة بدر. ومع ذلك لم تنجح تلك الاطراف بردم الصدع الذي حدث بين الاطراف الشيعية. فقام الصدر بإصدار بيان يوم السبت، حدد فيه مهلة 72 ساعة لإقرار حكومة االتكنوقراط أو تقديم الرئاسات الثلاثة استقالاتهم وإلا فأن الصدر يتوعد بتصعيد الحراك الشعبي ضد العملية السياسية برمتها، كما وجه انتقادات حادة للمالكي وشبهه بصدام حسين ضمنياً (القائد الضرورة المتعلق بولاية ثالثة). وهذه أول مرة يقوم بها الصدر بالتهجم على المالكي بهذا الشكل الصريح إعلامياً. وبالفعل نزل أتباع التيار الصدري الى الشوارع وبدوا بنصب الخيام في ساحة التحرير وسط العاصمة بغداد باعتصام مفتوح لحين تحقيق مطالبهم.

أستدعى هذا الأمر لتدخل السيستاني من خلال زيارة قام بها على عجل الوكيل الشرعي له “جواد الشهرستاني” الى بيروت للقاء حسن نصر الله.

أما بالنسبة للأطراف السياسية السنية فقد رفضت عملية إقالة الجبوري واعتبروها بأنها غير قانونية وأن منصب رئيس البرلمان هو من حصة السنة ولا يمكن أن يتم تهميش السنة بتجريدهم من هذا المنصب واستبدال الجبوري بشخصية سنية موالية للأطراف الشيعية.

من ناحيتهم اعترض الأكراد على الجلسة التي عقدها النواب المعتصمين والتي أقالت الجبوري واعترضوا أيضاً على قرار إقالة نائب رئيس البرلمان آرام الشيخ المنتمي لكتلتهم واعتبروه تهميش للأكراد في المجلس. إلا أن الاكراد استغلوا الضرف الذي تمر به العملية السياسية، وعُقد اجتماع بين الحزب الديمقراطي الكردستاني (جماعة البارزاني) وحزب الاتحاد الكردستاني (جماعة الطالباني) تمخض عنه تقديم طلب للسياسيين العرب في بغداد، ملخصه إن الاكراد مع إصلاح العملية السياسية العراقية، إلا إنه يجب مناقشة موضوع الاستفتاء على استقلال كردستان.

أما على الصعيد الدولي، فقد ابدت الخارجية الامريكية قلقها من التطورات السياسية القائمة في العراق، واشترطت أمريكا استقرار العملية السياسية في العراق لتقديم معوناتها العسكرية (بما يشبه التهديد المبطن). وأبدت أمريكا خشيتها من أن تؤثر تلك التطورات السياسية على سير المعارك ضد داعش.

احتماليات تطور المشهد السياسي العراقي

هناك ثلاث سناريوهات محتملة لتطور العملية السياسية العراقية في الايام القليلة المقبلة:

أولها السيناريو الاكثر احتمالا : أن يتم إقرار إقالة الجبوري واستبداله بشخصية سنية مغمورة، وينضم بقية النواب المعترضين على مجلس النواب الجديد الى المجلس الجديد، الامر الذي سيفضي لاستقالة النواب السنة من مجلس النواب (ليس جميعهم وإنما نواب الحزب الاسلامي فقط إضافة لبعض الشخصيات السنية الفاعلة) كما وسيتم عقد مصالحة بين الاطراف الشيعية وبالأخص بين الصدر والمالكي برعاية إيرانية ولبنانية، وسيتم الابقاء على العبادي كرئيس للوزراء لأنه مدعوم أمريكياً وإيرانياً. وسوف يقوم الصدر بفض اعتصاماته ويتم إقرار حكومة التكنوقراط من قبل الكتل السياسية الشيعية. أما بالنسبة للأكراد أذا جرت العملية على هذا النحو، فستكون فرصة مناسبة لهم للحصول من الطرف الشيعي على تنازلات أكثر حول استقلالهم.

وبهذا سوف يكون الطرف السني الخاسر الاكبر وسيتم لفضه لخارج العملية السياسية بالكامل، إلا من بعض الشخصيات السنية غير المؤثرة.

