الرئيسية » الهدهد » الحرب السنيّة الشيعيّة في العراق: هكذا دخلت الطائفيّة على ظهر الدبابة الأمريكية

الحرب السنيّة الشيعيّة في العراق: هكذا دخلت الطائفيّة على ظهر الدبابة الأمريكية

كتب شمس الدين النقاز– على ظهر الدبابة الأمريكية دخلوا بغداد، وعلى أنقاض حكم نظام الرئيس الراحل صدام حسين بنوا حكوماتهم الطائفيّة المتعاقبة، ومن الدماء العراقيّة الزكيّة شربوا ومن جماجم العراقيّين الأحرار شيّدوا القصور لهم ولعائلاتهم، هكذا أضحى وضع العراق باختصار.

 

طائفيّة، سنّة وشيعة، حنفيّ مالكي شافعيّ أو حنبليّ، أشعريّ معتزليّ أم وهّابي، هذه هي عراق القرن الواحد والعشرين، بلد الشعراء والأمراء والفقهاء والعظماء، البلد الّذي تمّ الإعلان عن تدميره وتفتيته ووأد السلم الأهلي فيه رسميّا في 9 من شهر أفريل 2003 قبل أن تظهر القاعدة ومشتقّاتها والجماعات الشيعيّة المسلّحة بتفرّعاتها.

 

عراق نوري المالكي ومن بعده حيدر العبادي، أضحت شعاراتها على التوالي، الطائفية والمحسوبية والسرقة والفساد في كلّ القطاعات، حيث لا يكاد يمرّ يوم فيها إلّا ويسقط فيه عشرات القتلى والجرحى بسبب التفجيرات الإنتحاريّة والإغتيالات على الهويّة.

 

عند الرجوع إلى الوراء قليلا، يمكننا أن نستذكر ما قامت به وكالة الإستخبارات المركزية الأمريكيّة (CIA) من تأجيج الطائفية لتبرر بقاء قواتها في العراق، وذلك بعد أن ألحقت بها المقاومة العراقيّة الّتي وحّدها قتال العدوّ، خسائر كبيرة في الأرواح والعتاد وذلك بهدف طرد المستعمر الّذي ادّعى أنّه جاء لإرساء الديمقراطيّة، في حين أجمع العقلاء أنّ الديمقراطيّة لا يمكن في يوم من الأيّام أن يرسيها مستعمر يقصف الأبرياء ويروّع المدنيين الآمنين بالليل والنهار.

 

ليست أمريكا وحدها من قامت بتأجيج الطائفيّة، بل ساندتها في ذلك الدولة الإيرانيّة من خلال اختراقها لفصائل مسلّحة شيعيّة بدأت هي الأخرى في تشكيل فرق الموت وتنفيذ عمليات القتل والتفجير وإلصاقها بالسنّة، لتحقّق بذلك موطن قدم في العراق من خلال الظهور في ثوب المنقض للشيعة المقموعين والمضطهدين.

 

من جهتها كانت مجموعات من المقاومة العراقيّة السنّية تردّ الفعل على هذه التفجيرات والإغتيالات المشبوهة، عينا بالعين وسنّا بالسنّ، فكما فجّروا فجّرت وكما قتلوا قتلت، لتعيش العراق عام 2006 حربا أهليّة وفتنة طائفيّة لم يسبق لها نظير في تاريخها الحديث.

 

لقد أدّت حادثة تفجير مرقد الإمامين العسكريين في سامراء في 22 فيفري 2006 إلى انطلاق الموجة الأولى من الحرب الأهلية بين السُنَّة والشيعة، والّتي أعقبها حملات انتقامية ضدّ العرب السُنّة تمثلت في إحراق المساجد والإختطاف والقتل على الهوية ومنع السّنيّين من السكن في المناطق الشيعيّة.

 

عند ذلك تمكّنت القوات الأميركية من استغلال حالة التوتر الطائفي لكسب ودّ المناطق السنيّة من خلال الإيحاء لها بأن هذه القوات إنَّما تقوم على حمايتها من هجمات الميليشيات الشيعية، حيث أسندت القوات الأميركية في تلك الفترة إلى قوات الحماية الذاتية مهمّة التحكم بالمنافذ، وعدم السماح بدخول القوى الأمنيّة وفرق الموت التي ارتكبت عمليات القتل الطائفي والإعتقالات والخطف وهو ما أدّى إلى عدد من الجثث المجهولة الهوية بلغت، على سبيل المثل، 2626 جثة من 1 نوفمبر حتى 31 ديسمبر 2006، وفق تقرير صادر عن بعثة الأمم المتحدة لتقديم المساعدة للعراق.

 

من المنصف القول إنّ السنّة بعد الإحتلال الأمريكي للعراق كانوا مضطهدين، وليس من الطائفي الإعتراف بهذه الحقيقة الّتي تواترت خلال السنوات الأخيرة ونطق بها العرب والعجم، فالحكومة العراقيّة الّتي جاء بها الإحتلال كانت شيعيّة ومواقع القوّة والنفوذ والقرار الأخير شيعيّ، وحتّى القوى السنيّة الّتي كانت متواجدة في الحكومة لم يكن لها أيّ دور فعّال ولا كان صوتها مسموع بل كلّ من تكلّم بالحقّ حسبوه على المعارضة وقمعوه.

 

هكذا تحوّلت عراق الفلسفة والحكمة والفكر والمفكّرين والأدب والفقه إلى مدينة قتل واقتتال وتشريد وذبح وتجويع وتحريق، بعد أن دمّرها وفتّتها غزاة الداخل بمعيّة الخارج الّذي تآمر على العراقيّين وحاصرهم لسنين وسنين وتسبّب في قتل مئات الآلاف من المدنيين جوعا بسبب حصارهم الخانق المفروض عليهم منذ حرب الخليج الثانية.

 

لقد قسّمت العراق فعليّا وأضحت فيدراليات مستقلّة تحكم كلّ فيدراليّة حكومة مركزيّة وكلّ منها بقوانينها الخاصّة، فهذه دولة شيعيّة يسكنها الشيعة مع السنّة، وأخرى دولة كرديّة عاصمتها أربيل، وختامها دولة يسكنها ملايين السنة وتحكمها “الدولة الإسلاميّة”، في حين كانت عراق العزّة والتاريخ من شمالها إلى جنوبها موحّدة وغير مقسومة، تعليمها متقدّم ومعمارها متجدّد، وعقول شعبها نيّرة وقلوبهم صافية وسرائرهم نقيّة.

 

لقد ضاعت عراق الأمجاد، وسرح في مدنها الغزاة، ولا نعلم ماذا يخفي لها المستقبل القريب والبعيد أكثر من ذلك، لكننا متأكدون رغم الجراح الكبيرة والآلام العظيمة أنّ عراق الأجداد سيعود إلى سالف عصره وجماله ورونقه مهما طال الزمان أو قصر، وها نحن نجزم أيضا أنّ دولة الظلم الّتي أرستها أمريكا وحلفاؤها ساعة في حين دولة العدل المنشودة ستتحقّق قريبا وستبقى إلى قيام الساعة.

 

 

 

قد يعجبك أيضاً

أضف تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.