الرئيسية » تقارير » بخلاف السيسي والإمارات: نظام الأردن تسلَل إلى عمق بنية الإخوان ووظف انقسامهم

بخلاف السيسي والإمارات: نظام الأردن تسلَل إلى عمق بنية الإخوان ووظف انقسامهم

يبدو أن مراكز القرار في الأردن عازمة على تضييق الخناق على جماعة الإخوان في الأردن فقد أغلقت السلطات الأمنية الأردنية المركز العام للجماعة الإخوان بعمان بالشمع الأحمر، عقب شكوى تقدّم بها الأمين العام لـ”جمعية الإخوان المسلمين” المُرخصة في البلاد، والمنشق عن التنظيم الأم، المراقب العام السابق عبد المجيد الذنيبات، ردًّا على ما وصفها بـ”الانتخابات السرّية” التي أجرتها الجماعة في منازل بعض قادتها ومقرّاتها في المحافظات.

وقالت الحكومة الأردنية إنها لن تتعامل إلا مع “جمعية الإخوان” التي يترأسها الذنيبات، التي تمتلك السلطة الاعتبارية القانونية، وفقا للتعبير الرسمي.

وكانت السلطات الأردنية أبلغت نهاية مارس الماضي جماعة “الإخوان المسلمين” بعدم إجراء انتخابات مجلس الشورى مطلع هذا الشهر. وكانت الجماعة قد تعرّضت في العام الفائت لعدد من الصدمات والانقسامات الداخلية التي أثرت في زخمها وأدائها.

وكانت الضربة الكبرى التي تلقتها الجماعة على مدار تاريخ وجودها في الأردن في الشهر الماضي عندما حصلت قيادات مفصولة من الجماعة في مقدمهم الذنيبات، على شهادة تسجيل من الحكومة الأردنية لـ”جمعية جماعة الإخوان المسلمين”، والتي أصبحت بعد ذلك الممثل الشرعي للإخوان، وسط غضب ومعارضة شديدة من “الجماعة” الأم بزعامة المراقب العام د.همام سعيد.

ويُشار هنا إلى أنه منذ سنوات اتسعت رقعة الخلافات الداخلية، منها ما هو إداري منهجي ومنها الشخصي ومنها ما يرتبط بالتوجه والعلاقة مع التنظيم العالمي وحركة حماس، وهذا أسهم كثيرا في إحداث تصدعات على المستوى القيادي، وإن لم تؤثر كثيرا في تماسك الصف، ما أغرى جهاتٍ داخل النظام بالنفاذ إلى عمق بنية الجماعة وتكريس انقسامها، وربما بالتواطؤ مع بعض المنشقين، وهذا بغية إعادة صوغ فكر الجماعة وخطيها السياسي والفكري، بل والتحكم في تشكيلة صفها القيادي وفق ما جاء في موقع “العصر” الإلكتروني.

وما ينبغي ذكره في هذا السياق أن التصعيد مع الجماعة في الأردن جاء في سياق إقليمي عربي مستهدف لهم، وتُوِّج بإطاحة الرئيس الإخواني في مصر محمد مرسي في يونيو2013 .

وتنامت الخلافات بين قادة جماعة في الأردن خلال ثورات الربيع العربي لعدم تفاهمهم حول أولوية مشاريع الجماعة الداخلية والخارجية، إذ نادى فريق بالاهتمام بالملف الوطني وآخر بالقضايا الإقليمية ودعم فروع التنظيم الدولي للجماعة في بلدان الربيع العربي.

وتبعا لذلك، شهدت الجماعة انقسامات واضحة على خلفية انتخابات المواقع القيادية في 2012، والتي فاز فيها المراقب العام الحالي همام سعيد على حساب المراقب العام السابق سالم الفلاحات بفارق صوتين. وفي بداية العام الحالي، تلقت الجماعة التابعة للتنظيم الدولي ضربة قوية أخرى مع استقالة 400 عضو في حزب جبهة العمل الإسلامي وهي ذراعها السياسية، من بينهم 43 قياديَا.

وكان للنشاط الفعّال للجماعة في الاحتجاجات السلمية في الأردن، في مرحلة نفسها، ومطالبتهم بالإصلاح السياسي، تأثير كبير في تأزم العلاقة مع النظام، ما دفع بالحكومة لاحقا إلى تصفية الحسابات معهم، فقد سجلت وزارة الداخلية “جمعية جماعة الإخوان المسلمين” برئاسة د. عبد المجيد الذنيبات بموجب أحكام قانون الجمعيات، أما الجماعة “المصنفة إرهابية” في أكثر من بلد عربي وتتعرض لملاحقات في مصر ودول خليجية، فوضعت القيود حولها.