السيناريو الثاني: هو استمرار انقسام البرلمان العراقي الى برلمانَيين أحدهما بقيادة الجبوري والاخر بقيادة جديدة سوف يتم انتخابها قريباً، وسوف تستمر اعتصامات الصدر الى الحد الذي سوف يؤدي لتصادم بين أنصار المالكي وأنصار الصدر في الشوارع منذراً ببداية احتراب شيعي-شيعي، يؤمل بأن هذا الصراع سوف يحسم بنصر كاسح للمالكي نظراً لسيطرته على مفاصل مهمة بالدولة، ويضمن وصول المالكي لرئاسة الوزراء مرة أخرى لا سيما وأن عدد النواب التابعين لكتلته البرلمانية يصل ل 100 نائب برلماني.

هذا السيناريو لا شك سوف يضعف التحالف الشيعي كثيراً، وستكون حكومة المالكي ضعيفة ولها أعداء كثر من الجانب الشيعي والسني وكذلك الكردي، ناهيك عن عدم قبولها أمريكياً وإيرانياً. مما يعجّل بانهيار الدولة العراقية على أيدي المالكي.

هذا السناريو ضعيف، إلا إنَّ الذي يقويه هو رغبة المالكي المستعد لاسترجاع رئاسة الوزراء، أن يرتكب كل الحماقات، وسوف يُدخل العراق بحمام دم جديد.

أمّا على صعيد الحرب على داعش، فيمكن أن يشهد الوضع العسكري انهيارات كبيرة بالجيش والحشد الشعبي أمام داعش بسبب الانقسام الشيعي-الشيعي. واحتياج كل الاطراف الشيعية الى ميليشياتها المنضوية تحت تشكيلات الحشد الشيعي، للدفاع عن كياناتها وأحزابها.

السيناريو الثالث هو الأضعف: في كل هذه الاحداث التي ذكرت نرى إن الدور الامريكي فيها مازال محدوداً في تأثيره، وربما ينتظر الامريكان تبلور الامور لكي يتدخلوا باللحظة الأخيرة، اللحظة التي يمكن أن تفضي تطورات الامور الى تقزيم نفوذها أكثر وأكثر لصالح إيران، أو أن تصل الحالة بالعملية السياسية للمرحلة التي تؤثر على أداء القوى الامنية في حربها ضد داعش، مما يجعل داعش تستعيد المبادرة وتحقيق انتصارات على تلك القوات.

في تلك الحالة يتوقع أن يكون تحرك الامريكان عسكرياً لا سياسياً (نظراً لمحدودية تأثيرها السياسي الحالي على المشاركين بالعملية السياسية).

عن طريق تشجيع من يواليها بالجيش العراقي إضافة الى جهاز المخابرات العراقي الموالي لها، بالقيام بعملية انقلاب عسكرية على النظام الحالي بحجة إعادة تأسيس العمل السياسي العراقي من جديد وفق رؤية جديدة مغايرة للوضع الحالي.

والتسريبات التي كشفتها الصحيفة التركية “يني شفق” مؤخراً تدعم هذا التوجه، فقد كشفت تلك الصحيفة عن اتصالات أمريكية بقيادات عسكرية بعثية تعمل مع تنظيم داعش، للاتفاق معها على جملة من الامور، أهمها التخلي عن داعش والانفكاك عنه، وإرجاعهم للمشهد السياسي العراقي من جديد، وقد تزامنت هذه الاتصالات مع الظهور العلني لعزت الدوري نائب الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين، لتلميع صورة البعثيين مرة أخرى لمسك زمام الامور في العراق.

يبقى أن الاطراف الموالية لإيران من أحزاب ومليشيات، لن تكون مكتوفة الايدي إزاء مثل هذا النوع من الانقلاب عليها، وسوف تعمل ضده، لكنهم سيجابهون بقوى داعمة لهذا الانقلاب من أطراف داخلية وخارجية إضافة الى القوات الامريكية نفسها الموجودة حالياً في العراق. حيث يتم الأن زيادة عديد تلك القوات تدريجياً؟

أما الأطراف الداخلية التي سوف تدعم هذا الانقلاب، المليشيات السنية التي يتم أعدادها في الموصل والانبار إضافة الى دعم الاكراد وميليشياتهم “البيشمركة” بعد أن يأخذوا وعوداً باستقلالهم بنهاية المطاف. كما ومن المتوقع إن يكون هناك تدخل سعودي أو تركي بطلب من حكومة الانقلابين الجدد الذين سيمسكون بزمام الامور ببغداد.

إنه سيناريو كبير ولا نعتقد إنَّ أمريكا بإدارتها الحالية “إدارة اوباما”، لها القدرة أو الرغبة لقيادة مثل هذه العملية الانقلابية الصعبة والمكلفة، ولكنه يبقى احتمال من ضمن الاحتمالات المتوقعة.

قد يعجبك أيضاً

أضف تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.