العلاقة بين النظم السياسية العربية والجيوش (7)
علاقة النظم العربية بالجيوش منذ الاستقلال عن السيطرة الأوروبية يعد بمثابة أحد العوامل المهمة التي كرست للاستبداد ورسخت الفساد في المجتمعات العربية ، وساهمت في ذات الوقت في تعظيم التراكم التاريخي للمتناقضات والنقائص التي مهدت لثورات الكرامة العربية وغذت جذوتها ، وهذه العلاقة هي ذاتها التي كانت من أهم وأعتى مضادات الثورات العربية التي شكلت عقبة كأداء كادت تجهض ثورات الكرامة العربية وتأد نظمها الوليدة وتقضي على مستقبلها .
الفرع الأول : العلاقة بين النظام السياسي والجيش :
تؤكد تجارب الدول العربية على أن علاقة الجيش بالنظام السياسي تأخذ أربعة أشكال ، وذلك على النحو التالي :
الشكل الأول : أن يكون النظام السياسي واقعاً تحت تأثير الجيش ، فهو صانعه وحاميه ، ويتحكم في سلوكاته ، ولا يستطيع مواجهته أو الخروج على هذه العلاقة ، وهنا يكون الجيش قد وصل إلى أقصى ما يمكن الوصول إليه من الانخراط في العملية السياسية ، لدرجة أنه أصبح لاعباً أساسياً ، أو ربما اللاعب الوحيد في الساحة السياسية ، وما دونه لا وزن له ولا تأثير ، بل بمثابة دمى يصنعها ويحركها كما يشاء ، وهذا كان وضع الجيش المصري قبل ثورة 25 يناير 2011م ، والجيش السوري ، والجيش اليمني قبل الثورة ، والجيش الجزائري ، وهذا النظام هو المدني شكلاً العسكري جوهراً .
الشكل الثاني : وهي العلاقة العكسية ، أي أن يأتمر الجيش بأمر النظام السياسي ، حيث يحوي النظام قيادات الجيش بشكل مباشر أو غير مباشر ، ويتحول الجيش إلى أداة مباشرة في يد النظام السياسي لأن الجيش هو الذي يحكم مباشرة ، وهذا هو النظام العسكري الصريح والمباشر ، وهذا هو وضع العلاقة بين النظام السياسي والجيش في مصر بعد انقلاب 3 يوليو 2013م ، وكتائب “القذافي وأبنائه” قبل ثورة 17 فبراير 2011م .
الشكل الثالث : أن يتبع الجيش النظام السياسي بشكل مطلق ويواليه ، نظراً لكونه مؤسساً ومكوناً من أفراد الأسر الحاكمة وحاشيتهم ، وذلك هو وضع الجيوش في الخليج العربي ، وهنا الجيوش هي جيوش خاصة بتلك الأسر ، وليست جيوشاً وطنية يملكها المجتمع وتدافع عنه وعن تراب الوطن ، بل هي تدافع عن تلك الأسر ذاتها .
الشكل الرابع : وهي العلاقة القائمة بين النظام السياسي والجيش ، الذي يعتبر الجيش من خلالها مؤسسة من مؤسسات الدولة ، وليس من مؤسسات النظام السياسي ، وهذا وهو وضع الجيش التونسي قبل الثورة وبعدها .
الفرع الثاني : ولاء الجيش وفق أصول النظرية السياسية :
إن مسألة ولاء الجيش من المسائل الدقيقة والحساسة والتي تحتاج إلى تحليل وتفصيل والنظرية العامة وفق الفقه السياسي ، تحدد ولاء الجيش على النحو التالي :
البند الأول : ليس للجيش إلا ولاءً واحداً لا يتوزع وهو الولاء للدولة ، أما علاقة الجيش بالنظام السياسي فهي علاقة تنسيق وتوزيع أدوار من أجل تحقيق أهداف الدولة ، ولا ينبغي لكل من النظام السياسي والجيش أن يتجاوز دوره المحدد في تحقيق أهداف الدولة .
البند الثاني :الجيش يدافع عن الدولة بكل عناصرها [الإقليم والشعب والنظام السياسي والسيادة] ضد التعديات الخارجية ، التي تستهدف أي من هذه العناصر .
البند الثالث :الجيش يدافع عن شرعية الشعب أي إرادته في الاختيار ، ويدافع عن الدستور الذي يضع النظام الأساسي للدولة ، ويتصدى لأية قوة داخلية أو خارجية تحاول أن تنال من هذين الأساسين ، والقوة الداخلية التي ينبغي أن يتصدى لها الجيش هي العناصر التي تحاول القفز على السلطة الشرعية واغتصابها ، أو التنظيمات أو الجماعات أو الحركات التي تحاول سلب السلطة أو الخروج على القواعد الديمقراطية المتفق عليها.
البند الرابع :الجيش لا يتدخل في العملية السياسية التي ارتضاها الشعب وتضمنها الدستور ، فالعملية السياسية تمضي كما نص عليها الدستور ، وتلتزم كافة القوى بالقواعد المتفق عليها ، وأية قوة تخرج على تلك القواعد يطبق عليها ما نص عليه الدستور .
الفرع الثالث : ولاء الجيش العربي :
ونظراً لخصوصية نشأة وتطورالجيش العربي وعلاقته بكل من الدولة والنظام السياسي ، فقد تحدد ولاؤه على النحو التالي :
البند الأول : هناك جيوش عربية يرتقي ولاؤها للنظام السياسي إذا كان قابضاً على زمامها، محتوياً لقياداتها، محققاً لامتيازاتها، وذلك وضع معظم الجيوش العربية في مصر واليمن والعراق وسوريا والجزائر .
البند الثاني :هناك جيوش عربية يرتقي ولاؤها لمصالح قياداتها في السلطة والنفوذ والاقتصاد ، إذا لم تكن على وفاق مع النظام السياسي ، وكان ذلك حال الجيش المصري في السنة التي سادت فيها الديمقراطية والمشروعية الدستورية من 30/6/2012م حتى الانقلاب العسكري في 3/7/2013م ، وكان ذلك هو حال الجيش اليمني بشكل كلي قبل الثورة ، وبشكل جزئي بعدها ، وهو حال كل النظم الخليجية ، وحال الكثير من الدول العربية التي لم تدركها ثورات الكرامة العربية بعد ، وهذه هي وضعية الدول المتخلفة التي لا تعرف الحكم الرشيد وتعتمد على أساليب القهر والاستبداد .