وبلغت الأمور حدها بين الحكومة والإخوان التابعين للتنظيم الدولي بعدما اتهمت “الجماعة” حكومة عبدالله النسور بمحاولة شق صفوف الجماعة عبر منح “الجمعية” ترخيصا قانونيا. وتأزّمت العلاقة أكثر عندما أصدرت محكمة أمن الدولة في 15 فبراير حكمًا بالسجن مدة عام ونصف العام على نائب المراقب العام للجماعة زكي بني إرشيد، بعدما أسندت إليه تهمة تعكير صفو علاقات المملكة بالإمارات، إثر منشور له انتقد فيه سياسات ابو ظبي تجاه “الإخوان المسلمين”.

وقد أشار تقر أعدته وكالة “قدس برس” أخيرا إلى أن “الإخوان” تلقوا، في الفترة الماضية، أربعة شروط من النظام، مرّرت إليهم عبر شخصيات رسمية، عليهم تنفيذها، إن أرادوا تسوية مشكلتهم: إعلان “الإخوان” الولاء للملك عبد الله الثاني. الانخراط في الحياة السياسية عبر المشاركة في الانتخابات البرلمانية والبلدية، حسب المحدّدات التي وضعها النظام، فك ارتباطهم بالتنظيم العالمي للإخوان، وإعلان وطنية الجماعة وانتمائها للأردن، وأخيرا مطالبتهم برأب الصدع مع جمعية الذنيبات، وهو الشرط الذي أثار حفيظة الجماعة أكثر من غيره.

وأدَى ضغط السلطات والانقسامات الداخلية إلى انقسام أقوى حزب سياسي أردني إلى ثلاث مجموعات منقسمة لا تثق ببعضها البعض: وهي جماعة الإخوان المسلمين القديمة بقيادة همام سعيد من تيار “الصقور”، كما يُطلق عليه إعلاميا، وجمعية الإخوان المسلمين المنشأة حديثاً بقيادة الذنيبات من تيار “الحمائم”، و”مبادرة زمزم” التي أسسها القيادي المفصول من الجماعة إرحيل الغرابية، المحسوب أيضاً على تيار “الحمائم”.

ويميل البعض إلى إضافة مجموعة رابعة مع استقالة نحو 400 عضو، من بينهم قادة كبار وأعضاء مؤسسين يطلق عليهم اسم “مجموعة الحكماء”، والذين يميلون إلى تأسيس حزب جديد. ويرى مراقبون أن هذه الاستقالات والانقسامات قد تدفع بآخرين إلى ترك الحركة، الآمر الذي من شأنه أن يُضعف الجماعة ويُذهب ببعض قوة تأثيرها.

وفي رأي الخبير الأردني في شؤون الجماعات الإسلامية، حسن أبو هنية، فإن السلطات الأردنية لم تنتهج خيار الاستئصال مع جماعة “الإخوان المسلمين”، كما فعلت مصر والإمارات، ولم تنتهج أيضا خيار الاندماج السياسي على غرار المغرب، وإنما تبنّت بعد الربيع العربي نوعًا من الضغط على الجماعة لفرز من أسماهم المعتدلين عن المتطرفين.

وأضاف أن النظام اتخذ قراره بتفكيك الجماعة، ويرمي لأن تصير “جمعية جماعة الإخوان” هي الرسمية أمام الدولة، ثم تبدأ الضغوط القانونية من أجل نزع الشرعية عن الجماعة. ورأى أنّ السبب الرئيس لتأزم علاقة الإخوان مع النظام هو مطالبتها بملكية دستورية والحدَ من صلاحيات الملك وتصحيح قانون الانتخاب، كما عزا أسباب الانشقاق الحاصل بداخلها إلى مشاكل أيديولوجية وتنظيمية، قال إن الجماعة تعاني منها.

ومن الواضح أن الثورات العربية أخرجت التصدعات المستترة داخل الصف الإخواني إلى العلن، ولا يبدو أنها ليست خلافات عادية وإنما هي رؤى متضاربة وتوجهات متعاكسة لا يمكنها الاستمرار تحت سقف واحد.

وفي الأردن، استقوى التيار المهادن بالسلطات الأمنية واستُخدم أداة لتصفية الحسابات، فكان اختراقا فكريا وتنظيميا قل نظيره في تاريخ الجماعة.

وعلى هذا، يبدو أن إلزام أعضاء الجماعة بخط واحد ما عاد يصلح لهذا الزمن، والقول بالوحدة التنظيمية والفكرية التي نظَر لها قادة الإخوان لعقود من الزمن أصبح جزءا من الماضي، بل إن هذا الإلزام والحرص على الظهور بشكل متماسك ومنسجم، بما يخفي الحقائق الداخلية، أسهم بقدر كبير في هذا التصدع القيادي الداخلي، إذ التكتم والحجر والغلق والمنع قد يؤجل التصدع ولكنه قد يهيئ للانفجار ولو بعد حين، والنظام بارع في التغلغل وتعميق الانقسم وتوظيف بعض أطرافه.

قد يعجبك أيضاً

أضف تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.